يُعد التغير المناخي أحد أخطر التهديدات في الساحل والصحراء، نظرًا لأن الظروف المناخية القاسية "الجفاف، الفيضانات، الاحتباس الحراري، والتصحر"، تنعكس بشكل سلبي على الثروة الزراعية والحيوانية، وهو ما يؤدي إلى تفاقم الأزمات على المناحي كافة، سواء الاقتصادية أو الاجتماعية، وصولًا إلى السياسية والأمنية، وهذا بدوره يشجع على اندلاع الصراعات وإبراز حالة من "عدم الاستقرار السياسي"، وهو ما تستغله الجماعات الإرهابية للتمدد والانتشار والتوسع واكتساب المزيد من القوة والهيمنة في هذه البيئة القاتمة.
ويمكن القول إن انتشار الإرهاب في الساحل والصحراء، هو انعكاس لظاهرة تغير المناخ وأحد تداعياته، لدرجة أن هذه المنطقة بات يُطلق عليها "أرضية خصبة لانتشار الإرهاب" و"موطن الجماعات الإرهابية الأكثر فتكًا في العالم"، ويرجع هذا إلى أن الدول والمناطق الأكثر عرضة لتغير المناخ تعاني بشكل كبير من تدهور في أوضاعهم الاقتصادية والمعيشية، وهو ما يرفع من معدل الفقر والجوع وانتشار البطالة، بل ضعف الإدارة السياسية الحاكمة في تلك البلدان، وهو ما تستغله الجماعات المتطرفة لتجنيد وتمويل عناصرها الإرهابية.
وبالنظر إلى منطقة الساحل والصحراء، فهي ممتدة من المحيط الأطلسي غربًا إلى البحر الأحمر شرقًا، وتضم وفقًا للبعدين الجغرافي والجيوسياسي، مجموعة من الدول، هم (السنغال، موريتانيا، مالي، بوركينا فاسو، تشاد، السودان، ونيجيريا)، إضافة إلى دول شمال إفريقيا الأربعة (ليبيا، تونس، الجزائر، والمغرب)، وغالبية هذه الدول تعاني بشدة من التغييرات المناخية، وهو ما جعلها أكبر المناطق إزعاجًا في تلك القارة، ويرجع ذلك لهشاشة المنظومات الأمنية لبعض دولها، وهو ما أدى بدوره إلى تنامي عملية جلب الجماعات المتطرفة إليها كـ"بيئة حاضنة"، الأمر الذي جعل تلك المنطقة محل اهتمام الدوائر الأمنية ومؤسسات صنع القرار على المستويين الإقليمي والدولي.
وبناءً على ما تقدم، فإن هذا التحليل يحاول الإجابة على هذا التساؤل، ما هو تأثير التغييرات المناخية على جغرافيا الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء؟، وذلك من خلال التطرق إلى معرفة أسباب مساهمة تغيير المناخ في انتشار الإرهاب، ثم الانتقال إلى البحث عن خرائط انتقال التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء.
تغيير المناخ وانتشار الإرهاب:
تُمثل التغييرات المناخية في نظام سياسي واقتصادي واجتماعي وبيئي هش أرضًا خصبة للجماعات المتطرفة التي تدعي أنها تستطيع تغطية الاحتياجات المعيشية للمجتمع، وإيجاد حل للأزمة الإنسانية التي يشهدها، كالآتي:
(*) هشاشة النظام السياسي: نجم عن الآثار السلبية لتغير المناخ المتمثلة في (ارتفاع شديد في درجات الحرارة، تغييرات في النباتات والحيوانات، زيادة الجفاف، حرائق الغابات، فقدان المحاصيل ونقصها)، عدم قدرة بعض الحكومات بمنطقة الساحل والصحراء، على الاستجابة لاحتياجات مواطنيها وتقديم الخدمات الاجتماعية لهم وتحسين نظام الرعاية الصحية، وهو ما يعني، أن التغييرات المناخية نجم عنها حالة من "العجز السياسي" أدت إلى تفاقم التوترات الاجتماعية وسلهت من انتشار العنف، وهو ما دفع بعض القيادات الحاكمة للتعاون مع تنظيمات إرهابية بزعم أن الأخيرة ستساعدهم في حل الأزمة الإنسانية التي يواجهها المجتمع خاصة المتعلقة بـ"انعدام الأمن الغذائي"، منها على سبيل المثال، تعاون الرئيس النيجري "محمدو إيسوفو" في 2012، مع الجماعات المسلحة بمالي بما في ذلك "الحركة من أجل إنقاذ أزواد" (المنبثقة عن متمردي الطوارق سابقًا)، وهو ما ساهم في تمدد الأعمال الإرهابية لهذه الحركة فيما بعد.
(*) ضعف هيكل القوات الأمنية: ساهمت الظروف البيئة والتغيرات المناخية القوية وهطول الأمطار غير المنتظم في وجود عوائق أمام تحقيق الأمن الغذائي والحد من الفقر، وهذا بدوره أثر على تشكيل القوات الأمنية في منطقة الساحل والصحراء، إذ أن فشل بعض الحكومة في توفير المعدات العكسرية اللازمة لقواتها الأمنية ساهم في إضعافها وأدى إلى زيادة انعدام الأمن، وهو ما استغلته عدد من التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل التي تعاونت معنا، بهدف الاستيلاء على السلطة وإقامة حكومة مبينة على الشرعية الإسلامية، خاصة في الفترة من (2015-2017) التي شهدت تناميًا في نشاط الجماعات الإرهابية، وخاصة في بوركينا فاسو ومالي والنيجر، إذ أعلنت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين شمال مالي (JNIM)، مارس 2017، بزعامة "إياد أغ غالي"، أحد قادة الطوارق التاريخيين، التعاون مع عدد من التنظيمات، وعلى رأسها "القاعدة في بلاد المغرب، وجماعة أنصار الدين، والمرابطين"، التي يتزعمها الجزائري مختار بلمختار، بجانب الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى (ISGS) (فرع تنظيم داعش).
(*) تفاقم الصراعات المحلية على الموارد: استغلت التنظيمات الإرهابية النزاعات المحلية في بعض مناطق الساحل والصحراء، سواء التي اندلعت بين الفلاحين والرعاة في نيجيريا، أو المزارعين والبدو الرحل "مجتمعات الفولاني" في مالي أو النزاعات العرقية في بوركينا فاسو، أو نزاعات المزارعين في تشاد، أدى إلى تفاقم الوضع الأمني الهش، فعلى سبيل المثال، في سبيعينات القرن الماضي انخفض منسوب المياه بأكثر من 50 في المئة في منطقة بحيرة تشاد (تضم أجزاءً من الكاميرون، تشاد، النيجر، نيجريا) المصدر الأساسي للصيادين والمزارعين والرعاة، نجم عنه جفاف أثر بشكل سلبي على اقتصادهم، بل وأدى إلى أمرين، أولهما، نزاع بين مجتمعات الصيد والمهاجرين هناك. والأمر الثاني، ارتفاع موجات النزوح، حيث هاجر نحو 200 ألف تشادي إلى نيجيريا، وما استغلته جماعة "بوكو حرام" فبدأت باستغلال هؤلاء التشاديين وأوهمتهم أنها ستوفر لهم جميع احتياجتهم اليومية، حتى تضمن في نهاية الأمر ولائهم وتجندهم لصفوفها، أما في مالي فقد تلقى "رعاة الفولاني" بعد تفاقم أزمة الرعي جراء الطقس السيئ ونقص المياه وعودة صراعاتهم مع المزارعين في 2018؛ دعوة من تنظيمي القاعدة في بلاد المغرب وداعش بالصحراء الكبرى للانضمام إلى جماعتهم المسلحة وتبادل الحماية والمساعدات الإنسانية.
وهذه النزاعات الناجمة عن التغيرات المناخية، سمحت للجماعات الجهادية بتحديد خطة استراتيجية، بهدف ترسيخ قوتها ووجدها في القرى تحت مزاعم توفير المياه والغذاء لسكانها والاندماج مع المهاجرين من مناطق أخرى، بسبب أزمة المياه والجفاف، نجم عن ذلك تدشين ما يُعرف بــ"النظام البيئي السلفي الجهادي" في منطقة الساحل، وهو ما أدى في نهاية الأمر إلى تنامي الإرهاب السلفي الجهادي في منطقة الساحل.
(*) ندرة الموارد الغذائية والمائية: استغلت التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء انعدام الأمن الغذائي والمائي لتجنيد المزيد المواطنين مستغلة حاجاتهم إلى المياه، بجانب أن جماعة بوكو حرام كان لها دورًا في التسبب باندلاع أزمة غذائية في شمال نيجيريا وبحيرة تشاد، من أجل رغبتها في تحقيق هدفين، أولهما إثارة مشاعر معادية تجاه الحكومة وخلق فراغ سياسي تسعى الجماعة الإرهابية لتحقيقه، والهدف الثاني، هو إجبار الأفراد على الانضمام إليها، وساهم النمو السكاني السريع في العديد من بلدان الساحل بتسهيل الأنشطة الإرهابية، لأنه يزيد من الضغط على المؤسسات الحكومية الهشة والموارد المحدودة، ففي منتصف عام 2010، توجه مجموعة من شباب الكاميرون إلى نيجيريا، بسبب ارتفاع معدلات انعدام الأمن الغذائي وارتفاع حالات سوء التغذية، واستغلت بوكو حرام أوضاع الفقر التي يعاني منها سكان منطقة الساحل وعرضت عليهم ما بين 600-800 دولار أمريكي شهريًا للانضمام إليها.
خريطة التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء:
يوجد في منطقة الساحل والصحراء ثلاثة أنواع من الجماعات الإرهابية، الأولى، متمثلة في "الجماعات الجهادية العابرة للحدود" وهي الجماعات ذات الصلة بتنظيمي القاعدة وداعش، مثل، نصرة الإسلام والمسلمين شمال مالي (JNIM)، القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي (AQIM)، الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى (ISGS)، وتنظيم داعش في غرب إفريقيا (ISWA)، أما النوع الثاني، متمثل في الجماعات التي تندرج أفعالها ضمن نموذج عرقي، قومي، ديني، منها (أنصار الدين، المرابطون، وكتيبة تحرير ماسينا)، أما النوع الثالث والأخير، يندرج ضمن إطار الجماعات التي تظهر استجابة لأحداث أو مواقف معينة مثل ميليشيا دوجون العرقية في مالي التي تُعرف أيضًا بـ"جمعية دنان امباسجوه" التي ظهرت في 2016، مدعية أنها توفر الحماية لممجتمعات الدوجون ضد أي هجمات من قبل الجماعات الإرهابية.
تجدر الإشارة إلى أن السنوات الخمس الماضية، شهدت زيادةً كبيرةً في الهجمات الإرهابية بمنطقة الساحل والصحراء، ولا سيما عند تقاطع حدود بوركينا فاسو ومالي والنيجر، حيث سُجل أكثر من 1600 حالة وفاة إرهابية في البلدان الثلاثة عام 2021، مقابل 1300 حالة عام 2020، كما احتلت بوركينا فاسو التي تشهد مخاطر جمة في المياه المرتبة الرابعة في مؤشر الإرهاب العالمي GTI للعام 2022 (وكان تنظيم نصرة الإسلام والمسلمين أكثر التنظيمات ارتكابًا للعمليات الإرهابية في هذا البلد خلال 2021)، بينما نيجيريا احتلت المرتبة السابعة (جراء تنامي الأعمال الإرهابية لجماعة بوكو حرام خلال 2021)، وجاءت مالي في المرتبة السادسة، والنيجير في المرتية الثامنة (بفضل زيادة الأعمال الإرهابية لتنظيم الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا خلال 2021).
ووفقًا لمؤشر الإرهاب العالمي "GTI" للعام 2022، برزت "جماعة بوكو حرام" في نيجيريا من أبرز التنظيمات التي قامت بأعمال إرهابية خلال الفترة من (2007- 2021)، وانتقلت في الفترة من (2014-2021) لتنفيذ عدد من العمليات الإرهابية في الكاميرون، ولذلك صُنفت كـ(واحدة من أبرز الجماعات الإرهابية في العالم)، كما أفاد المؤشر بأن تنظيم "الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا" كان من أبرز الجماعات الإرهابية التي ارتكبت عدة أعمال متطرفة بنيجيريا في الفترة من (2017- 2021)، ومن أبرز التنظيمات الإرهابية النشطة حاليًا في منطقة الساحل والصحراء، يوضحها الجدول التالي:
وختامًا؛ يمكن القول إن تأثير الإرهاب يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالتهديدات البيئية المتعلقة بانعدام الأمن الغذائي والمائي، وهما أكبر خطرين يواجهان منطقة الساحل والصحراء التي أثبتت بشكل لا جدال فيه أن التنظيمات الإرهابية تُولد من رحم التغييرات المناخية، وإن فشل المجتمع الدولي حتى الآن في التعامل مع تغيير المناخ بأدوات فعالة، سيسهم في اندلاع المزيد من تلك الجماعات، وهو ما سيؤدي إلى تنامي جرائم العنف والإرهاب، خاصة في المجتمعات التي تعاني من الفقر وعدم المساواة، وهذا بدوره سيؤثر سلبًا على حياة المواطنين في تلك المجتمعات وسيزيد من معدلات النزوح، ومن الممكن أن يهدد بعض الدول الخارجية.