انعكس السباق الرهيب في قطاع الأسلحة بين دول العالم، خاصة المستخدم منها في دعم الاستقرار بالمناطق الحدودية لتلك الدول، على مستوى تسليح التنظيمات الإرهابية المتمركزة في المناطق غير المأهولة بالسكان والعابرة لحدود الدولة، لدرجة أن بعض هذه الجماعات العنيفة، أصبحت تمتلك طائرة الدرونز، لصد هجمات الجيوش النظامية في بعض الدول، هذا بالإضافة إلى امتلاكها أنواعًا متطورة من الصواريخ المضادة للمدفعية والصواريخ المضادة للطائرات.
وفي ظل تزايد مستوى تسليح هذه الكيانات، وتجاهل تحديد مصادر تسليحها من قبل المنظمات الدولية المسئولة عن ضبط العلاقة بين قائمة الفاعلين الدوليين الرئيسيين والمؤثرين على الساحة الدولية، خاصة أنه أصبح لأفعال وتحركات هذه الجماعات والمنظمات دون مستوى الدولة، التي على رأسها الجماعات الإرهابية، أصداء وردود فعل دولية ملموسة- يبقى السؤال: ما هي المخاطر المحتملة لتطور أسلحة التنظيمات الإرهابية؟ وما هي احتمالات تأثيرها على المواجهات المباشرة مع الجيوش النظامية وقوات الشرطة المدنية في بعض الدول؟ وكذلك حدود التغير في شكل علاقاتها ببعض الدول، التي ربما وفقًا لبعض المراقبين تبحث معها عن إيجاد فرص للحوار والتقارب بدلاً من الخصومة والعداء؟
تطور مخيف في مستوى التسليح:
المقارنة بين السلاح المستخدم من قبل التنظيمات الإرهابية التي ظهرت في العصور الوسطى كجماعة "الحشاشين" التي قضت عليهم مصر تحت حكم الملك الظاهر ركن الدين بيبرس، وكذلك الجماعات الإرهابية التي ظهرت قبل عام 2011، وعلى رأسها تنظيم "القاعدة"، وبين السلاح الذي تمتلكه الكيانات الإرهابية التي تتصدر المشهد خلال السنوات الخمس الأخيرة، تشير إلى حدوث نقلة نوعية في قدرات هذه التنظيمات، ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:
(*) الانتقال من "العبوات الناسفة" إلى الدرونز: فقد تلاحظ خلال الفترة الأخيرة حدوث انتقال سريع في مستوى تسليح وعمليات التنظيمات الإرهابية، حيث تستخدم بعض تلك التنظيمات في الوقت الراهن طائرات الدرونز في مواجهة القوات النظامية لبعض الدول، سواء في الدفاع عن نفسها أو الهجوم. وإذا كانت التنظيمات الإرهابية، خاصة المتواجدة في منطقة الشرق الأوسط، تعتمد اعتمادًا كليًا على العبوات الناسفة في القتال في الفترة السابقة على 2011، حيث كانت العبوات الناسفة مسؤولة عن 70% من الهجمات التي تعرضت لها القوات الأمريكية في العراق، و50% من الهجمات في أفغانستان، إلا أنها في الفترة الأخيرة غيرت من تلك الأداة، وامتلكت تقنيات الدرونز، تصنيعًا وتعديلًا "الهندسة العكسية". حيث حاول تنظيم القاعدة عام 2011، استخدام درونز تجارية لحمل قنابل يدوية وضرب واشنطن، وظهر الاستخدام الأوسع للدرونز على يد تنظيم داعش في العراق، خلال العام 2016 حيث نفذ التنظيم 70 هجومًا بالمسيرات على القوات العراقية.
كما استخدمت هذه التقنية من قبل ميليشيا الحوثي باليمن، حيث أصبح لديها تشكيلة واسعة تضم(sammad-Qasef) وهي أشبه بالصواريخ الجوالة، إذ تحمل رأسًا متفجرًا زنة 40 كجم ويصل مداها إلى ما يزيد عن 1000 كم، وتصل سرعتها إلى 200 كم/ساعة، ويتم توجيهها بخاصية(GPS). يذكر أن مجلس الدفاع الوطني بدولة اليمن أصدر قرارًا في منتصف نوفمبر الجاري باعتبار "ميليشيا الحوثي" جماعة إرهابية. كما أنه يجب التأكيد على أنه رغم انتقال بعض التنظيمات الإرهابية لاستخدام تقنية الدرونز، إلا أنها لم تتخل عن استخدام العبوات الناسفة في تنفيذها لبعض العمليات.
(*) الشاحنات المصفحة: تعد الشاحنات المصفحة من أخطر الأسلحة، التي تمتلكها التنظيمات الإرهابية خلال السنوات الخمس الأخيرة، حيث يتم إضافة تدريع سميك على الشاحنات وتحويلها إلى ما يشبه دبابات من حيث الوظيفة، إذا ما تم تثبيت سطحها بأنظمة مدفعية أو رشاشة. كما يتم الاعتماد على الشاحنات في تنفيذ العمليات الانتحارية بعد تحميلها بأطنان من المتفجرات، وشهد الميدان السوري مئات العمليات الانتحارية التي نفذتها شاحنات مصفحة، ولعل أبرزها تفجير مشفى الكندي في حلب.
(*) القوارب الانتحارية: وفقًا للمراقبين، يظل استخدام التنظيمات الإرهابية للقوارب الانتحارية محدودًا، بل قد يقتصر استخدامها في العمليات الإرهابية على ميليشيا الحوثي، خاصة في المسرح البحري الممتد من خليج عدن، حتى ساحل اليمن على البحر الأحمر. إذ تم تسجيل ما يقرب من 40 هجومًا بحريًا لميليشيا الحوثي تم استخدام القوارب الانتحارية في 9 منها. وتأتي هذه القوارب ضمن 3 طرازات كما موضح بالصورة ويتم التحكم فيها عن بُعد. وسجلت استهداف السفن السعودية والإماراتية 21 مرة.
(*) الصواريخ المضادة للمدرعات والدبابات: نتيجة للدعم من قِبل قوى إقليمية ودولية، تم تسليح العديد من التنظيمات الإرهابية والتنظيمات المسلحة المتمركزة في سوريا، التي يصنف بعضها من قِبل العواصم الغربية كـ "معارضة معتدلة"، بالعديد من الأنظمة المضادة للدروع والدبابات مثل صواريخ "تاو" الأمريكية، وصواريخ "كورنيت" الروسية. وكان ميدان غوطة دمشق وأرياف حلب وإدلب واللاذقية أكبر ساحة مواجهة بين الدبابات وهذه الصواريخ التي قلبت في أحيان كثيرة نتيجة المعارك. وكانت الفرقة الأولى الساحلية من أولى الجماعات السورية المسلحة تحصل على هذه الصواريخ.
كما تمكن تنظيم "داعش" منذ عام 2016 من الحصول على نظام (HJ-8 Anti Tank missiles) المضاد للدبابات، وصواريخ (AT-4)، كما تم رصد صواريخ جافلين الأمريكية في أيدي عناصر التنظيم، بالتحديد في "تل عفر" بالعراق.
(*) الصواريخ المضادة للطائرات: على الرغم من التشديد الأمريكي، الذي يهدف إلى منع حصول التنظيمات الإرهابية وغيرها من الفواعل دون الدولة، على الصواريخ المضادة للطائرات، خاصة طراز (FN-6) وصواريخ (strela-2)، وذلك تفاديًا لاستخدامها ضد الطائرات الأمريكية التي تنشط في المنطقة، إلا أن هذه التنظيمات تمكنت من امتلاك تشكيلة متنوعة من الصواريخ المحمولة على الكتف والمضادة للطائرات، حيث وقعت العشرات منها في أيدي أخطر التنظيمات الإرهابية مثل "داعش" و"القاعدة" في سوريا والعراق، وظهر الاستخدام المكثف لطراز (FN-6) وصواريخ (strela-2).
انعكاسات خطرة:
تأسيسًا على ما سبق، وفي ظل القدرات التسليحية النوعية لبعض التنظيمات الإرهابية وغيرها من الجماعات دون مستوى الدولة في مواجهة الجيوش النظامية وقوات حفظ الأمن في بعض دول الصراعات بالعالم، يمكن القول إن استمرار ترك هذه الجماعات في الحصول على الأسلحة المتطورة دون تجفيف مصادرها، سينعكس بالسلب على قدرات الحكومات المركزية في مواجهتها، بل ربما عودتها بقوة على الساحة الدولية بصورة أكثر شراسة، ويمكن تحديد أهم هذه المخاطر على النحو التالي:
(&) توسيع مساحة التمركز في مناطق الأطراف بدول الصراعات، والتوغل في المناطق غير المأهولة بالسكان: من المرجح أن يؤدي التسليح المتطور لبعض التنظيمات الإرهابية المتركزة في أطراف الدول أو في المناطق غير المأهولة بالسكان، خاصة في ظل ضعف قوات حرس الحدود في هذه الدول المضطربة إلى توسيع مساحة تمركزها من جديد في تلك المناطق، خاصة وأن "داعش" قائم بالأساس على استراتيجية التوسع الجغرافي، وهنا تجدر الإشارة إلى أن هذا التنظيم هدد في فترات سابقة بالتوسع في مناطق جديدة رغم أن قدراته العسكرية في ذلك الوقت كانت محدودة، وهو ما كان يعرف وفق إصدارات التنظيم الإعلامية بـ "سمكة الصحراء".
(&) ارتفاع تكلفة مواجهتها من قبل الحكومات المركزية في الدول المتواجدة بها أو التي تستهدفها: قد ينعكس التطور في أسلحة التنظيمات الإرهابية، خاصة بعد امتلاكها لتقنيات الدرونز، بالسلب على قدرات الجيوش وقوات الأمن في دول الصراعات، فمن المرجح أن تتزايد معدلات الخسائر سواء البشرية أو المادية أو في المعدات العسكرية، خاصة التقليدية منها، وهو ما قد يزيد من تكلفة ميزانيات مواجهة الإرهاب في تلك الدول.
(&) القدرة على تنفيذ عمليات عابرة لحدود الدول المتمركزة على أطرافها، تحقيق خسائر في منشآت اقتصادية: وفقًا للمتابعين للعمليات الإرهابية خلال السنوات الثلاث الأخيرة، تلاحظ رصد عمليات إرهابية عابرة لحدود الدولة، مستخدمًا فيها طائرات الدرونز، وقد كان الهدف من ارتكاب هذه العمليات، هو محاولة بعض التنظيمات إرسال رسالة مضمونها، القدرة على التهديد والرغبة في أن تصبح طرفًا رئيسيًا في حلحلة الأزمات السياسية في تلك الدول.
(&) إيجاد فرص من التعاون والحوار مع بعض القوى المتنافسة على السلطة في بعض الدول المضطربة: حيث إنه من المحتمل أن تتحول العلاقة بين التنظيمات الإرهابية والأطراف المتنافسة في بعض الدول إلى علاقة حوار وتقارب بدلًا من الخصومة، وهو ما يبرر فكرة استخدام التنظيمات الإرهابية في تحقيق المصالح، وإن كان هذا حدث بعد عام 2014 بين دول وتنظيمات إرهابية، إلا أنه من المحتمل أن يتزايد في الوقت الراهن-أي تلجأ فصائل أو حكومات متناحرة على السلطة في بعض الدول إلى استخدام التنظيمات الإرهابية ذات القدرات التسليحية الكبيرة في حسم المنافسة.
في النهاية، يمكن القول إن خطورة تطور تسليح التنظيمات الإرهابية، خاصة المتواجدة في مناطق الصراعات العربية أو في المساحات الصحراوية الواسعة بالقارة الإفريقية، يتطلب وضع استراتيجية عربية إفريقية، تكون أهم بنودها ضرورة التشابك العربي العربي أو العربي الإفريقي في تجفيف مصادر تسليح التنظيمات الإرهابية، هذا بالإضافة إلى دعم القوات المتواجدة على الأطراف في دول الصراعات بهدف منع التوغل والتوسع المرتبط باستراتيجية التنظيم الإرهابي "داعش" والتنظيمات المتنافسة معه أو التي تتبني استراتيجيته.