في خضم الاحتجاجات المشتعلة بجميع أنحاء الجمهورية الإيرانية على خلفية مقتل الشابة "مهسا أميني" على يد عناصر شرطة الأخلاق منتصف سبتمبر الماضي، إلى جانب فرض الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات على النظام الإيراني لانتهاكه حقوق الإنسان، أعلن تنظيم "داعش" الإرهابي مساء 26 أكتوبر الماضي، تنفيذه هجومًا إرهابيًا استهدف مرقدًا شيعيًا (ضريح شاه جراغ) في مدينة شيراز جنوب إيران، وهو ما نجم عنه وقوع قتلى وجرحى.
وتجدر الإشارة إلى أن "داعش" أعلن في بيان له عبر موقع التواصل الاجتماعي "تليجرام" مسؤوليته عن هذا الهجوم، ضد ما أسماه "معبد شركي" في مدينة شيراز، وادعى التنظيم مقتل وإصابة 40 شخصًا، فيما أفاد التلفزيون الرسمي الإيراني أن هذا الهجوم نُفّذ من قبل ثلاثة مسلحين ألقي القبض على اثنين منهم، ولا تزال قوات الأمن الإيرانية تكثّف جهودها لإلقاء القبض على الشخص الثالث.
وبناءً على ما تقدم، فإن هذا التحليل سيحاول الإجابة على جملة من التساؤلات، من بينها، أسباب استهداف تنظيم داعش لإيران في هذا التوقيت تحديدًا؟.. ولماذا هاجم الرئيس الإيراني "إبراهيم رئيسي" المتظاهرين عقب هذا الهجوم؟.. أما التساؤل الأخير، فحول الأهداف والرسائل التي يريد من خلالها نظام المرشد توجيهها إلى المجتمع سواء على المستوي الإقليمي أو الدولي.
دلالات التوقيت:
يثير توقيت الهجوم العديد من التساؤلات حول تداعيات الوضع في إيران، وهو ما يتمثل في التالي:
(*) تفاقم حدة الاحتجاجات الإيرانية:
يتزامن هجوم "داعش" على الضريح الديني مع تفاقم حدة الاحتجاجات في جميع أرجاء الجمهورية الإيرانية المشتعلة منذ منتصف سبتمبر الماضي وحتى هذه اللحظة، بجانب استمرار الاضطرابات والاعتصامات التي يقوم بها بعض المواطنين العاملين في قطاعات مختلفة، وذلك على خلفية تردي أوضاعهم الاقتصادية والمعيشية جراء تدهور الاقتصاد الإيراني وانهيار العملة المحلية.
(*) تضييق الخناق الأوروبي على إيران:
تزامن هجوم داعش بعد أسبوع فقط من إعلان وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي خلال اجتماعهم بلوكسمبورج في 17 أكتوبر الماضي، فرض جملة من العقوبات على عدد من الأفراد والكيانات الإيرانية، ذات الصلة بشرطة الأخلاق، وذلك جراء انتهاكاتهم وقمعهم المتواصل لحقوق المواطنين وتظاهراتهم السلمية، وإجبار النساء على ارتداء الحجاب، وهذا بعد خروج عدد منهن للتضامن مع واقعة "مهسا أميني" وإعلان رفضهم لسياسات النظام ضد المرأة.
وفي محاولة لحفظ ماء الوجه، ردت وزارة الخارجية الإيرانية وقتها على العقوبات الأوروبية، بالإعلان أن بلادها ستفرض هي الأخرى عقوبات على بعض الأفراد والكيانات الأوروبية، ونالت بريطانيا النصيب الأكبر منها، إذ أعلنت الوزارة الإيرانية في بيان لها أن عدة كيانات وأفراد بريطانيين على القائمة السوداء تحت مزاعم تقديم الدعم والترويج للإرهاب في طهران.
(*) فشل مفاوضات إحياء الاتفاق النووي:
جاء هذا الهجوم الإرهابي بعد أقل من شهر على إعلان جوزيب بوريل، مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، أن مفاوضات إحياء الاتفاق النووي في فيينا وصلت إلى طريق مسدود، ويرجع هذا إلى استمرار تعنت إيران، إذ تطالب الأخيرة بضرورة منحها جميع الضمانات من واشنطن لعدم تكرار عملية انسحابها مجددًا من الاتفاق كما فعلت في 2018 إبان عهد الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب"، وفي الوقت ذاته تؤكد أمريكا أنها لن ترفع العقوبات الاقتصادية عن إيران إلا إذا قامت بإيقاف وسائل الدعم لميليشياتها في منطقة الشرق الأوسط.
رسائل الاستهداف:
وفي ضوء الدلالات السابق ذكرها، يمكن القول إن هناك مجموعة من الأهداف أراد نظام الملالي تحقيقها من جراء هذا الهجوم الإرهابي، يمكن تناولها على النحو التالي:
(*) تطور الأدوات النوعية لتنظيم "داعش":
إن إعلان التنظيم الإرهابي تبنيه هذه العملية الإرهابية التي تأتي بعد مرور أكثر من أربع سنوات على آخر عملية تبناها في إيران سبتمبر 2018، يبعث برسالة مفادها، أن هناك تطورًا نوعيًا في عمليات داعش وقدرته على تجنيد عناصر جديدة داخل دول جديدة (ضخ دماء جديدة إلى التنظيم) وهذا ما اتضح من إعلان بعض وسائل الإعلام الإيرانية المعارضة للنظام، بأن منفذ هذه العملية هو "إيراني الجنسية" وليس مقاتلًا داعشيًا مدربًا بشكل كبير على ارتكاب مثل هذه الجرائم، وهو ما يعني أن طريقة تجنيده قد تكون من خلال وسائل التواصل الاجتماعي المحسوبة على تنظيم داعش، كما أن وكالة الأنباء الإيرانية "إرنا" قالت في بيان لها إن "المهاجمين تصرفوا مثل الإرهابيين التكفيريين"، الأمر الذي دفع النظام الإيراني لنفي هذه النقطة تحديدًا، وهو ما يؤكد بشكل كبير صحتها، وفق مضمون ظاهرة "الذئاب المنفردة"، خاصة أن طهران لم يوجد بها منذ سنوات خلايا نائمة نشطة موالية لداعش.
(*) رغبة إيرانية في قمع الاحتجاجات بتصدير الإرهاب إلى الوجهة:
من ضمن الرسائل التي يبعثها هذا الهجوم، هو رغبة طهران في الاعتماد على تصدير الإرهاب كذريعة لقمع الاحتجاجات وتحويل أنظار المواطنين إلى حدث آخر، باعتبار أن بلاده يتم تهديدها من الخارج، ومن ثم عليهم الاصطفاف بجانب النظام وقياداته، وهذه الأداة جاءت بعد فشل محاولات قمع هذه الاحتجاجات.
وعليه، هناك فرضية أنه لا صلة لـ "داعش" بهذه العملية، وفقًا لعدة دلالات، هي أن بيان التنظيم جاء مقتضبًا، ومختلفًا عن المرات السابقة في توضيح إجراءات تنفيذ العملية.
أما الدليل الآخر، فيكمن وفق بعض المراقبين، في رفع ورقة "داعش" لتوبيخ المحتجين وتحميلهم المسؤولية، إذ نجد أن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في أول تعليق، ربط الهجوم على الفور بالاحتجاجات لمهاجمة المتظاهرين، معتبرًا أن احتجاجاتهم هي السبب في فتح الباب لهذه العمليات الإرهابية، قائلًا: إن "أعمال الشغب تمهّد الأرضية لوقوع هجمات إرهابية ضد الشعب الإيراني".
أما الدليل الثالث والأخير، فهو ما كشفه الصحفي الاستقصائي والباحث العراقي "هيوا عثمان" في تغريدة على حسابه بموقع "تويتر"، مبينًا أن "التاريخ المكتوب على بيان "داعش" هو 30 ربيع الأول، وفق التقويم الهجري الإيراني، وهو ما يخالف أغلب العالم الإسلامي والسُني على وجهة التحديد في هذا الشهر الذي اقتصر على 29 يومًا. ووافق يوم 26 أكتوبر، الأول من شهر ربيع الثاني، مضيفًا: "يبدو أن داعش يقلدون خامنئي في التقويم الهجري".
(*) اصطفاف شعبي حول النظام:
اتجه النظام بعد هذا الهجوم إلى تصدير رسالة إلى المجتمع الدولي، مفادها، أن الشعب الإيراني سيظل مصطفًا حول قيادته وسيدعم جميع قراراتها لمواجهة محاولات أعداء الخارج لإسقاط نظام الجمهورية الإيرانية، ويكشف ذلك تصدير وسائل الإعلام الإيرانية الموالية للنظام لحشود بعض المواطنين الذين خرجوا لإدانة الهجوم، وبذلك قد يكون المرشد حقق أمرين، أولهما، صرف المواطنين عن احتجاجات "مهسا أميني"، والأمر الثاني "لفت أنظار العالم إلى دعم الشعب الإيراني للنظام الحاكم ورفضه للأعمال الإرهابية في بلاده".
(*) ادعاءات إيران:
بدأ مسؤولو النظام يروجون لفكرة أن هجوم داعش جاء بـ"ضوء أخضر" من أعداء البلاد الذين يريدون الشر لإيران وإعاقة تقدمها، زاعمين أن الأعداء بعد أن فشلوا في دعم الاحتجاجات لتنفيذ مخططهم لجأوا إلى العنف والأعمال الإرهابية، إذ قال "رئيسي"، في خطاب له، "نيّة العدو هي إعاقة تقدم البلاد، ومن ثمّ أعمال الشغب هذه تمهّد الطريق أمام أعمال إرهابية. لذا يأتون إلى مرقد "شاه جراغ" ويطلقون النار على الأبرياء الذين كانوا يقومون بعبادة الله، ومن ثم يتبنى داعش المسؤولية"، خاصة أنه منذ اندلاع الاحتجاجات وطهران تتهم المخابرات الأمريكية بتأجيج الشارع، آملًا في الضغط على النظام وتحقيق تقدم في مفاوضات إحياء الاتفاق النووي.
تأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إنه ليس من المستبعد أن يكون "داعش" تم استدعاؤه من قِبل البعض في الداخل الإيراني للقيام بهذا الهجوم أو الإعلان عن مسؤوليته عنه، فهذا التنظيم تربطه علاقة جيدة مع بعض قيادات الحرس الثوري الإيراني، خاصة أن طهران بعد أقل من 24 ساعة على الهجوم أعلنت عن مقتل منفذ العملية، وقد تكون السلطات الأمنية الإيرانية لجأت هذه المرة إلى داعش ظنًا منها أن الإعلان عن هجوم إرهابي يساعدها على احتواء انتفاضة الشارع الإيراني من جهة، وشغل الشارع بهذه الحادثة من جهة أخرى غير معنى بأرواح الأبرياء التي راحت جراء رغبات إحكام قبضتها على البلاد.