يرجع تأكيد القادة العرب في القمة الـ31 التي استضافتها الجزائر مطلع نوفمبر الجاري، على ضرورة مكافحة الإرهاب في المنطقة العربية، وانعكاساته المتعددة سواءً على المستوى الأمني أو الاقتصادي؛ إلى التطور الملحوظ الذي شهدته قضية الإرهاب خلال السنوات الأخيرة حتى وصلت إلى مستويات نوعية بالغة الخطورة، سواء من حيث تزايد أعداد التنظيمات المتطرفة، أو تنامي نسبة العمليات الإرهابية بالمنطقتين العربية والإفريقية، خاصة أن النشأة الرئيسية لبعض التنظيمات الإرهابية الأكثر عنفًا وتمددًا كـ"تنظيم داعش" كانت في بعض البلدان العربية، ثم اتجهت فيما بعد لتوسع نشاطها في مختلف دول القارة الإفريقية.
ووفقًا لمؤشر الإرهاب العالمي (GTI 2022)، فإن العام الماضي شهد تنامي نشاط أربع جماعات إرهابية، هي: تنظيم داعش (بجميع فروعه سواء في البلدان العربية أو الإفريقية)، وحركة الشباب الصومالية، وحركة طالبان في أفغانستان، التي سيطرت على حكم البلاد في أغسطس العام الماضي، أما التنظيم الإرهابي الرابع، فهو "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" (الموالية لتنظيم القاعدة)، فهذه التنظيمات وحدها كانت مسئولة عن 47 في المئة من إجمال عدد الضحايا خلال العام الماضي.
خريطة متشابكة:
تسعى بعض التنظيمات الإرهابية إلى إيجاد مناطق جغرافية جديدة، تكون جاهزة حينما يخسر أي تنظيم مواقع تمركزه في المنطقة أو الدولة التي يوجد بها، وهذا العنصر عمل على تحقيقه بشكل خاص تنظيما القاعدة وداعش، فكلاهما لديه العديد من مناطق التمركز، فتنظيم الدولة الإسلامية وحده لديه 14 فرعًا بالمنطقة العربية وإفريقيا، وأيضًا تنظيم القاعدة لديه عدد من الفروع في البلدان العربية والإفريقية، يمكن رصدها كالتالي:
(-) تنظيم داعش (الدولة الإسلامية في العراق والشام): عندما تلقى ضربات موجعة على يد قوات التحالف الدولي بالتعاون مع القوات العراقية وقوات سوريا الديمقراطية، أدت إلى خسارته لمواقع تمركزه في الباغوز (شرقي محافظة دير الزور السورية) في 22 مارس 2019، وقبلها خسر الموصل العراقية في يونيو 2017؛ بدأ التنظيم يتوجه نحو الملاذ البديل، الذي كان يعد له منذ سنوات ليثبت أنه باقٍ ويتمدد وذلك عبر بوابة إفريقيا، إذ أصبح له عدة فروع في (غرب ووسط وشرق إفريقيا) وبايعته بعض التنظيمات الإرهابية بهذه المناطق الثلاث، فأصبح لدينا في الوقت الحالي، "القوات الديمقراطية المتحالفة" (فرع داعش في وسط إفريقيا وتحديدًا بجمهورية الكونغو الديمقراطية وينشط في أوغندا)، و"حركة الشباب في موزمبيق" المعروفة أيضًا بـ"أهل السنة والجماعة" (فرع داعش في شرق إفريقيا وتحديدًا في موزمبيق) وينشط في منطقة الشمال على الحدود مع تنزانيا، و"تنظيم داعش في الصحراء الكبرى" وينشط في مالي، النيجر وبوركينافاسو، "تنظيم داعش – ولاية غرب إفريقيا"، و"تنظيم داعش في الصومال"، هذا بجانب وجود 3 فروع لـ"تنظيم داعش ليبيا" وهي (ولاية برقة، ولاية فزان، ولاية طرابلس)، وهناك أيضًا فرع لداعش في تونس يعرف بـ"جند الخلافة"، وأيضًا ينشط داعش في جنوب اليمن.
(-) تنظيم القاعدة: عقب وفاة مؤسس التنظيم "أسامة بن لادن" في 2011 وتولي "أيمن الظواهري" القيادة، وفي ظل الانتشار الواسع لفروع تنظيم داعش (المنبثق في الأساس عن القاعدة)، بدأ "الظواهري" (توفي أغسطس 2022) في إيجاد مناطق تمركز بديلة للتنظيم الذي بدأ في أفغانستان، ثم تمدد حتى بات هناك فروع له في شمال إفريقيا والصومال واليمن وأيضًا في جنوب آسيا، فلدى القاعدة فرعين في تونس هما (عقبة بن نافع، وأنصار الشريعة)، وفي سوريا يوجد "تنظيم حراس الدين"، وكانت "جبهة النصرة" فرع القاعدة في سوريا حتى انفصلت عنه عام 2016، وفي شرق إفريقيا توجد "حركة الشباب الصومالية" والتي تنشط في (الصومال، كينيا، أوغندا، تنزانيا، إثيوبيا)، وفي شمالي وسط وجنوب مالي توجد "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين"(JNIM) (التي ضمت عام 2017 عدد من الفروع الموالية للقاعدة في أفريقيا، كـ"جماعة أنصار الدين، تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، جماعة المرابطون)، وفي العراق يوجد "تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين"، وينشط تنظيم القاعدة أيضًا في جنوب اليمن.
هذه الخريطة الصادرة عن مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي في مارس 2018، توضح التوزيع الجغرافي لفروع القاعدة الرئيسية وعدد المقاتلين لها والتي تقدر الآن بعشرات الآلاف
عوامل محفزة:
هناك جملة من العوامل ساهمت في انتشار تلك الجماعات في المنطقتين العربية والإفريقية، بل وساعدتها على تنفيذ المزيد من الأعمال الإرهابية، تتمثل في التالي:
1- سيطرة الجماعات الفاعلة من دون الدول "Non-state actors": إن إحكام بعض التنظيمات الإرهابية، قبضتها عنوة على جزء من أراضي بلدان المنطقة ومشاركتها للدولة في الحكم، ساهم في انتشار الإرهاب والصراع بهذه البلدان، وقد ظهر ذلك بشكل واضح في البلدان العربية المأزومة، على رأسهم، اليمن، فمنذ سيطرة ميليشا الحوثي الإرهابية (الحكومة اليمنية الشرعية صنفتها جماعة إرهابية منتصف أكتوبر 2022) على العاصمة اليمنية صنعاء وعدد من المحافظات اليمنية، خاصة الواقعة في الشمال أغسطس 2014، وهذا البلد العربي يعاني من تفشي للإرهاب سواء الذي يقوم به الحوثيين الذين استهدفوا خلال السنوات الماضية العديد من المنشآت الحيوية والمدنية في المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات، فضلًا عن عملياتهم بالداخل اليمني ما بين الاعتقالات التعسفية وقصف المنازل وعمليات الإخفاء القسري، بجانب الزجّ بالأطفال والشباب اليمني إلى جبهات القتال، وهو ما نجم عنه وقوع عدد كبير منهم قتلي وجرحي، ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل ساهم الصراع اليمني في تمدد تنظيمي القاعدة وداعش، اللذان نشطا خلال عام 2020 في محافظات تعز والبيضاء ومأرب، وفي الوقت الحالي ينشطان بالمحافظات الجنوبية وتحديدًا في عدن وأبين ولحج.
2- صراع الأجهزة الحكومية على السلطة: بعد ما يعرف بثورات الربيع العربي 2011، وسقوط عدد من الأنظمة في المنطقة، وقعت حالة من الفراغ الأمني والسياسي في مؤسسات صنع القرار في بعض الدول العربية والإفريقية، وهو ما استغلته التنظيمات الإرهابية للتمدد والانتشار، فعلي سبيل المثال، يسيطر على ليبيا في الوقت الراهن، حكومتان: الأولى، حكومة الوحدة الوطنية برئاسة "عبدالحميد الدبيبة" في الغرب وتسيطر على العاصمة الليبية "طرابلس"، والثانية، حكومة "فتحي باشاغا" المنتخبة من قبل البرلمان في الشرق، حيث أدي هذا الصراع المحتدم على السلطة إلى ظهور تنظيمات متطرفة وميليشيات مسلحة، وحاليًا يخوض الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير "خليفة حفتر" معارك لتطهير الجنوب الليبي من التنظيمات الإرهابية التي يستعين بها "الدبيبة" للسيطرة على البلاد، ومنها جماعة الإخوان (صنفها مجلس النواب الليبي منظمة إرهابية في مايو 2019)، هذا بجانب وجود لتنظيم داعش في بعض مدن الجنوب كمدينة أوباري، وفي باقي المواقع الصحراوية بجنوب ليبيا.
وتنشط الجماعات المسلحة التشادية في الجنوب الليبي، وتحديدًا بالمنطقة الحدودية بين ليبيا وتشاد، وهي مكونة من مجموعتين، هما "مجلس القيادة العسكرية لإنقاذ الجمهورية" (CCMSR)، و"جبهة التغيير والوفاق في تشاد"، إضافة إلى وجود الجماعات المسلحة السودانية أيضا بالجنوب، ومنها، (تجمع قوات تحرير السودان وجيش تحرير السودان، ومجموعة عبدالله بانداو منظمة مجلس الصحوة الثوري السوداني، وحركة العدل والمساواة) وفقًا لتقرير الأمم المتحدة الصادر عن ليبيا (2019-2021).
3- هشاشة النظام السياسي الحاكم: ساهم ضعف بعض أنظمة البلدان العربية المأزومة واستعانتها ببعض القوي الأجنبية للتدخل، في تنامي نشاط التنظيمات الإرهابية وانتشارها بهذه البلدان، فعلى سبيل المثال، فإن هشاشة النظام السوري برئاسة "بشار الأسد" خلال السنوات الماضية وتردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وفشل النظام في تأمين أرجاء البلاد، أدى إلى ظهور تنظيمات إرهابية جديدة في سوريا، كـ"هيئة تحرير الشام"(تصنفها واشنطن كجماعة إرهابية منذ ديسمبر 2012 حينما كانت تعرف بجبهة النصرة قبل انفصالها عن القاعدة وتغير اسمها في 2017، مستغلة الصراع بين الفصائل الموالية لتركيا في شمال سوريا، حتى استطاعت السيطرة على نصف محافظة إدلب شمال سوريا بجانب سيطرتها على معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، ومنطقة عفرين، هذا بالإضافة إلى عودة "تنظيم داعش" مجددًا مستغلًا استمرار ضعف النظام السوري، لإعادة نشاطه وهذه المرة في منطقة البادية السورية (جنوب شرق سوريا) من خلال "لواء القدس"، وينشط أيضًا في دير الزور الشرقي، ويركز على استهداف الفصائل الموالية لإيران التي تحارب نيابة عن النظام بهذه المنطقة، أما فرع تنظيم القاعدة الحالي في سوريا "تنظيم حراس الدين" فيتخذ من إدلب ملاذًا آمنًا للتنسيق مع قيادات القاعدة بالخارج لتنفيذ عمليات خارج الأراضي السورية.
4- استغلال انعدام الفرص الاقتصادية للدولة: من ضمن العوامل التي ساهمت في صعود عدد من التنظيمات الإرهابية، بجانب ضعف البنية السياسية والأمنية، تدهور الأوضاع الاقتصادية للدولة، إذ استغلت بعض التنظيمات هذه النقطة للتمدد والانتشار وتجنيد أكبر عدد من المواطنين، وهذا السبب من ضمن العوامل الرئيسية التي ساعدت في بروز كل من:
(-) "جماعة بوكو حرام" في نيجيريا (صنفتها واشنطن كمنظمة إرهابية أجنبية في نوفمبر 2013) وعقب هذا التصنيف اتسع نشاطها الإرهابي حتى باتت تصنف بـ"أخطر تنظيم إرهابي في غرب إفريقيا"، وبايعت تنظيم داعش في مارس 2015، وتنشط حاليًا في مدن الريف بالشمال الشرقي بالأراضي النيجيرية التي تتمتع بثروات نفطية طائلة، ونظرًا لذلك فكان قادة الحركة يوجهون انتقادت جمة إلى النظام الحاكم بسبب سوء توزيع الثروة النفطية، وسبق وتعاونت مع النظام بحجة مساعدته في تحسين الأوضاع الاقتصادية للبلاد إلا أنها تفاقمت واستغلت الحركة غياب الاحتياجات الأساسية، وارتفاع معدل البطالة والفقر في البلاد الذي يعاني منه نحو 40 في من السكان، وحاجة المواطنين للموارد، إلى التمدد والانتشار، ولذلك ركزت عملياتها على منطقة شمال شرق نيجيريا حيث معدل فقر مرتفع (حوالي 76 في المئة)، وأيضا معدل الأمية مرتفع (يبلغ نحو 85 في المئة)، وهو ما ساهم في إغراء المواطنين بالمال للانضمام إلى الحركة، ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:
(-) "حركة الشباب "في الصومال (صنفتها واشنطن كجماعة إرهابية يوليو 2018) تعد التنظيم الأخطر في منطقة شرق إفريقيا، وبايعت تنظيم القاعدة في 2012، وتحتل حاليا حوالي 25 في المئة من الصومال، وتنشط في كينيا، أوغندا، وإثيوبيا، وتسعى للتمدد شمالاً ليصل نفوذها حتى جنوب السودان، واستغلت هذه الحركة المجاعة الشديدة التي يشهدها نحو ثلث سكان الصومال (حوالي 2.34 مليون نسمة) على مدار السنوات الماضية لضم مقاتلين جدد إليها، إذ سبق ومنع مقاتلو الحركة وصول المساعدات الإنسانية التي ترسلها المنظمات الدولية المعنية لمساعدة الشعب الصومالي في الحصول الأغذية والأدوية، وتحديدًا في المناطق الجنوبية الواقعة تحت سيطرتها.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول، إن انتشار التنظيمات الإرهابية بهذا الشكل والتأثير في المنطقتين العربية والإفريقية، سيؤدي إلى جملة من الانعكاسات، منها على المستوى الأمني المتعلق بانعدام وتراجع الأمن والاستقرار بهذه البلدان، وضعف قدرة الدولة أمنيًا وعسكريًا، وهو ما يؤدي لفشلها في التصدي لهذه التنظيمات، ومن ثمَّ استمرار وجودها، وأيضًا التأثير السلبي على الجانب الاقتصادي، وتحديدًا على حركة الأفراد والأموال، والمناخ الاستثماري للدولة وتضرر قطاع السياحة بها والنمو الاقتصادي، وهذا بدوره سينجم عنه استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية والتنموية والمعيشية، لأن الدولة ستوجه مواردها نحو النهوض بأوضاعها الأمنية والدفاعية، وعليه لابد من تبني الدول المتضررة من الإرهاب استراتيجية فعالة للقضاء على تغلغل هذا الفيرس ببلدانها.