الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

دلالات التصعيد في شمال شرق سوريا

  • مشاركة :
post-title
الرئيس الانتقالي السوري وقائد قسد

القاهرة الإخبارية - ضياء نوح

خلفت أحداث العنف في محافظة السويداء بالجنوب السوري توترًا متزايدًا بأرجاء البلاد مع اضطراب المشهد الأمني بين الحكومة في دمشق ومكونات مجتمعية ومسلحة جنوب وشرق البلاد وهو ما شهد حراكًا سياسيًا على الأرض بالتوازي مع التوترات الميدانية.

و4 أغسطس 2025 أعلنت قوات سوريا الديمقراطية خوضها اشتباكات مع قوات الحكومة السورية لأول مرة منذ توقيع اتفاق تاريخي لدمج مؤسسات الإدارة الذاتية لشمال وشرق الفرات المدنية والعسكرية في مؤسسات الدولة السورية. وعادت المسيرات التركية، منتصف أغسطس الجاري لقصف مواقع قسد، بالتوازي مع إعلان الأخيرة عمليات أمنية في محافظتي الحسكة ودير الزور، وسط حديث متصاعد عن مساعي انشقاق عشائر عربية من هيكل الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية.

تأسيسًا على ما سبق؛ يتناول التحليل التالي دلالات التصعيد الراهن في الجزيرة الفراتية ومآلات ذلك على مستقبل المشهدين السياسي والأمني في سوريا.

مقدمات التصعيد

صاحب التصعيد في الساحل والسويداء تحركات سياسية على الأرض لإضعاف موقف حكومة دمشق التفاوضي لاستكمال السيطرة على أطراف الجغرافيا السورية، وهو ما تجلى في التصعيد بمناطق شمال شرق سوريا سياسيًا وميدانيًا على النحو التالي:

(*) تصعيد سياسي: تعززت آمال توحيد البلاد مع توقيع اتفاق تاريخي بين الإدارة السورية الانتقالية بقيادة أحمد الشرع وقوات سوريا الديمقراطية بقيادة مظلوم عبدي، 10 مارس 2025، تضمن الإقرار بحقوق المجتمع الكردي كجزء أصيل من المجتمع السوري ودمج مؤسسات الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا في مؤسسات الدولة السورية الموحدة، وتأمين عودة المهجرين في كل أنحاء البلاد إلى مناطقهم بدعم من الدولة السورية خاصة بالنسبة للأكراد في مناطق عمليات الجيش التركي وفصائل "الجيش الوطني السوري" المسماه "غصن الزيتون" و"درع الفرات"، إلى جانب رفض دعوات التقسيم ومحاولات بث الفرقة بين مكونات المجتمع السوري.

ورغم ذلك فإن التطورات السياسية والميدانية المحيطة بالاتفاق شهدت تحولات على العديد من الأصعدة، و13 مارس أصدر الرئيس الانتقالي إعلانًا دستوريًا منحه صلاحيات واسعة وكرس للنظام المركزي وحافظ على مسمى "الجمهورية العربية السورية"، خلافًا لمطالبات قسد التي تضمنت بناء دولة تعددية لا تميز بين مواطنيها على أساس العرق أو المذهب، إلى جانب المطالبة بإقامة نظام فيدرالي تحافظ فيه قسد على نموذج الإدارة الذاتية في الجزيرة الفراتية شرق البلاد بين الأكراد والعشائر العربية والمسيحيين.

ومع انسداد أفق المفاوضات بين الجانبين اتخذت الإدارة الذاتية خطوات متتالية لتعزيز مطالباتها من خلال عقد مؤتمر وحدة الصف والموقف الكردي، 26 أبريل 2025، الذي ضم القوى السياسية الكردية في سوريا وحزبي "الديمقراطي الكردستاني" و"الاتحاد الوطني الكردستاني" في العراق وقوى سياسية كردية تركية مثل حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب" ومنظومة المجتمع الكردستاني، التي أسسها حزب العمال بقيادة عبدالله أوجلان، وخرج المؤتمر بمطالبات إنشاء وحدة إدارية وسياسية موحدة للأكراد السوريين في إطار دولة اتحادية وضمان الحقوق الثقافية والاقتصادية والسياسية للشعب الكردي في سوريا واعتماد اللغة الكردية كلغة رسمية بجانب اللغة العربية.

وانتقل التصعيد إلى مستويات أعلى من التوتر بانعقاد مؤتمر وحدة الموقف، 8 أغسطس الجاري، مستفيدًا من أحداث السويداء ومن قبلها أحداث الساحل السوري، إذ شهد المؤتمر حضورًا افتراضيًا لممثلي بعض المكونات السورية وعلى رأسهم الشيخ حكمت الهجري من القيادة الروحية للطائفة الدرزية والشيخ غزال غزال ممثلًا للمكون العلوي. وعلى إثر ذلك نقلت الوكالة العربية السورية للأنباء، 9 أغسطس، عن مصدر حكومي سوري إلغاء اجتماعات مقررة في باريس مع قسد متهمًا الأخيرة بعدم الجدية في تنفيذ اتفاق 10 مارس 2025 وإحياء إرث "النظام البائد".

(*) تصعيد ميداني: منذ بداية أغسطس يتصاعد التوتر الأمني في شرق الفرات مع وجود صدامات مسلحة بين قوات سوريا الديمقراطية وعناصر المؤسسة العسكرية التابعة للحكومة السورية أعلنت عنها قسد للمرة الأولى، 4 أغسطس الجاري، وتبادل الجانبان الاتهامات بشأن مسؤولية الهجوم. و9 أغسطس قالت "قسد" في بيان على موقعها الرسمي، إن الفصائل المدعومة من تركيا التي تنضوي تحت لواء الحكومة الانتقالية هاجمت مناطق شمال وشرق سوريا، 22 مرة بالأسلحة الثقيلة، فضلًا عن الهجمات البرية على دير الزور ودير حافر وتل تمر. ورغم التطمينات التي بثها الرئيس السوري أحمد الشرع، 16 أغسطس 2025، من وجود تقدم في المحادثات مع "قسد" خلافًا لما يجري تداوله في الإعلام، ومقللًا من سيناريو التقسيم في بلاده. يسود التوترات في مناطق شرق الفرات وبصورة خاصة في محافظة دير الزور، مع وجود بعض العشائر العربية التي تعارض هيمنة قسد والمكون الكردي فيها على هيكل الإدارة الذاتية وقيادتها العسكرية.

(*) تعثر التفاهمات الجزئية: تسهم تلك التوترات في زعزعة السلم الأهلي مع الضغوط المتبادلة التي يمارسها الطرفان، وهو ما يتضح في التوترات بحيي الأشرفية والشيخ مقصود اللذين تقطنهما أغلبية كردية التي تصاعدت مؤخرًا، وفي 20 أغسطس الجاري أعلنت لجنة المحروقات بالمجلس العام للحيين أن سلطات الحكومة الانتقالية تواصل منع دخول المازوت للحيين قبيل فصل الشتاء، واتهم المجلس العام التابع لقوات سوريا الديمقراطية "قسد" حكومة دمشق بخرق اتفاق 1 أبربل 2025، الذي أسس لخروج "قسد" من الحيين وحصر الوجود المسلح على الأمن الداخلي التابع للحكومة المركزية لحماية المدنيين وضمان حرية التنقل بين الحيين ومناطق الإدارة الذاتية شمال وشرق سوريا. كما أشار المجلس إلى وجود خروقات وتوقيف على الهوية من قبل فصائل تابعة للسلطة الانتقالية، محذرًا من استمرار "التجييش الإعلامي ضد مكونات النسيج السوري".

مآلات متعددة

على الرغم من اتفاق الجانبين على التهدئة بدعم ورعاية من الوسيطين الأمريكي والفرنسي إلا أن اعتماد دمشق و"قسد" على بعض المؤشرات لتثبيت الموقف التفاوضي استنادًا لإشارات خاطئة مثل اندلاع أحداث العنف في السويداء لتشكيل حزام أقليات يضغط من أجل إقرار التوجه لنظام لا مركزي على أساس طائفي وعرقي رغم اختلال توازن هيكل الإدارة الذاتية وعدم تمثيلها للأوزان النسبية لمكونات شمال وشرق البلاد الذي يغلب عليه المكون العربي، أو التعاون بين السلطة المركزية والتحالف الدولي في مجال مكافحة الإرهاب وتقليص الدعم المالي المقدم من واشنطن لقسد كمؤشر لتراجع الاعتماد على الأخيرة وأجهزتها الأمنية "الأسايش" في مواجهة تنظيم "داعش" الإرهابي.

واستنادًا لتلك المؤشرات تبرز مخاطر التوتر الحالي بين الجانبين في التطورات السياسية والأمنية المحتملة التالية:

(&) إحياء التوترات المناطقية في شرق البلاد: مع رغبة الطرفين في عدم التصعيد والحفاظ على غطاء الدعم الدولي خاصة الوسيط الأمريكي، قد ينفجر التوتر بين "قسد" وبعض المكونات في شرق البلاد على خلفية الاحتقان المستمر بين الإدارة الذاتية وبعض العشائر العربية التي ترفض هيمنتها على الإيرادات النفطية، خاصة في ظل وجود سوابق للمواجهات بين الجانبين في عهد النظام السابق فيما سُمي قبل عام بـ"ثورة العشائر العربية". وتحتل دير الزور موقعًا متقدمًا في محافظات شرق البلاد، التي تعاني احتقانًا متصاعدًا تهدد باندلاع شرارة التصعيد، إذ أشارت وسائل إعلام محلية إلى اعتقال عواد الحجي أحد وجهاء عشيرة البكّير من قبل سلطات شمال شرق سوريا لرفضه حضور مؤتمر "وحدة الموقف"، أغسطس الجاري، وهي العشير التي كان ينتمي إليها قائد مجلس دير الزور العسكري قبل أن ينقلب على "قيد" والإدارة الذاتية التي أقالته في 2023 وحلت المجلس مؤقتًا وأعادت هيكلته.

وعلى خلفية تلك التوترات تتواتر أنباء عن انشقاقات من أبناء المكون العربي عن مجلس دير الزور العسكري، بالتزامن مع إعلان "قسد"، 20 أغسطس الجاري، تخريج دفعة جديدة من المنتسبين الجدد من أبناء المحافظة.

(&) عودة تنظيم "داعش" الإرهابي: يتزامن التوتر السياسي والأمني في شمال شرق سوريا مع تصاعد عمليات تنظيم "داعش" الإرهابي، شمال وشرق البلاد، إذ أعلن مجلس دير الزور العسكري التابع لقسد في تصريحات إعلامية، تعرض عناصره لأكثر من 150 هجومًا منذ بداية العام وحتى 20 أغسطس الجاري، من قبل خلايا تنظيم "داعش" الإرهابي وفصائل أخرى.

كما أعلن المجلس، منتصف أغسطس الجاري، عملية عسكرية في بلدة غرانيج، أسفرت عن اعتقال 12 مشتبهًا به وتحرير 4 جنود مختطفين، بعد هجوم لخلية تابعة للتنظيم الإرهابي أسفر عن مقتل أحد عناصر الخلية وإصابة 3 آخرين.

وأحصى تحليل رقمي لـ"المرصد السوري"، 19 أغسطس الجاري، 157 هجومًا لتنظيم "داعش" الإرهابي على مناطق "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا" منذ بداية العام منها، منها 133 عملية في محافظة دير الزور مقابل 14 في محافظة الحسكة و10 عمليات في محافظة الرقة. وأسفرت الهجمات عن 66 قتيلًا من بينهم 45 من "قسد" ومتعاون واحد و8 من عناصر التنظيم الإرهابي و12 مدنيًا.

وإجمالًا؛ يُشكل التوتر الراهن بين "قسد" والإدارة الانتقالية في دمشق خطرًا كامنًا على أمن واستقرار شمال وشرق البلاد ويهدد المكتسبات السياسية والقانونية التي حازتها إدارة الشرع من أجل بناء مشروع وطني قادر على إعادة توحيد سوريا وتخفيف حدة خطاب الشحن الطائفي المتصاعد في أرجاء البلاد. وتعزز حالة الهشاشة الأمنية والانقسام السياسي الراهنة من فرص عودة نشاط تنظيم "داعش" الإرهابي وهو ما استدعى حضورًا متزايدًا لنشاط التحالف الدولي في مختلف مناطق شرق وشمال سوريا.