الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

حسابات التوتر الإسرائيلي التركي في سوريا

  • مشاركة :
post-title
التوتر بين إسرائيل وتركيا في سوريا

القاهرة الإخبارية - ضياء نوح

بعد أيام من تصاعد التوتر بين أنقرة وتل أبيب حول سوريا وتسريب الصحافة العبرية مخاوف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، من سياسات واشنطن بشأن سوريا وإيران، أجرى الرئيسان الأمريكي دونالد ترامب والتركي رجب طيب أردوغان، 5 مايو 2025، اتصالًا هاتفيًا هو الثاني منذ عودة الأول للبيت الأبيض، تناول العلاقات الثنائية وملفات أوكرانيا وغزة وسوريا، وشدد "أردوغان" حسب البيان التركي، التزام أنقرة بالحفاظ على وحدة سوريا وسلامتها الإقليمية واستقرارها.

وتأسيسًا على ما سبق؛ يتناول التحليل التالي حسابات التصعيد بين تركيا وإسرائيل وتأثير ذلك على أمن واستقرار سوريا.

حسابات مُعقدة

يمكن استعراض أبعاد التصعيد التركي الإسرائيلي في سوريا على النحو التالي:

(*) الانسحاب الأمريكي: أسفر الإعلان عن خفض التواجد العسكري الأمريكي تدريجيًا، 17 أبريل الماضي، وسحب نحو 600 من إجمالي 2000 جندي أمريكي في شرق سوريا، عن مخاوف إسرائيلية عميقة من فقدان التأثير على الميدان السوري في ظل تراجع الدور الروسي نسبيًا لصالح تركيا، التي تسعى للعب دور أمني أكبر في قيادة جهود مكافحة تنظيم "داعش" الإرهابي والحد من التهديدات الإسرائيلية. وجاء ذلك بالتوازي مع التفاهمات الأمريكية التركية التي قادت لاتفاق الإدارة الانتقالية مع قوات سوريا الديمقراطية، 10 مارس الماضي من جهة، واتفاق خماسي "تركي سوري أردني عراقي لبناني" على آلية للتعاون الإقليمي في مواجهة تنظيم "داعش" الإرهابي.

وتشير المواقف الأمريكية المختلفة وفي مقدمتها الاتصالين الهاتفيين بين ترامب وأردوغان إلى ارتياح الإدارة الأمريكية للنفوذ التركي والرغبة في تفويض الدور الأمني لقيادة الجهود الإقليمية لمكافحة التهديدات الإرهابية للجانب التركي، مقابل دور أنقرة المحوري في تخفيف العقوبات على دمشق وتيسير التواصل بين سوريا والولايات المتحدة والقوى الأوروبية لتهدئة المخاوف الغربية بشأن التعامل مع الأقليات والالتزام بمسار سياسي يشمل جميع المكونات ومكافحة تنظيم "داعش" الإرهابي.

ويظل الوجود العسكري التركي في الشمال وتعزيز الانتشار البري والجوي المحتمل في قواعد بوسط وشمال سوريا بموجب اتفاق دفاعي مرتقب محفزًا لتصعيد العدوان الإسرائيلي على الأراضي السورية، لمنع إعادة تموضع قوى إقليمية كبرى في قلب المشرق العربي بالقرب من حدودها الشمالية، في ظل ما تناقلته وسائل الإعلام التركية والسورية عن اهتمام أنقرة بانتشار مقاتلاتها في مطارات عسكرية بمحافظة حمص خاصة قاعدتي "تي فور T4" وتدمر الجويتين.

(*) التوترات الطائفية والأزمة البنيوية: في ظل عملية انتقالية طويلة نسبيًا وانتشار واسع للسلاح والفصائل المسلحة تظل سوريا في مرحلة المخاض العسير بحثًا عن توافق وطني حقيقي على شكل الدولة وطبيعة نظام الحكم المستقبلي وتهدئة مخاوف مكونات الشعب السوري إزاء حقوقهم السياسية والثقافية، بالتوازي مع الحفاظ على وحدة إقليم الدولة والتصدي لتهديدات تنظيم "داعش" الإرهابي والنشاطين الإسرائيلي والإيراني المزعزعين للاستقرار.

وتأتي الفصائل التركمانية السورية المعروفة بعلاقاتها القوية مع أنقرة وحزب الحركة القومية الشريك بالائتلاف التركي الحاكم في قلب مشهد التصعيد الطائفي بسوريا، إذ تتهم عناصر محسوبة على "لواء السلطان مراد" و"سليمان شاه" وفرقة "الحمزة" بالتورط في أحداث الساحل ضد أبناء المكون العلوي.

ومع اندلاع التصعيد في محافظتي ريف دمشق والسويداء بين مسلحين متطرفين وفصائل مسلحة من المكون الدرزي، برزت أسماء الفصائل التركمانية مجددًا بعدما شن طيران الاحتلال الإسرائيلي، 3 مايو الجاري، أكبر حملة قصف جوي منذ سقوط الأسد شملت استهداف قواعد لفصيلي "السلطان مراد" و"سليمان شاه"، وشمل التصعيد إقلاع مقاتلات تركية في الأجواء السورية لتوجيه رسائل تحذيرية للمقاتلات الإسرائيلية.

وبالتالي يمثل اللعب على وتر التباينات الطائفية مدخلًا رئيسيًا لإضعاف الدور التركي وتقويض سيطرة النظام الجديد بخلفيته الدينية والأيديولوجية على كامل التراب السوري، من أجل خلق حزام للنفوذ يمتد على نطاق جغرافي يحظى بحماية دولية أو غطاء عملياتي إسرائيلي، التي قد تفضي في النهاية لتفتيت الجغرافيا السورية.

مؤشرات التصعيد الإسرائيلي التركي في سوريا

(*) إعادة ترتيب المشهد السوري: أعادت الحكومة الإسرائيلية أولويات في سوريا عقب سقوط نظام الأسد من مواجهة التهديدات الإيرانية وتقويض شبكة النفوذ الإقليمي لطهران، إلى تحريك المشهد السوري كفاعل جيوسياسي يعيد تشكيل الشرق الأوسط بعدما أسفرت غارات طيران الاحتلال المكثفة على مدار حرب غزة وجنوب لبنان عن إضعاف الجيش السوري وإنهاك حزب الله في جنوب لبنان، ما أدى في النهاية إلى انهيار سريع للجيش النظامي أمام الفصائل.

وعلى الرغم من استئناف الاتصالات التركية الإسرائيلية بشأن خفض التصعيد بين الجانبين في سوريا، بعد دعوة الرئيس الأمريكي، أبريل 2025، إلا أن التصعيد الإسرائيلي في استهداف الجنوب السوري ومحيط قصر الشعب "الرئاسي" في دمشق مؤخرًا عزز من التباينات بين أنقرة وتل أبيب وصولًا لتأجيل زيارة نتنياهو إلى أذربيجان التي كانت مقررة في الفترة من 7 إلى 11 مايو الجاري، التي استضافت المحادثات بين الجانبين، وأظهرت محادثات باكو الخلافات الكبرى بين الجانبين بشأن مستقبل سوريا.

وتظهر وسائل الإعلام التركية أن أنقرة أوضحت لتل أبيب "خطوطها الحمراء في سوريا" من بينها رفض تقسيم سوريا أو تعريض سلامتها الإقليمية للخطر، ورفض انتهاك طيران الاحتلال للأجواء السورية، بينما تتمسك الحكومة الإسرائيلية بحرية العمل في الأجواء السورية باعتبارها ممرًا رئيسيًا لأي مواجهة جوية محتملة مع إيران، ونزع سلاح الجنوب السوري ومنع انتشار القوات التابعة للحكومة المركزية من الانتشار في محافظات السويداء ودرعا والقنيطرة إلى جانب توسيع مناطق السيطرة والنفوذ في الجنوب بزعم مواجهة مساعي إعادة ترميم بنية حزب الله في لبنان، انطلاقًا من الجسر البري عبر سوريا.

(*) الحسابات السياسية الداخلية: رغم تراجع ثقة الجمهور الإسرائيلي في حكومة بنيامين نتنياهو على خلفية استمرار العدوان على غزة وعرقلة جهود إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار وإعادة باقي المحتجزين من القطاع، يسعى الاحتلال لاستغلال التوترات في الجنوب السوري لاستمالة المكون الدرزي في الداخل خاصة الجولان السوري المحتل، وهو ما ظهر في العديد من الحوادث التي قادت لتغيير مسار الحرب على "حزب الله" بالجبهتين اللبنانية والسورية، أهمها حادث مجدل شمس، 27 يوليو 2024، بسقوط صاروخ على ملعب كرة قدم بالقرية الدرزية أسفر عن مقتل 12 طفلًا وإصابة 34 آخرين.

وعلى الجانب الآخر؛ يُقيد مسار المصالحة مع الأكراد في الداخل وتشابك النسيج الاجتماعي والطائفي بين سوريا وتركيا من قدرة الأخيرة على الانخراط في صراعات داخلية بسوريا، في وجود محفز خارجي يسعى لتوفير "الحماية للدروز"، والتوترات الطائفية التي برزت مع المكون العلوي في منطقة الساحل، وكذلك في ظل العملية المعقدة لاندماج المكون الكردي في النظام السوري الجديد.

تداعيات محتملة

تأكيدًا على ما تقدم؛ تجد تركيا نفسها معنية في هذا المشهد بلعب دور رئيسي في ضمان نجاح النظام الجديد والحفاظ على وحدة الإقليم السوري كدولة ضامنة ومهيمنة على تفاعلات الفاعلين الدوليين، لتجنب مصير النفوذ الروسي في عهد النظام السابق، الذي لم يستطع كبح امتداد الصراع الإيراني الإسرائيلي وتداعياته من الأطراف إلى المركز في دمشق.

وقد تنتقل المواجهة الجوية المحتملة بين تركيا وإسرائيل فوق الأجواء السورية، إلى صراع أوسع نطاقًا تمتد تداعياته بريًا وتشعل فتيل حرب أهلية سورية، كما قد تشتعل المواجهة المباشرة في مرحلة لاحقة بمسرح شرق المتوسط في حالة تجدد الاضطرابات بالساحل السوري، التي تجتذب شهية الطامعين بالثروات النفطية السورية غير المكتشفة بالبحر المتوسط.

وعلى الجانب الآخر؛ يخلّف النهج الإسرائيلي في سوريا ضمن مساعيها للبناء على مكتسبات انحسار النفوذ الإيراني حالة فراغ أمني واستراتيجي تهدد أمن واستقرار المنطقة بأكملها، فمن جهة تغامر بفرض معادلة جيوسياسية جديدة عبر خلق حزام للنفوذ وبناء حليف مناطقي بالجنوب السوري على غرار تجربة "جيش لبنان الجنوبي"، إلا أن مخاطر ذلك التوجه ستقود حتمًا لإشعال صراع إقليمي واسع النطاق باعتباره ليس فقط اعتداءً على دولة عربية ذات سيادة وتهديدًا لوحدتها الوطنية وسلامتها الإقليمية وإنما إنذارًا بإعلان الحرب على الشرق الأوسط ضمن سقف الطموحات التوراتية بميلاد إسرائيل الكبرى، وهو ما يهدد منظومة الأمن القومي لكل من تركيا والبلدان العربية المجاورة.

وإجمالًا؛ يُمثل الصراع على الجغرافيا السورية أهمية قصوى في إعادة ترتيب الواقع الجيوسياسي بالشرق الأوسط، إذ تمثل الساحة الرئيسية لتدافع القوى المتنافسة على قيادة الإقليم في ظل ضعف مؤسسات الدولة الوطنية وتلاشي مقوماتها بالتوازي مع تراجع حضور ودور القوى الكبرى روسيا والولايات المتحدة في المشهد السوري "مؤقتًا" وتباين توجهات المنظومة العربية وتصوراتها حول رؤية الإدارة السورية ورؤيتها لمستقبل البلاد.