بعد سقوط نظام بشار الأسد، تواجه الإدارة الجديدة في سوريا بقيادة الجولاني تحديات خارجية متعددة ومعقدة. فهناك صعوبة أمام هذه القيادة في الاعتراف الدولي بها، والأمر نفسه ينطبق على تأسيس علاقات جديدة تحقق المصالح السورية مع القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا. ويضاف إلى ما سبق، الضغوط الإقليمية والدولية إزاء العديد من المسائل مثل عودة اللاجئين الذين يٌقدر عددهم بالملايين في العديد من الدول. لذلك أصبحت القيادة الجديدة في سوريا بحاجة إلى معالجة هذه القضايا بعناية لتحقيق الاستقرار والأمن في البلاد.
وفي هذا السياق، تٌثار العديد من التساؤلات مثل: ما طبيعة التحديات الخارجية التي تواجه الإدارة السورية الجديدة؟ وهل التغلب على هذه التحيات ممكنا أم بات مستحيلا؟ وما أهم المسارات أمام هذه الإدارة للتعامل مع تلك التحديات.
تحديات خارجية معقدة
من المتوقع أن تواجه الإدارة الحالية تحديات خارجية حقيقية ومعقدة خاصة خلال عام 2025. وتأتي هذه التحديات في ظل التطورات الأخيرة التي شهدتها الدولة السورية منذ ديسمبر الماضي، واستمرار تداعيات سنوات الحرب في سوريا خاصة فيما يتعلق بتنافس وصراع القوى الدولية والإقليمية المختلفة على النفوذ في سوريا. وفيما يلي أبرز التحديات الخارجية الفعلية التي قد تواجه القيادة السورية الحالية:
(*) عدم الاعتراف الدولي بالإدارة الجديدة في سوريا وعدم اكتسابها الشرعية السياسية المطلوبة لتعاملاتها الدولية حتى الآن: تواجه الإدارة الجديدة في سوريا بقيادة الجولاني صعوبة في الحصول على الاعتراف الدولي، خاصة من قبل القوى الغربية مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. فهذه الدول تشترط تنفيذ إصلاحات سياسية، احترام حقوق الإنسان والأقليات، أو التوصل إلى تسوية شاملة بين جميع الأطراف السورية قبل تقديم أي دعم رسمي أو اعتراف بالقيادة الجديدة.
(*) استمرار العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا حتى الآن: ستظل العقوبات الغربية مفروضة على سوريا في حالة عدم تحقيق حل سياسي شامل. هذه العقوبات تعيق قدرة القيادة الجديدة على الوصول إلى التمويل الدولي، مما سيجعل إعادة الإعمار والتعافي الاقتصادي أكثر صعوبة.
(*) استمرار الوجود العسكري الأجنبي في سوريا: يتجسد ذلك في استمرار الوجود العسكري التركي في سوريا، حيث تتمركز القوات التركية في شمال سوريا وتتمتع بنفوذ كبير في مناطق الشمال الغربي. فبعد سقوط الأسد، تسعى تركيا للحفاظ على هذا النفوذ أن لم يكن زيادته سواء من خلال تعزيز وجودها العسكري أو عبر الضغط السياسي على القيادة الجديدة في دمشق لتحقيق مصالحها. من ناحية أخرى، مازالت القوات الأمريكية موجودة في شمال شرق سوريا، حيث تدعم قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي يهيمن عليها الأكراد. لذلك أصبحت القيادة الجديدة دمشق بين نقيضين؛ أولهما اضطرار هذه القيادة للتعامل مع هذا الوجود العسكري الأمريكي، والثاني يتمثل في القيام بدورها لإعادة سيطرة الدولة السورية على كامل أراضيها. هذا فضلًا عن محاولات التأثير الإيراني والروسي في سوريا الجديدة. فروسيا، التي كانت حليفًا رئيسيًا للأسد، تسعى للحفاظ على مصالحها في سوريا، بما في ذلك القواعد العسكرية والنفوذ السياسي. أما إيران، فربما تسعى لتوسيع وجودها في جنوب سوريا وفي مناطق أخرى. هذا فضلًا عن توغل إسرائيل داخل المنطقة العازلة مع سوريا والمواقع المجاورة لها في جبل الشيخ، ومحافظة القنيطرة. فمن هذا استمرار هذا الوجود العسكري الأجنبي في سوريا أن يضع مزيدًا من الضغوط على إدارتها الجديدة.
(*) استمرار الصراعات الإقليمية والدولية على النفوذ في سوريا على الرغم من تغيير معادلاتها:
يأتي في مقدمة هذه الصراعات في الوقت الراهن، التنافس التركي-الأمريكي في سوريا. فقد نشأ هذا التنافس بعد أن أصبح الأكراد السوريون حلفاء أساسيين للولايات المتحدة في محاربة داعش، ولهم نفوذ في شمال شرق سوريا، في حين تعتبر تركيا القوى الكردية تهديدًا أمنيًا لها. لذلك ستواجه القيادة الجديدة في سوريا بقيادة الجولاني في الفترة المقبلة ضغطًا متزايدًا من جانب كل من الولايات المتحدة وتركيا للتعامل مع استمرار ذلك التنافس الذي قد يتطلب إيجاد حلول صعبة بين الأكراد ودول الجوار، خصوصًا تركيا. وهناك كذلك التنافس الإقليمي بين دول عربية وإيران، فقد أصبحت القيادة السورية في وضع حساس بين هاتين الطرفين. إيران كانت داعمة قوية للأسد طوال الحرب، بينما عملت دول عربية على بناء علاقات مع معسكر المعارضة الذي يتولى زمام الأمور في سوريا حاليًا. هذا بالإضافة إلى التنافس بين القوى الكبرى حول سوريا، فقد يستمر النزاع على النفوذ بين الولايات المتحدة وروسيا في التأثير على سوريا. ويمكن أن تكون هناك تدخلات سياسية أو عسكرية من قوى خارجية في حال كانت هناك مصالح متعارضة في المنطقة.
إجمالًا، سوف تجد أي قيادة جديدة في سوريا نفسها مضطرة للتعامل مع تناقضات الضغوط الإقليمية والدولية للموازنة بين مصالح القوى المختلفة المتنافسة في سوريا الجديدة.
(*) استمرار أخطار التنظيمات المتطرفة في سوريا: تشكل هذه التنظيمات والجماعات تحديًا أمنيًا للقيادة السورية الجديدة. فبعض هذه الجماعات قد ترفض الخضوع لسلطة الحكومة الجديدة، مما قد يؤدي إلى تصاعد العنف في بعض المناطق. فهناك أخطار من عودة العمليات الإرهابية لتنظيم داعش. فرغم الانكسار الكبير لداعش في السنوات الأخيرة، إلا أن التنظيم قد يواصل نشاطه في بعض المناطق السورية. وبالتالي ستواجه القيادة السورية الحالية صعوبة في السيطرة على المناطق التي يمكن أن تصبح ملاذات آمنة للجماعات الإرهابية. وقد يسبب ذلك في العزلة الدولية لهذه القيادة.
(*) الضغط الدولي بشأن الملف الإنساني وقضية اللاجئين السورين: مازال ملايين السوريين في العديد من دول اللجوء ويواجهون تحديات كبيرة في العودة إلى ديارهم بسبب الظروف الأمنية والاقتصادية. لذلك ستواجه القيادة السورية الجديدة ضغوطًا متزايدة من المجتمع الدولي لتسهيل عودة اللاجئين، وهو ما يستدعي جهودًا ضخمة في إعادة الإعمار وتحقيق الأمن في مناطقهم. وينطبق الأمر ذاته على الأزمة الإنسانية في الداخل السوري بعد أن خلف النزاع في سوريا ملايين من النازحين داخليًا. فالوضع الإنساني في بعض المناطق ما زال كارثيًا، وستحتاج القيادة الجديدة إلى التعامل مع هذه الأزمة بشكل عاجل، خاصة في ظل نقص الموارد والمساعدات الدولية.
(*) الحاجة إلى الدعم الدولي لإعادة الإعمار في سوريا: تشير بعد التقديرات إلى أن تكلفة عملية إعادة إعمار سوريا قد تصل إلى 400 مليار دولار، فهي عملية مكلفة ومعقدة. فرغم أن العديد من الدول قد تكون مستعدة للمشاركة في إعادة الإعمار، إلا أن شروط هذه الدول قد تتطلب تغييرات سياسية، مثل تحقيق المصالحة الوطنية وضمان حقوق الأقليات. وهذا يعني أن القيادة الجديدة قد تواجه صعوبة في تأمين التمويل اللازم من خلال القروض أو المساعدات الدولية. وتتزايد هذه الحاجة مع استمرار العقوبات المفروضة على الاقتصاد السوري، فالعديد من العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا قد تبقى سارية في حال كانت القيادة السورية غير قادرة على تحقيق توافق سياسي داخلي أو تسوية مع المعارضة.
(*) الضغوط الدولية لإجراء الإصلاحات المتعلقة بالسلام والتسوية السياسية في سوريا: يطالب المجتمع الدولي القيادة السورية الجديدة بتنفيذ عملية سلام شاملة تشمل جميع الأطراف، بما في ذلك المعارضة المسلحة، الأكراد، والأنظمة السياسية المختلفة. وهذا يتطلب التفاوض مع مجموعات متعددة، ما قد يؤدي إلى مزيد من الانقسامات والصراعات السياسية. فقد تضغط القوى الغربية، والأمم المتحدة، قد تضغط من أجل جراء إصلاحات سياسية في سوريا قبل تقديم أي دعم.
وفي النهاية، يمكن القول إن التغلب على التحديات الخارجية التي تواجه الإدارة السورية الجديدة في الوقت الراهن، سيحتاج منها اتباع استراتيجيات سياسية ودبلوماسية مرنة تحقق المصالح الوطنية السورية، لكن من المؤكد أنها تصدم مع مصالح بعض القوى الدولية والإقليمية المتنافسة على النفوذ في سوريا.