أثارت سياسات الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، لمكافحة الفساد بالفعل أول احتجاجات مناهضة للحكومة في أوكرانيا، منذ بدء الحرب 2022. والآن، يبدو أن هذه السياسات قد تكلف البلاد جزءًا من مساعداتها الخارجية من الاتحاد الأوروبي، في توبيخ واضح من الاتحاد، الذي كان في يوم من الأيام حليفًا قويًا.
وأعلن الاتحاد الأوروبي، أمس الأول الجمعة، أنه سيحجب 1.5 مليار يورو، أي ما يعادل 1.7 مليار دولار أمريكي، من إجمالي صندوق يبلغ 4.5 مليار يورو، ويعتمد صرفه على تحقيق معايير الحوكمة الرشيدة، ولا يمكن استخدامه في المشتريات العسكرية، إلا أن القرار ليس نهائيًا، ويمكن إعادة التمويل إذا استوفت أوكرانيا معايير محددة.
ولم يدلِ زيلينسكي بأي تعليق علني على خفض المساعدات، الذي كان مع ذلك بمثابة انتكاسة لزعيم أوكرانيا، الذي يعتمد على الدعم المالي الأوروبي لسد الثغرات الناجمة عن رفض إدارة ترامب دعم المجهود الحربي لأوكرانيا.
وفي حين كان حجب المساعدات الغربية لتحفيز الإصلاح أمرًا شائعًا قبل بدء الحرب، بدا القرار الأخير مؤشرًا على استعداد جديد من جانب الاتحاد الأوروبي لتوجيه اللوم لحكومة زيلينسكي بشأن السياسة الداخلية خلال الحرب، كما أثار تساؤلات حول ما إذا كانت شعبية زيلينسكي بدأت تخبو بين حلفاء أوكرانيا الغربيين.
وقال جيمس واسرستروم، الخبير الأمريكي في مكافحة الفساد، خلال مقابلة إن "بريق" قيادة زيلينسكي في زمن الحرب بدأ يتلاشى بين الحكومات التي تقدم مساعدات مالية. وأضاف: "هناك استياء من زيلينسكي في أوساط المانحين".
وتوج قرار الاتحاد الأوروبي أسبوعًا مضطربًا بالنسبة لزيلينسكي، الذي دفع أولًا بإجراء عبر البرلمان يجرد وكالات مكافحة الفساد من استقلاليتها، ما أثار احتجاجات من الزعماء الأجانب وكذلك الشعب الأوكراني.
ثم تراجع زيلينسكي عن مساره، مُقدمًا مشروع قانون جديد إلى البرلمان لاستعادة استقلالية الوكالات. وهدأ هذا من احتجاجات الشوارع، لكنه لم يمنع خفض الاتحاد الأوروبي للمساعدات، الذي كان قد تقرر بالفعل بناء على مبادئ توجيهية راسخة.
كانت الهيئتان - المكتب الوطني لمكافحة الفساد في أوكرانيا، ومكتب المدعي العام المتخصص في مكافحة الفساد - تحققان مع كبار الوزراء في حكومة زيلينسكي. ورغم التراجع عن قرار الرئيس بعرقلتهما، إلا أنه أثار اتهامات بالمحسوبية، ما عرض دعم منظمات المجتمع المدني في أوكرانيا والدول الغربية التي تمول الحرب للخطر.
وأنشأ الاتحاد الأوروبي آلية المساعدات هذه، المعروفة باسم "مرفق أوكرانيا"، العام الماضي، ووعد بتقديم 50 مليار يورو على مدى 3 سنوات لإصلاح أضرار الحرب، وإعداد البلاد للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
وقال المتحدث باسم المفوضية الأوروبية جيوم ميرسييه، للصحفيين في بروكسل، أمس الأول الجمعة، إن أوكرانيا طلبت صرف الأموال، يونيو، على الرغم من فشلها في تحقيق 3 من 16 معيارًا، بما في ذلك الفشل في تعيين أعضاء بمحكمة متخصصة لمكافحة الفساد. وتتولى هذه المحكمة النظر في القضايا التي رفعتها الوكالتان اللتان هدد زيلينسكي استقلاليتهما هذا الأسبوع.
واشتكى النقاد في أوكرانيا من تنامي نفوذ حكومة زيلينسكي بشكل مطرد في ظل الأحكام العرفية، مع تحقيقات تستهدف الصحفيين والنشطاء والسياسيين المعارضين. وهمشت إدارته رؤساء البلديات والمحافظين المنتخبين في العديد من المناطق لصالح الإداريين العسكريين.
وينقسم حلفاء الولايات المتحدة الأجانب بشأن هذه الخطوات، إذ يقول البعض إنها ضرورية للحفاظ على قبضة قوية على البلاد في زمن الحرب، بينما يرفضها آخرون باعتبارها وسيلة للاستيلاء على السلطة.
ومن بين الزعماء الأجانب الذين اعترضوا على استهدافه لوكالات مكافحة الفساد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، الذي اتصل بزيلينسكي لمناقشة السياسة.
كانت الوكالات تحقق مع مسؤولين كبار في حكومة زيلينسكي، بمن فيهم نائب رئيس الوزراء السابق، أوليكسي تشيرنيشوف، الذي وجهت إليه تهمة الفساد، 23 يونيو 2025، بتهمة تلقي رشاوى في صفقة عقارية. ووصف تشيرنيشوف الاتهامات الموجهة إليه بأنها حملة تشهير لا أساس لها.
وصاعدت التوترات بين إدارة زيلينسكي ومحققي الفساد بشأن هذه القضية بطرق أخرى. فقد اختارت لجنة مستقلة هذا العام المحقق الرئيسي في قضية تشيرنيشوف، أوليكساندر تسيفينسكي، لرئاسة وحدة الجرائم المالية، وهي مكتب الأمن الاقتصادي.
ورفضت حكومة زيلينسكي تعيين تسيفينسكي في المنصب، تاركة المنصب شاغرًا. ويعد شغل المنصب شرطًا لصندوق النقد الدولي لمواصلة صرف المساعدات بموجب برنامج مساعدات يمتد لأربع سنوات بقيمة 15.6 مليار دولار.