مع انتهاء الجولة الثالثة من المحادثات المباشرة بين روسيا وأوكرانيا، يبدو أن تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لنظيره الروسي فلاديمير بوتين لم تحقق التأثير المطلوب في تقريب الطرفين من التوصل لاتفاق سلام، حسبما ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال".
إنذار ترامب النهائي
وأطلق الرئيس الأمريكي، الأسبوع الماضي، تهديدًا مباشرًا لموسكو، منحها من خلاله مهلة 50 يومًا للتوصل إلى اتفاق سلام مع أوكرانيا، وإلا ستواجه عقوبات تجارية قاسية.
وتضمنت التهديدات فرض رسوم جمركية بنسبة 100% على أكبر الشركاء التجاريين لروسيا، والتي تشمل قوى اقتصادية كبرى مثل الصين والهند.
وإلى جانب التهديدات الاقتصادية، وعد "ترامب" بالعمل مع الحلفاء الأوروبيين لتزويد أوكرانيا بأنظمة دفاع جوي متطورة من طراز باتريوت، في محاولة لتعزيز موقف كييف التفاوضي.
كما أشارت صحيفة "وول ستريت جورنال" إلى أن هذا التهديد يأتي ضمن سلسلة من المحاولات الأمريكية لتصعيد الضغط على بوتين.
وواجه ترامب ضغوطًا داخلية إضافية عندما اقترح السيناتور الجمهوري ليندسي جراهام تشريعًا أكثر تشددًا يقضي بفرض رسوم جمركية بنسبة 500% على روسيا وشركائها التجاريين، إلا أن الجمهوريين في مجلس الشيوخ تراجعوا عن دعم هذا الاقتراح بسبب اعتراضات ترامب، إذ يصر على الاحتفاظ بسلطة اتخاذ قراراته الخاصة بشأن العقوبات.
الرد الروسي
على عكس ما كان متوقعًا بعد تهديدات ترامب، لم تُظهِر روسيا أي علامات على الاستعداد لتقديم تنازلات، بل على العكس صعدت من عملياتها العسكرية.
وبحسب الصحيفة الأمريكية، شهدت الأسابيع الأخيرة تكثيفًا في الهجمات الروسية على المراكز السكانية الأوكرانية، وتقدمًا مستمرًا للقوات الروسية على الأرض.
وأوضحت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت، أن ترامب "منخرط بعمق في هذا الصراع منذ البداية، وأي قرارات تُتخذ فيما يتعلق بالعقوبات، يريد الرئيس أن يحتفظ بتلك السلطة والحق لنفسه"، ما يعكس رغبته في إدارة الأزمة شخصيًا رغم الضغوط التشريعية.
حدود التأثير الأمريكي
تكشف تهديدات ترامب عن تعقيدات حرب تجارية متشابكة بالفعل، إذ تراجع عن تهديدات مماثلة عدة مرات في الماضي، كما أن استهداف شركاء روسيا التجاريين الرئيسيين -مثل الصين والهند- يضع واشنطن في موقف دبلوماسي معقد، خاصة مع دول لها علاقات اقتصادية وإستراتيجية مهمة مع الولايات المتحدة.
وبحسب تحليل "وول ستريت جورنال"، ستساعد صواريخ باتريوت التي وعد ترامب بتقديمها في تعزيز الدفاعات الجوية الأوكرانية، لكنها لن تغير ميزان القوى في الحرب بشكل جوهري.
ويحذر مسؤولون أمريكيون وأوروبيون من أن ترسانة روسيا من الطائرات المُسيَّرة والصواريخ التي تقصف المدن الأوكرانية "تفوق بكثير إمدادات صواريخ باتريوت التي يمكن للغرب تسليمها لكييف".
ساعة من الجمود
في هذا السياق المشحون، انعقدت الجولة الثالثة من المحادثات المباشرة بين المسؤولين الروس والأوكرانيين، أمس الأربعاء في إسطنبول، لكنها لم تستمر سوى أقل من ساعة واحدة دون تحقيق أي اختراق.
وأكد رئيس الوفد الأوكراني رستم أوميروف -الذي انتقل مؤخرًا من منصب وزير الدفاع إلى سكرتير مجلس الأمن والدفاع الوطني- أنه "لا يوجد أي تقدم حول وقف الأعمال العدائية أو وقف إطلاق النار".
وأشار إلى أن ستة أشهر من الجهود الدبلوماسية والعديد من الاجتماعات لم تقرب الطرفين من حل الأزمة.
بالجانب الروسي، قاد المفاوضات فلاديمير مدينسكي، المساعد المقرب من بوتين ووزير الثقافة السابق، والذي يُعرف بمواقفه المتشددة.
وسعت موسكو للتقليل من التوقعات حول المحادثات منذ البداية، وصرح المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف قبل اللقاء بيوم: "ليس لدينا سبب لتوقع أي اختراقات سحرية".
المواقف المتصلبة والشروط المتضاربة
أعلن "أوميروف" أن الجانب الأوكراني قدم مرة أخرى عرضًا لإجراء لقاء مباشر بين زيلينسكي وبوتين، وهو العرض الذي رفضته روسيا مجددًا، فيما تستمر موسكو في التمسك بمطالبها الأساسية التي تشمل اعتراف أوكرانيا بالسيادة الروسية على شبه جزيرة القرم وأربع مناطق أخرى، بما في ذلك أراضٍ لا تسيطر عليها روسيا بالكامل، بالإضافة إلى إعلان كييف الحياد العسكري.
وتصر روسيا على أن أي تسوية يجب أن تعالج ما تسميه "الأسباب الجذرية" للصراع، وهو مصطلح تستخدمه موسكو للإشارة إلى مطالبها بإعادة ترتيب البنية الأمنية الأوروبية وإنهاء الدعم الغربي لأوكرانيا.
إستراتيجية المماطلة
يرى خبراء أن تهديدات ترامب لم تحقق الأثر المطلوب في تغيير الحسابات الروسية، إذ علّق ألكسندر جابويف، مدير مركز كارنيجي لروسيا وأوراسيا، لصحيفة "وول ستريت جورنال" قائلًا: "إنها استمرار لنفس المسرحية الدبلوماسية في الوقت الحالي، على الأقل من الجانب الروسي.. بوتين لأسباب واضحة ليس مهتمًا بعد بصفقة ليست وفق شروطه".
وأضاف "جابويف"، أن ترامب "من المرجح جدًا أن يستمر في المماطلة ومحاولة انتظار ما سيحدث، بدلًا من الاستثمار بشكل استباقي في الاستراتيجية الوحيدة القابلة للتطبيق لتحقيق السلام بشروط يمكن لأوكرانيا التعايش معها".
فيما ترى يفجينيا جابر، المستشارة السابقة للسياسة الخارجية الأوكرانية والزميلة الأولى في برنامج تركيا بمجلس الأطلسي، أن "روسيا أوضحت من خلال الهجمات الجوية واسعة النطاق المستمرة على المدنيين والبنية التحتية الأوكرانية أنها لا تتفاوض بحسن نية"، ما يجعل آفاق التوصل لسلام في المدى القريب ضئيلة للغاية رغم كل التهديدات الأمريكية.