الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

هل تعكس زيارة ترامب للخليج تغيرا في أولويات السياسة الأمريكية تجاه المنطقة؟

  • مشاركة :
post-title
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب

القاهرة الإخبارية - د. محمد أبو سريع

تعكس زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأخيرة إلى الخليج تحوُّلًا ملحوظًا في أولويات السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، فخلال جولته التي شملت السعودية وقطر والإمارات، أظهرت تحركاته تركيزًا على الصفقات الاقتصادية والنهج البراجماتي، مع تقليل التركيز على التحالفات التقليدية والقضايا الأمنية.

وفي هذا السياق، تُثار العديد من التساؤلات مثل: ما أهم الأسباب التي تدفع الولايات المتحدة إلى تغيير أولويات سياستها تجاه إقليم الشرق الأوسط؟ وما أهم مؤشرات هذا التغيير؟ وما الآثار والنتائج المحتملة لهذا التغير؟

في ضوء ما سبق، يأتي هذا التحليل للإجابة على التساؤلات السابقة عبر التركيز على النقاط الرئيسية التالية:

دوافع ممتدة

تتعدد أسباب التحول في أولويات السياسة الأمريكية بالشرق الأوسط، وتعود إلى تحولات استراتيجية وهيكلية في السياسة والاقتصاد والأمن العالمي، ويمكن تحديد هذه الأسباب في ما يلي:

(*) الضغوط الاقتصادية والداخلية الأمريكية: تواجه الولايات المتحدة في الوقت الراهن العديد من التحديات الاقتصادية (التضخم والديون والمنافسة مع الصين) والتي تزايدت وطأتها وقسوتها مع شنِّ الولايات المتحدة الحروب التجارية على عدة جبهات في توقيت متزامن، وهو الأمر الذي جعل من التركيز على الاقتصاد الأمريكي المحلي أولوية أكثر أهمية مقارنة بتحركات السياسة الخارجية الأمريكية، لذلك تميل إدارة ترامب إلى استخدام أدوات القوة الناعمة والاقتصاد بدل التدخل العسكري؛ لأن هناك ضغطًا من الناخب الأمريكي لإعادة التركيز على الداخل بدلًا من الانشغال بالخارج.

وباتت الإدارة الأمريكية تفضل الضغط الاقتصادي والعقوبات والتكنولوجيا والتحالفات التجارية كأدوات للنفوذ، وهذا يتطلب علاقات اقتصادية نشطة، مثلما ظهر في صفقات ترامب الأخيرة في منطقة الخليج العربي.

(*) التحول الأمريكي الإستراتيجي نحو التركيز على الصين ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ: تعتبر الصين التهديد الأول لمكانة الولايات المتحدة عالميًا في كل المجالات الاقتصادية والتقنية والعسكرية، لذلك أصبحت واشنطن تعيد تركيز مواردها السياسية والعسكرية إلى آسيا، وتقلل من انخراطها المباشر في أزمات الشرق الأوسط.

ومنذ إدارة أوباما، بدأت الولايات المتحدة تعيد توجيه مواردها واهتمامها الإستراتيجي نحو منطقة المحيطين الهندي والهادئ (Indo-Pacific)، لمواجهة صعود الصين كقوة منافسة، وهو الأمر الذي ترتب عليه تراجع الحضور العسكري والسياسي الأمريكي في بعض مناطق الشرق الأوسط، مثل العراق وسوريا وأفغانستان (الانسحاب الكامل).

(*) تراجع الاعتماد الأمريكي على نفط الشرق الأوسط: بفضل ثورة النفط والغاز الصخريين، أصبحت الولايات المتحدة أكبر منتج للطاقة في العالم، فلم تعد الولايات المتحدة بحاجة لحماية الإمدادات النفطية من الخليج كما كان الحال في السبعينات والثمانينات، ما قلّل من ضرورة الوجود العسكري المكثف في المنطقة.

(*) صعود قوى إقليمية قادرة على "إدارة التوازن" في منطقة الشرق الأوسط: ترى واشنطن في الوقت الراهن أن هناك عدة دول في إقليم الشرق الوسط قادرة على لعب دور أكبر في إدارة أزمات هذا الإقليم، وبالتالي تميل السياسة الأمريكية اليوم إلى تشجيع الحوار الإقليمي وتقليل التدخل المباشر من جانبها، وبالتالي توفير تكلفة هذا التدخل.

(*) تململ الرأي العام الأمريكي من الحروب الطويلة والتدخلات العسكرية: تكبدت الولايات المتحدة في حروب العراق وأفغانستان، تكلفة بشرية ومالية هائلة، وهو الأمر الذي ترتب عليه تزايد معدلات رفض الرأي العام الأمريكي للتدخلات الخارجية، فقد أصبح الرأي العام الأمريكي أصبح أكثر انعزالية، ما دفع صناع القرار نحو نهج أكثر براجماتية.

تبدل الأولويات

تضمنت فعاليات وأنشطة ترامب خلال زيارته للخليج منتصف مايو 2025 بعض المؤشرات التي تبين تغير توجهات السياسة الأمريكية تجاه إقليم الشرق الأوسط، ويمكن تحديد هذه المؤشرات في ما يلي:

(&) التركيز الأمريكي على الصفقات الاقتصادية: أعلن ترامب عن صفقات واستثمارات تتجاوز قيمتها 2 تريليون دولار، تشمل على سبيل المثال: صفقة بقيمة 96 مليار دولار لشراء 160 طائرة بوينج من قبل الخطوط الجوية القطرية، واستثمارات سعودية بقيمة 600 مليار دولار في مجالات الدفاع والطاقة، واتفاقيات بقيمة 200 مليار دولار مع الإمارات، تركز على الذكاء الاصطناعي والطاقة.

ويعكس هذا التركيز على الصفقات الاقتصادية تحولًا من السياسة التقليدية التي كانت تركز على الأمن والتحالفات العسكرية إلى التركيز أكثر على الصفقات الاقتصادية المتأثرة أكثر بطبيعية إدارة ترامب وشخصيته التجارية.

(&) إعادة ترتيب التحالفات التقليدية للولايات المتحدة في المنطقة: لم تشمل الزيارة إسرائيل، الحليف التقليدي للولايات المتحدة في المنطقة، ما أثار قلقًا في الأوساط الإسرائيلية من احتمال تقليل دورها في السياسة الأمريكية تجاه قضايا المنطقة خلال ولاية ترامب الثانية، وهو الأمر الذي يؤكده تفاوض ترامب مباشرة مع حماس بشأن إطلاق سراح الجندي الأمريكي الإسرائيلي عيدان ألكسندر، متجاوزًا القنوات الإسرائيلية التقليدية.

(&) تغير التعامل الأمريكي مع القضايا الإقليمية: يمكن ملاحظة هذا التغيير في تفضيل ترامب إدارة الأزمات (مثل اليمن وسوريا) عبر حلول سياسية بدلاً من التصعيد، وهو الأمر الذي يتماشى مع لقاء ترامب بالرئيس السوري أحمد الشرع أثناء زيارته للخليج، وإعلانه رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا، ما يمثل تحولًا كبيرًا في الموقف الأمريكي تجاه سوريا. ويتأكد هذا التغيير كذلك في الاتفاق الأمريكي الحوثي الذي تم التوصل إليه مؤخرًا لوقف الهجمات المتبادلة. وفيما يتعلق بقضية البرنامج النووي الإيراني، أبدى ترامب رغبة في استئناف المحادثات مع إيران، وذلك في إطار سعي واشنطن إلى احتواء البرنامج النووي الإيراني بالوسائل الدبلوماسية، لتجنب حرب إقليمية واسعة.

آثار محتملة

سوف يترتب على التحول في أولويات السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط آثار ونتائج عديدة على المديين القريب والمتوسط، سواء على الدول الإقليمية أو على توازنات القوى في المنطقة، ويمكن تحديد هذه الآثار والنتائج المحتملة على النحو التالي:

(-) تراجع مظلة الحماية الأمريكية: قد تتجه واشطن إلى تقليل دعمها العسكري لعدد من دول المنطقة، وهو الأمر الذي قد يدفع هذه الدول إلى تنويع تحالفاتها العسكرية والأمنية، بالاقتراب من الصين وروسيا، أو تعزيز قدراتها العسكرية الذاتية، وهو الأمر الذي يتماشى مع توجيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مؤخرًا بزيادة القدرات العسكرية الذاتية لإسرائيل.

(-) زيادة أدوار بعض القوى الإقليمية: مع تراجع التدخل الأمريكي، ستُفتح مساحة أمام الدول الإقليمية الكبرى (مثل مصر والسعودية وتركيا) لقيادة الملفات المعقدة مثل: وقف إطلاق النار في غزة وعدم استقرار سوريا واليمن وأمن البحر الأحمر، فعلى سبيل المثال، تشجع أمريكا على التقارب السعودي الإيراني، لأنه يخفف عنها عبء إدارة الصراعات الطائفية.

(-) تزايد دور القوى العالمية الأخرى في المنطقة: يأتي في مقدمة هذه القوى روسيا التي قد تستمر في دعم وجودها في سوريا، وتعزيز علاقات العسكرية مع الجزائر، وكذلك الصين التي قد تطرح نفسها كشريك اقتصادي واستثماري طويل الأمد، وقد تلعب دورًا سياسيًا متزايدًا في المنطقة على غرار توسطها في الاتفاق السعودي-الإيراني.

(-) تغير في طبيعة العلاقات الأمريكية – الشرق أوسطية: ستصبح هذه العلاقات أكثر براجماتية وتجارية، وأقل اعتمادًا على التحالفات العسكرية، وقد يتم التركيز على الشراكات الاقتصادية والتكنولوجية أكثر من الدفاع عن الحلفاء.

وفي النهاية؛ يمكن القول إن زيارة ترامب للخليج تمثل تحولًا في السياسة الأمريكية إزاء إقليم الشرق الأوسط ليتبنى نهجًا أكثر براجماتية يركز على المصالح الاقتصادية، مع تقليل التركيز على التحالفات التقليدية والقضايا الأمنية، فهذا التحول يعكس واقعية سياسية جديدة لدى واشنطن؛ فالشرق الأوسط لم يعد مركز الثقل الوحيد في العالم، وأمريكا لم تعد مستعدة لتحمل تكاليف إدارته كما في السابق، لكنها تسعى للبقاء فيه كفاعل مؤثر اقتصاديًا وأمنيًا من دون التورط المباشر.

كذلك يجب الأخذ في الاعتبار أن ذلك التحول الأمريكي لا يعني انسحابًا كاملًا، بل إعادة تموضع، إذ تظل واشنطن فاعلًا مؤثرًا لكنها لم تعد راغبة في دفع الثمن الكامل للقيادة، وهذا يُلزم الدول العربية بمراجعة التحول في أولويات السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، وما سيترتب على هذا التحول من آثار ونتائج محتملة على المديين القريب والمتوسط، سواء على الدول الإقليمية أو على توازنات القوى في المنطقة. وقد يفتح ذلك التحول فرصًا لبعض الدول التي قد تستفيد من الفرص الاقتصادية من خلال جذب استثمارات في مجالات الطاقة والبنية التحتية. بينما قد يتسبب هذا التحول في تحديات لدول أخرى مع تراجع التركيز الأمريكي على القضايا الأمنية، لذلك يتعين على هذه الدول تعزيز قدراتها الأمنية الذاتية لمواجهة التحديات الإقليمية في الفترة المقبلة.