الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

كيف تستغل إسرائيل زيارة ترامب إلى الشرق الأوسط؟

  • مشاركة :
post-title
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو

القاهرة الإخبارية - د. مبارك أحمد

تأتى زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى كل من السعودية والإمارات وقطر، في الفترة من 13 إلى 16 مايو 2025، كأول جولة خارجية له لمنطقة الشرق الأوسط منذ إعادة انتخابه لولاية رئاسية ثانية، وتنصيبه رئيسًا في 20 يناير2025، والتي تعكس محورية المنطقة في الاستراتيجية الأمريكية برغم ما كان يثار حول تخفيف ارتباطات الولايات المتحدة الأمريكية بأزمات المنطقة وصراعاتها لارتفاع تكلفتها، واتجاهها نحو التوجه شرقًا لمحاصرة الصعود الصيني.

إلا أن تلك الزيارة تشير إلى أولويات إدارة ترامب وما تمثله المنطقة من أهمية اقتصادية واستراتيجية، وهو ما يطرح تساؤلًا مركزيًا حول كيفية توظيف إسرائيل لتلك الزيارة، سواءً ما يتعلق منها بسعي إسرائيل لإعادة تشكيل التفاعلات في الشرق الأوسط، وما يطرحه نتنياهو حول مسألة تغيير الشرق الأوسط، والصعوبات التي تكتنف ذلك التوجه، وحدود ارتباط ذلك بالتوجهات الأمريكية في المنطقة، أو توظيف رؤية ترامب لمستقبل غزة لخدمة التصورات الإسرائيلية، والموقف الأمريكي من إيران، ومستقبل اتفاقات السلام الإبراهيمي.

محددات حاكمة

ترتبط توجهات ترامب تجاه قضايا الشرق الأوسط بعدد من المحددات الحاكمة أولها، ما يرتبط بما طرحه خلال حملته الانتخابية، وأكد عليه في خطاب التنصيب، وهو ما يتعلق بفكرة إنهاء الحروب، وهي القضية التي حظيت باهتمام العديد من المحللين، سواءً ما يتعلق منها بتلك الحروب التي كان للولايات المتحدة ارتباط مباشر بها، وهى الحرب الروسية الأوكرانية التي يرى ترامب أنها تكلف الولايات المتحدة الأمريكية تكاليف اقتصادية وعسكرية باهظة من المفترض أن تتحملها الدول الأوروبية، لحماية أمنها، وهو ما جعله يطالب بزيادة الإنفاق الدفاعي للدول الأعضاء في حلف الناتو ليصل إلى 5% من الناتج الإجمالي لكل دوله، أو ما يتعلق بحروب الشرق الأوسط، ومنها الحرب الإسرائيلية على غزة، وهو التوجه الذى يجد سنده في تصريحات مايكل ميتشل المتحدث الإقليمي باسم وزارة الخارجية لقناة القاهرة الإخبارية في 9 مايو 2025، على خلفية زيارة ترامب للمنطقة بأن هناك تفاؤلًا أمريكيًا بإمكانية التوصل إلى اتفاق بشأن غزة، مؤكدًا أن إدارة ترامب تواصل العمل على حل دبلوماسي للأزمة رغم تعثر التقدم سابقًا بسبب انهيار الاتفاق القائم بين إسرائيل وحماس، كما أوضح ميتشل أن الإدارة الأمريكية تعمل على مدار الساعة لتأمين وصول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وأن الوضع الإنساني في القطاع يثير قلقًا بالغًا لدى واشنطن.

ويأتي ثاني تلك المحددات والذي يرتبط بتصورات ترامب عن سياسته الخارجية إزاء الشرق الأوسط بشكل عام وفى القلب منها المنطقة العربية، والتي تقوم على منطلق اقتصادي يخضع لأسلوب الصفقات، فهو ينظر للعلاقات الدولية بمنطق الربح والخسارة الاقتصادية، وليس استجابة لضرورات التنافس الدولي القائم على أهمية تعزيز النفوذ الاستراتيجي.

لذلك طرح البعض بأن ما ردده ترامب حول الجحيم الذي سينتشر في الشرق الأوسط ما لم يعُد الرهائن الموجودين في غزة يرتبط برغبته في التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل قبل دخوله البيت الأبيض، ليترجم تصوراته بشأن نجاح فكرة الصفقات لحسم الصراعات، وبما يجعلها مقاربة تعزز من المنافع الاقتصادية التي تشكل مدخلًا مناسبًا مع دول المنطقة. بمعنى آخر أن تسوية الصراعات والأزمات في منطقة الشرق الأوسط وفق إدراك ترامب ربما يعزز من المنافع الاقتصادية ومردودها بين الولايات المتحدة الأمريكية ودول المنطقة.

فيما يأتي المحدد الثالث، وربما الأهم وهو ما تبناه ترامب من توجهات خلال ولايته الأولى إزاء ملفات الشرق الأوسط، والتي تعكس دعمه الثابت لإسرائيل -وتسعى إسرائيل للبناء عليه خلال الولاية الثانية- منها ما يتعلق بنقل مقر سفارة الولايات المتحدة الأمريكية إلى القدس المحتلة، والاعتراف بضم إسرائيل لهضبة الجولان، وبشرعية المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، أو ما يتعلق بانسحاب ترامب من الاتفاق النووي مع إيران عام 2018 وبرغم ذلك انطلقت المباحثات الأمريكية الإيرانية خلال الـ 100 يوم الأولى من ولايته الثانية في 12 أبريل 2025. يضاف إلى ذلك أن اختيارات ترامب لفريقه الرئاسي وكبار مساعديه في ولايته الثانية جاءت بالداعمين لإسرائيل وتوجهاتها.

تحالف إستراتيجي

على خلفية المحددات السابقة، تسعى إسرائيل لتوظيف زيارة ترامب إلى المنطقة لتحقيق العديد من الأهداف، انطلاقًا من محورية التحالف الإستراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية، لذلك يمكن الإشارة إلى أهم تلك الأهداف الإسرائيلية على النحو التالي:

(*) الحفاظ على مركزية التحالف الإستراتيجي الأمريكي الإسرائيلي: يقوم التحالف الإستراتيجي بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، على إستراتيجية ثابتة لا تتغير بوجود الحزب الجمهوري أو الديمقراطي في السلطة، والتي تقوم بالأساس على ضمان الولايات المتحدة الأمريكية لأمن إسرائيل وضمان تفوقها على دول إقليم الشرق الأوسط، باعتبارها جزءًا من المنظومة الغربية والأمريكية بالأساس. وفى ظل حصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على أغلبية الأصوات الشعبية وأغلبية أصوات المجمع الانتخابي، ومع دعم اللوبي اليهودي له وتأييده واسع النطاق من قبل التيار اليميني في الولايات المتحدة، فإنه يسعي لترجمة وعوده الانتخابية، ومنها استمراره في دعم إسرائيل كحليف استراتيجي، وجاءت تصريحات له في 3 فبراير 2025 توحي بمساندة ائتلاف نتنياهو الحاكم للاستمرار في الحكم بالإعلان عن تأييده توسيع المستوطنات، انطلاقًا من أن إسرائيل دولة صغيرة المساحة، كما أعلن عن صفقة عسكرية بقيمة مليار دولار لإسرائيل، وإصدار أمر تنفيذي جديد بحظر تمويل منظمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا".

(*) مساندة تصورات نتنياهو حول تغيير الشرق الأوسط: يشكل طرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن منطقة الشرق الأوسط تعيش على وقع مرحلة تغيير أساسي، وذلك عقب الضربات الجوية التي وجهتها إسرائيل لإيران، وردت عليها إيران أيضًا بضربات مماثلة وإن كانت تلك المواجهات ظلت محسوبة. هذا النهج جعله يعتبر خلال لقاءه بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الرابع من فبراير 2025 بواشنطن أن خطته بشأن غزة، واستعداد ترامب للتفكير خارج الصندوق، هو ما سيحقق أهداف الحرب في غزة، وسيعيد رسم معالم الشرق الأوسط.

(*) توظيف رؤية ترامب لمستقبل غزة: تشكل مقترحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن غزة دعمًا للتصورات الإسرائيلية، ومنها ما طرحه ترامب بأن تتولى الولايات المتحدة الأمريكية السيطرة على قطاع غزة المدمر بسبب الحرب كمكان مليء بالحطام الآيل للسقوط، وإطلاق خطة تنمية اقتصادية في القطاع تهدف إلى توفير عدد غير محدود من الوظائف والمساكن لسكان المنطقة، قائلًا إنه يتطلع إلى أن تكون لأمريكا ملكية طويلة الأمد في القطاع، وواصفًا القطاع بأنه سيتحول إلى ريفييرا الشرق الأوسط، ومن الممكن أن يستقبل سكانًا من كل دول العالم، وهذا المقترح رفضته كل القوى الدولية وفى مقدمتها الصين وروسيا وغالبية الدول الأوروبية، رافضة تهجير الفلسطينيين من غزة، ومطالبين بتبني حل الدولتين كمسار لتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وهو الأمر الذي أسهم في خفوت ذلك المقترح وإعلان البيت الأبيض أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تقرر إرسال قوات أمريكية إلى قطاع غزة.

(*) الموقف الأمريكي من إيران: تلخص تصريحات نتنياهو بالقول "لقد عرفنا على مدى سنوات أن إيران هي التهديد الأكبر لنا، سواءً بشكل مباشر أو من خلال وكلائها"، لكن رغم الإدراك الإسرائيلي للدور الإيراني، إلا أن المناوشات الإسرائيلية الإيرانية ظلت محسوبة حتى لا تخرج عن السيطرة. وبدا أن الولايات المتحدة الأمريكية تميل للمسار التفاوضي مع الجانب الإيراني عكس الرغبة الإسرائيلية، ففي إطار استعادته لممارسة الضغوط القصوى التي مارسها ضد إيران خلال ولايته الأولى أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بأنه لن يسمح لإيران بامتلاك سلاح نووي، كما وقع أمرًا تنفيذيًا يقضي بتشديد العقوبات على إيران وتصفير صادراتها النفطية، كما وجه وزارتي والخارجية بتشديد العقوبات وتنفيذها، وفرض عقوبات على منتهكي العقوبات الأمريكية على إيران. وبرغم انطلاق المباحثات الأمريكية الإيرانية في 12 أبريل 2025 حول البرنامج النووي الإيراني وعقد ثلاث جولات والاستعداد لعقد الجولة الرابعة، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية حافظت على فرض العقوبات على إيران، في ظل توقع العديد من الخبراء بوقف تلك العقوبات خلال المباحثات بين الجانبين لتعزيز إجراءات بناء الثقة، وهو ما لم يحدث.

مجمل القول، تعكس زيارة ترامب إلى المنطقة في أول جولة خارجية إلى الشرق الأوسط أولويتها الاستراتيجية والاقتصادية وتنوع ملفاتها -من غزة إلى إيران- محورية التحالف الاستراتيجي مع إسرائيل التي تسعى -برغم وجود تباين في الرؤيتين الأمريكية والإسرائيلية ما بين التهدئة والتصعيد- إلى توظيف الزيارة لخدمة أهدافها داخل إقليم الشرق الأوسط، غير أن المصالح العربية والأمريكية والمرتبطة بأمن الطاقة العالمي والاستثمارات الخليجية والحفاظ على أمن الإقليم تجعل من التفاهمات مع الجانب الأمريكي قادرة على ضبط التفاعلات بما يحول دون تدهور الأوضاع، ويأتي في مقدمتها تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على أساس حل الدولتين باعتبار أن القضية الفلسطينية هي قضية العرب الأولى.