الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

هل يتأثر سوق النفط بزيارة ترامب للشرق الأوسط؟

  • مشاركة :
post-title
دونالد ترامب وسوق النفط

القاهرة الإخبارية - رضوى محمد

بدأ الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، اليوم الثلاثاء، وحتى 16 مايو الجاري، جولة خليجية تتضمن كلًا من السعودية وقطر والإمارات، وتوضح هذه الجولة تفضيل ترامب لدول الخليج في أبرز زيارة خارجية منذ توليه الحكم في 20 يناير 2025.

ومن المتوقع أن هذه الزيارة ستترتب عليها صفقات تجارية واستثمارية كبرى، وهو الأمر الذي يشير إلى أنها ستكون لها آثار اقتصادية متنوعة، خاصة على سوق النفط، في حالة استخدم ترامب ورقة النفط كأداة تفاوض سياسي، تزيد من تذبذب السوق.

وتأسيسًا على ما سبق، يتطرق هذا التحليل إلى التعرف على مدى تأثر سوق النفط بزيارة ترامب للشرق الأوسط.

أكبر 10 دول منتجة للنفط في فبراير 2025
ملامح مهمة

إن الملامح الرئيسية لزيارة ترامب للشرق الأوسط، يُمكن توضيحها على النحو التالي:

(-) عقد صفقات استثمارية: من المتوقع بشكل كبير أن ينتج عن هذه الزيارة صفقات استثمارية كبرى بين الولايات المتحدة الأمريكية ودول الخليج، خاصة في مجال الطاقة والذكاء الاصطناعي والمعادن. وقد تعهدت السعودية في هذا الصدد باستثمار 600 مليار دولار في الولايات المتحدة خلال فترة ولاية ترامب، فضلًا عن استثمارات إماراتية بقيمة 1.4 تريليون دولار، وهو الأمر الذي سيعزز مجال الطاقة بشكل خاص.

وفي هذا النطاق، وبالرجوع إلى زيارة ترامب للمملكة العربية السعودية في إطار حضور قمة الرياض في يومي 20 و21 مايو 2017، يتضح أنها أسفرت عن توقيع عقود بقيمة 380 مليار دولار في مجالات النفط والدفاع والنقل الجوي، وهو الأمر الذي يُرجح أن هذه الزيارة ستشهد تعاقدات استثمارية ضخمة. إذ توقع موقع "أكسيوس" أن تعلن قطر عن صفقات واستثمارات بقيمة 200 إلى 300 مليار دولار.

(-) التركيز على النفط: إن هذه الزيارة ستولي اهتمامًا كبيرًا بأسعار النفط؛ نظرًا لارتباط أسعار الطاقة ارتباطًا مباشرًا بالاقتصاد العالمي، إذ إن ترامب ربط بين ارتفاع معدل التضخم في الاقتصاد الأمريكي وبين ارتفاع أسعار النفط عالميًا، وهو ما جعله يتعهد بمطالبة السعودية ومنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك+) بخفض تكلفة النفط.

وبالإضافة إلى ذلك، يقوم ترامب عادةً بالضغط على منظمة "أوبك+"، بقيادة المملكة العربية السعودية، لضخ المزيد من النفط؛ لخفض الأسعار على المستهلكين الأمريكيين، وهو ما تقوم به السعودية في الفترة الأخيرة.

وبالتالي من المرجح أن يعمل ترامب على الضغط على دول الخليج لمزيد من التخفيضات في أسعار النفط مقابل زيادة الاستثمارات الأمريكية في مجالات الطاقة المتجددة، بشكل يعوضهم عن الخسائر التي تحققت في إيرادات صادرات النفط.

الشكل (1) يوضح ارتفاع عجز الميزانية السعودية إلى نحو 59 مليار ريال سعودي في الربع الأول من عام 2025، مرتفعًا عن 12 مليار ريال في الربع الأول من عام 2024؛ وجاء ذلك بسبب تباطؤ الطلب العالمي والتقلبات الحادة التي شهدتها أسعار النفط.

الشكل (1) يوضح عجز الميزانية السعودية من 2022 إلى 2025 على أساس ربع سنوي-المصدر: وزارة المالية السعودية
آثار مُحتملة

يُرجح أن يتأثر سوق النفط بزيارة ترامب للشرق الأوسط من خلال النقاط التالية:

(-) زيادة الإنتاج: إن زيارة ترامب إلى دول الخليج وما سيترتب عليها من استثمارات في مجال الطاقة، ستنعكس على ارتفاع معدلات الإنتاج داخل هذه الدول، إذ إنها ستركز في الأساس على حث دول منظمة "أوبك+" على زيادة إنتاجها.

ويأتي ذلك في ظل إعلان المنظمة عن زيادة حصتها الإنتاجية في بداية مايو 2025، وهي الخطوة التي تمثل الزيادة الشهرية الثالثة على التوالي، مما يُرجح أن سوق النفط سيشهد زيادة كبيرة في الإنتاج بعد زيارة ترامب، خاصة مع اتجاه الدول غير الأعضاء في "أوبك+" إلى زيادة إنتاجها بنحو 54.6 مليون برميل يوميًا خلال عام 2025، وفقًا لوكالة الطاقة الدولية.

(-) انخفاض الأسعار: من المتوقع أن يشهد سوق النفط انخفاضًا في أسعاره بعد زيارة ترامب للشرق الأوسط، خاصة في إطار الجهود التي ستقوم بها "أوبك+" في سبيل خفض تكلفة إنتاج النفط.

وذلك بالإضافة إلى الوضع الحالي الخاص بالانخفاض الكبير في أسعار النفط في ظل تباطؤ الطلب العالمي، الذي توقعته "أوبك+"، إذ توقعت انخفاض الطلب العالمي على النفط إلى 1.3 مليون برميل يوميًا على أساس سنوي، بالمقارنة بتوقعات سابقة في شهر مارس الماضي بأن يكون مقدار هذا الطلب نحو 1.45 مليون برميل يوميًا.

ومن الأمور التي تؤيد انخفاضًا أكبر في أسعار النفط أن السعودية توسعت في إنتاجه، الأمر الذي ساهم في انخفاض أسعاره بنحو 10 دولارات للبرميل قبل زيارة ترامب، إذ كان هذا التراجع نتيجة مباشرة لطلب ترامب من "أوبك+" بخفض الأسعار، وهو ما استجابت له الرياض سريعًا.

ومن ناحية أخرى، وبالقياس على زيارة ترامب للسعودية في عام 2017، يتضح أنها انعكست على أسعار النفط بالانخفاض، إذ انخفض سعره من 45.19 دولارًا للبرميل في مايو 2017 إلى 42.17 دولارًا للبرميل في يونيو 2017، أي انخفض بنسبة 6.68%، بسبب زيادة المعروض العالمي.

الشكل (2) يوضح أسعار النفط قبل وبعد زيارة ترامب لدول الخليج في عام 2017- المصدر: إدارة معلومات الطاقة الأمريكية

(-) ارتفاع حدة المنافسة: سيشهد سوق النفط ارتفاعًا في مستوى المنافسة بين دول منظمة "أوبك+" والدول غير الأعضاء في المنظمة، وهو الأمر الذي يُنذر بحرب أسعار في هذا السوق، خاصة أن الدول غير الأعضاء تتجه نحو زيادة حصتها من إنتاج النفط بشكل كبير.

فإذا زادت "أوبك+" من إنتاج النفط الخام بمقدار 411 ألف برميل يوميًا اعتبارًا من يونيو المقبل، سيعني ذلك ارتفاع إنتاج السعودية إلى 9.37 مليون برميل يوميًا، وإنتاج العراق إلى 4.09 مليون برميل يوميًا، وهو الأمر الذي يُنذر بحرب أسعار كبيرة من قبل الدول غير الأعضاء في المنظمة؛ للحصول على حصة سوقية أكبر وإضرار منتجي المنظمة، وهو الأمر الذي من المتوقع أن ترتفع حدته بعد زيارة ترامب للشرق الأوسط.

ومن ناحية أخرى، فإن ترامب قد يمنح امتيازات استثنائية لدول على حساب دول أخرى في شكل استثمارات وصفقات، الأمر الذي يخلق خللًا في ميزان التنافس، إذ ستواجه دولًا غير مرحب بها أمريكيًا مثل إيران، تضييقًا إضافيًا في قدرتها على تسويق نفطها.

(-) إعادة تشكيل التحالفات: استخدام ترامب النفط كسلاح سياسي اقتصادي، من المحتمل أن يكون له تأثير على منظمة "أوبك+" من خلال إعادة تشكيل تحالفات داخلها، فالتحركات الأمريكية قد تزعزع من وحدة القرار داخل المنظمة، فهناك دول بدأت تستجيب للضغوط الأمريكية بشكل منفرد مثل السعودية والإمارات، وهو الأمر الذي يخلق توترًا داخليًا بين أعضاء المنظمة.

وفي النهاية، يُمكن القول إن جولة ترامب للشرق الأوسط تُعد حدثًا ذا أبعاد اقتصادية وسياسية متعددة، لاسيما في سوق النفط العالمي، إذ إن الزيارة ستكشف عن إعادة رسم العلاقات بين الولايات المتحدة ودول الخليج، خاصة في مجال الطاقة، فالضغط الأمريكي لزيادة الإنتاج وخفض الأسعار، إلى جانب إبرام الصفقات الضخمة، يعتبر توجهًا أمريكيًا نحو تسخير النفوذ السياسي لتحقيق مكاسب اقتصادية مباشرة.

ومن هنا فللزيارة تأثيران على سوق النفط، أولها على المدى القصير الذي يتمثل في تراجع مؤقت لأسعار النفط وزيادة العرض، وثانيها على المدى الطويل وهو حدوث تغيير في التوازنات داخل "أوبك+" واشتداد المنافسة بين الدول المنتجة.

على أن يتوقف مستقبل السوق على مدى تماسك التحالفات النفطية، وقدرة الدول المنتجة على التنسيق في مواجهة الضغوط السياسية والاقتصادية الخارجية.