الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

حدود تغير الرؤية الأمريكية بشأن غزة

  • مشاركة :
post-title
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب

القاهرة الإخبارية - ضياء نوح

بالتوازي مع تصاعد الضغوط الدولية على حكومة نتنياهو بعد الإعلان عن العملية الموسعة "عربات جدعون" لاحتلال كامل قطاع غزة أرجأ نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس زيارة مقررة لإسرائيل خلال الأسبوع الجاري. وعلى الرغم من استقبال الرئيس الأمريكي بإفراج حركة حماس عن الأسير الأمريكي الإسرائيلي عيدان ألكسندر إلا أن تصريحات أركان الإدارة بشأن آفاق إنهاء الحرب ومستقبل قطاع غزة خلال الزيارة انطوت على كثير من الغموض والتعقيد بين الانفتاح على مفاوضات مباشرة مع حماس والتلويح المتجدد بالتدخل الأمريكي في إدارة القطاع وتحويله إلى "منطقة حرية".

وتأسيسًا على ما سبق؛ يتناول التحليل التالي حدود تغير الرؤية الأمريكية بشأن غزة على ضوء بدء العملية البرية الموسعة "مركبات جدعون" وخطة جيش الاحتلال لتوزيع المساعدات بالتعاون مع "مؤسسة غزة الإنسانية".

ثوابت رؤية ترامب

رغم تهميش ملف الحرب على غزة في جولته الخليجية، انطلقت محادثات جديدة في العاصمة القطرية على هامش زيارة الرئيس الأمريكي لدولة قطر، وأثارت تصريحاته في 15 مايو الجاري الجدل مجددًا حول الاستيلاء على القطاع وتحويله إلى "منطقة حرية". ويمكن الإشارة إلى أهم ثوابت الرؤية الأمريكية بشأن غزة على النحو التالي:

(*) أمن إسرائيل: لم تخل سياسة الولايات المتحدة بالشرق الأوسط على مدار العقود الماضية من هدف رئيسي متمثل في الحفاظ على أمن إسرائيل وضمان تفوقها العسكري والدفاع عنها في مواجهة أي تهديدات محتملة. ويكمن التباين الرئيسي بين نهج إدارتي بايدن وترامب تجاه أمن إسرائيل في مدى الانخراط الأمريكي في صياغة استراتيجيات المواجهة وتحمل العبء الرئيسي في العمليات الدفاعية، وبالتالي يعكس نهج ترامب سخاء الدعم العسكري والدبلوماسي تجاه إسرائيل وترك الأخيرة للتحرك منفردة في حالة عدم الاستجابة للنصائح الأمريكية دون تعريض المصالح الرئيسية لواشنطن في منطقة الشرق الأوسط.

فعلى الصعيد السياسي ورغم محادثاتها مع حركة حماس في ضوء تيسير المفاوضات وإتمام الإفراج عن "عيدان ألكسندر"، قلصت واشنطن من اهتمامها بالملف الفلسطيني عبر دمج مكتب الشئون الفلسطينية بالسفارة الأمريكية في القدس، وهو ما يهمش من أهمية التواصل بين الولايات المتحدة والسلطة الوطنية الفلسطينية وأن حل القضية الفلسطينية وفق "حل الدولتين" يأتي في مرتبة متأخرة على سلم أولويات الإدارة. كما أيدت الحظر الإسرائيلي على أعمال أونروا في الأراضي المحتلة بعدما قطعت الإدارة السابقة تمويلها عن الوكالة في يناير 2024 في ضوء مزاعم مشاركة عناصر تابعين لها في هجوم السابع من أكتوبر 2023. وعلى صعيد الدعم العسكري استأنفت الإدارة الأمريكية تسليم شحنات الأسلحة والذخائر التي أوقفتها إدارة بايدن في مايو 2024.

(*) البعد "الإنساني": يلتزم خطاب الإدارة الأمريكية وبصفة خاصة الرئيس دونالد ترامب بالخطاب الإنساني الساعي لاستعادة المحتجزين وإنهاء معاناة الفلسطينيين الذين "يتضورون جوعًا"، ولم تتضمن التصريحات الأمريكية أي إدانة للاحتلال الإسرائيلي أو انتقاد علني واضح لسلوك رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من خلال تفضيلها المسار التفاوضي لتحقيق وقف إطلاق النار على تصعيد القتال عبر عملية عسكرية كبرى. ويكفل هذا الاقتراب للولايات المتحدة قابلية إنكار أي فشل في تحقيق التهدئة، كما يهدف لتهميش البعد القيمي للسياسة الأمريكية من خلال الإخلال بقواعد القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي. وعلى الجانب الآخر تلعب الولايات المتحدة دورًا مزدوجًا في التفاوض مع عدة دول على استقبال الغزيين بالتوازي مع تدشين "مؤسسة غزة الإنسانية" لتوزيع المساعدات في غزة بالتعاون مع جيش الاحتلال والضغط على المؤسسات الأممية للمشاركة وإضفاء الشرعية الدولية على تلك الخطة التي تتضمن 12 موقعًا في شمال ووسط وجنوب القطاع لتوزيع المساعدات وفق خريطة السيطرة الإسرائيلية الكاملة على قطاع غزة التي كشفت عنها صحيفة صنداي تايمز البريطانية في 17 مايو الجاري.

(*) البعد الرمزي: يبدو الرئيس ترامب معنيًا بتخليد اسمه كقائد تاريخي لتوطيد أطر السلام العالمي من بوابة الشرق الأوسط، وهو ما يعني وفق عقيدته إحداث تغيير في بنية الصراعات الممتدة وتحويل مناطق الصراع إلى معالم رمزية للسلام الناشئ ليس فقط بين الأطراف المتحاربة وإنما بانخراط مباشر للولايات المتحدة على صعيد تقاسم المكاسب دون الأعباء، وهو ما يظهر في رؤية ترامب لتحويل غزة إلى "ريفييرا الشرق الأوسط" والتي لا تزال في طور رؤية غير واقعية وغير إنسانية مرفوضة من المجتمع الدولي برُمته على ضوء تماهيها مع مخطط الاحتلال لإفراغ القطاع من سكانه الأصليين. وقد يمثل إرث ترامب في هذه الحالة تخليد اسم الرئيس الأمريكي في صورة مشروع عقاري على غرار أبراج ترامب المنتشرة في عدد من دول العالم.

متغيرات الموقف الأمريكي

يأتي إرجاء زيارة نائب الرئيس الأمريكي التي كانت مقررة لإسرائيل خلال الأسبوع الجاري معبرًا عن حالة التوتر بين إدارتي البلدين خاصة مع تصعيد العدوان على غزة.

(&) التوترات مع نتنياهو: رغم نفيه فتور العلاقات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، يبدو الرئيس الأمريكي دونالد ترامب محبطًا من سياسة نتنياهو في العديد من الملفات الإقليمية خاصة في ضوء عدم إيلاء الأخير اهتمامًا بتقديم تنازلات في ملف الحرب على غزة والقضية الفلسطينية بوجه عام مقابل استئناف مسار السلام مع الدول العربية برعاية أمريكية والذي من شأنه أن يعيد رسم خريطة التحالفات بالشرق الأوسط، علاوة على إعلان توسيع العملية العسكرية في غزة وإدخال شحنات معدودة للمساعدات لا تتلاءم مع الاحتياجات الإنسانية المتزايدة لسكان القطاع بالتزامن مع المفاوضات الجارية في الدوحة.

وفي ظل تصاعد الرفض الدولي للمشاركة في شرعنة خطة "المرحلة الثالثة" لاحتلال القطاع، تُعرِّض المساهمة في توزيع المساعدات الإنسانية وفق المخطط الإسرائيلي ابتداءً من 24 مايو الجاري الولايات المتحدة لمزيد من الانتقادات عبر المشاركة المباشرة في جرائم التجويع في إطار توزيع كميات غير كافية من المساعدات لسكان القطاع واستخدامها في شرعنة مخطط التهجير.

(&) أولوية المصالح الأمريكية: وإلى جانب البعد الشخصي في ذلك التوتر، تبدو المصالح الأمريكية والخليجية في حالة تعارض مع أجندة التصعيد الإسرائيلي في المنطقة سواء في إطار المواجهة مع الحوثيين أو في إشعال أجواء الخليج باستهداف المنشآت النووية الإيرانية مما يعرض أمن الخليج ونموذجه الاقتصادي للخطر، وهو ما ظهر في الاتفاق الجزئي مع الحوثيين لوقف الضربات الجوية الأمريكية مقابل الامتناع عن استهداف السفن الأمريكية. كما يمثل التواصل المباشر بين أركان الإدارة الأمريكية مع حماس لإطلاق سراح الجندي الإسرائيلي الأمريكي والتفاهم المبدئي على إنهاء الحرب ترسيخًا للتباين بين الإدارتين إذ لا يمنع الدعم غير المحدود لإسرائيل وتأييد مطالباتها في نزع سلاح المقاومة الفلسطينية من التواصل مع الفصائل لتسريع المفاوضات وإيجاد تسوية مقبولة فلسطينيًا وعربيًا وإسرائيليًا، وتحقيق إنجاز داخلي بإعادة آخر محتجز أمريكي على قيد الحياة في غزة بينما تخاطر حكومة نتنياهو بحياة باقي مواطنيها المحتجزين.

وإجمالًا؛ يبدو الرئيس الأمريكي معنيًا بالحفاظ على أولويات إدارته في إنهاء الحروب وتسوية النزاعات على قاعدة المصالح الأمريكية وتقديم واشنطن كشريك رئيسي في مسار بناء السلام الإقليمي، وهو ما يتناقض مع رغبة حكومة اليمين الإسرائيلي المتطرف التي تسعى لاستكمال الحرب دون أفق زمني واضح لإنهائها والاحتلال الكامل لغزة لحين تهيئة الظروف لتصفية الوجود الفلسطيني في القطاع. ومع حرص الإدارة الأمريكية على عدم إظهار الخلافات أمام الإعلام تبدو ضغوط ترامب على إسرائيل غير كافية في ضوء استغلال حكومة نتنياهو للغطاء الأمريكي في طرح مخطط التهجير بدوافع "إنسانية" واستخدام المساعدات الإنسانية أداة للحرب.

ويؤشر إرجاء زيارة نائب الرئيس الأمريكي لإسرائيل على نجاح الضغوط الدولية الرافضة لاستئناف الحرب في ضوء غياب أي ضمانات إنسانية لحماية المدنيين وتجنيب القطاع خطر المجاعة التي باتت حتمية في ضوء التفاف الحكومة الإسرائيلية على مطالبات إدخال المساعدات الإنسانية بصورة كافية والإصرار على استخدام التجويع سلاحًا.