الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

دلالات زيارة أول وفد روسي إلى سوريا بعد "الأسد"

  • مشاركة :
post-title
أحمد الشرع وميخائيل بوجدانوف

القاهرة الإخبارية - د. مبارك أحمد

جاءت زيارة أول وفد رسمي روسي منذ سقوط نظام الأسد يتقدمه نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوجدانوف، والمبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرينتييف، إلى دمشق في 28 يناير 2025، ولقائه بمسؤولي الإدارة السورية الجديدة، ليثير العديد من التساؤلات حول مستقبل الوجود الروسي في سوريا، وما إذا كانت توجهات السياسة الخارجية السورية ستحافظ على نمط التحالفات السابقة، أم أنها ستتجه نحو تحالفات جديدة، وحدود التغيير والاستمرارية في علاقات سوريا بالقوى الكبرى.

دوافع متعددة

تتنوع دوافع زيارة الوفد الروسي إلى سوريا، ويمكن الإشارة إلى أهمها على النحو التالي:

(*) تعزيز المصالح المشتركة: ترتبط روسيا وسوريا بعلاقات تاريخية منذ عهد الاتحاد السوفيتي، فوفقًا لتصريحات نائب وزير الخارجية الروسي لوسائل إعلام روسية قبيل الزيارة، فإن تلك الخطوة تأتي في سياق تعزيز العلاقات التاريخية بين روسيا الاتحادية وسوريا وفق قاعدة المصالح المشتركة، مضيفًا أن روسيا حريصة على وحدة واستقلال وسلامة الأراضي السورية وتحقيق الوفاق والسلم الاجتماعي في البلاد.

(*) الحفاظ على النفوذ الروسي في الشرق الأوسط: شكل الوجود الروسي في سوريا ارتباطًا مفصليًا بالنفوذ الروسي بالشرق الأوسط، إذ سعى الرئيس بوتين منذ توليه مقاليد الكرملين إلى استعادة مكانة روسيا دوليًا، من خلال تعزيز علاقاتها الاستراتيجية بالعديد من الدول في المناطق والأقاليم المختلفة، لذلك شكل الوجود الروسي في سوريا أهمية خاصة بالنسبة لروسيا باعتبارها بوابة روسيا إلى المياه الدافئة عبر البحر المتوسط، وأن الحفاظ على ذلك الوجود يعزز من مكانة روسيا ويحافظ على توجهاتها المستقبلية إزاء تعزيز علاقاتها بدول حوض البحر المتوسط وبالدول الإفريقية، وهو الأمر الذي دفع العديد من المحللين للقول إن الانسحاب الفرنسي من إفريقيا يأتي لصالح التغلغل الروسي والصيني، وهي المكاسب التي تسعى روسيا للحفاظ عليها.

(*) ترجمة الرسائل الإيجابية بين الطرفين: شهدت الفترة السابقة على زيارة الوفد الروسي إلى سوريا تبادل رسائل إيجابية حول مستقبل العلاقة بين البلدين، وأكد الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، أهمية التعاون مع الروس، قائلًا إن روسيا ثاني أقوى دولة في العالم، ولها أهمية كبيرة وأن لدمشق مصالح استراتيجية مع موسكو وأن الإدارة الجديدة تتطلع إلى مصالح الشعب السوري أولًا، ولا تريد إثارة المشكلات والصراعات مع الدول الخارجية.

وأشاد وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، بالرسائل الإيجابية من جانب القيادة السورية الجديدة، ومشيرًا إلى أن بلاده لم تسحب دبلوماسييها من دمشق، والسفارة تعمل بشكل طبيعي كما بقية السفارات، ويتم التواصل مع السلطات السورية الجديدة. وأكد لافروف أن سوريا دولة صديقة بالنسبة لروسيا، فقد أسهمت في تخليصها من التبعية الاستعمارية وإعداد عشرات الآلاف من الكوادر البشرية السورية، كما يدرس 5 آلاف سوري في روسيا، وسيستمر هذا النهج، مضيفًا "مستعدون لاستئناف العمل مع القادة الجدد بعد أن يتم تشكيل هيكل السلطة". وأشار لافروف إلى استعداد بلاده لمساعدة سوريا في العملية الانتقالية بالبلاد في إطار مجلس الأمن الدولي، وكذلك في إطار رفع جهود الحوار الوطني والعمل جنبًا إلى جنب مع الدول العربية.

(*) مصير قاعدتي طرطوس وحميميم: تمتلك روسيا قاعدة طرطوس على البحر المتوسط، التي يعود تاريخها إلى الحقبة السوفيتية، وتعد المركز اللوجيستي البحري الروسي الوحيد على البحر المتوسط، وهي قاعدة إمداد رئيسية للقوات الروسية بمنطقة المتوسط وشمال إفريقيا. أما قاعدة حميميم الجوية فقد أنشئت بالقرب من اللاذقية منذ عام 2015، وفي عام 2017 حصلت روسيا على القواعد بموجب عقد إيجار مدته 49 عامًا. وتشير العديد من التحليلات إلى أن روسيا تسعى لضمان مصير القاعدتين البحرية في طرطوس والجوية في حميميم، نظرًا لارتباطهما بمكانة روسيا في إقليم الشرق الأوسط باعتبارهما مرتبطتان بالنفوذ الروسي في الإقليم.

تحديات ماثلة

هناك العديد من التحديات التي تواجه الوجود الروسي في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، ويمكن الإشارة إلى أهمها على النحو التالي:

(&) الموقف الأوروبي: يقوم التوجه الأوروبي على مساندة سوريا ضمن شروط متعددة منها: الحد من النفوذ الروسي في سوريا، وهو الأمر الذي عبرت عنه مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس، 16 ديسمبر 2024، بأن وزراء الاتحاد الأوروبي متفقون على وجوب تخلص قيادة سوريا من النفوذ الروسي. كما كثف الاتحاد الأوروبي جهوده لإقامة علاقات أوروبية سورية بناءة، إذ زار كل من وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، ووزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، سوريا، 3 يناير 2024.

وأشارت العديد من التحليلات إلى سعي بعض دول مجموعة السبع وحلفائها لبحث سبل تمكين سوريا من إيجاد بدائل لواردات النفط الروسي والغذاء، لا سيما وأن أوكرانيا قامت بإرسال شحنة من القمح إلى سوريا ووعدت بمزيد من التسليمات.

(&) الموقف الأمريكي: يمثل الموقف الأمريكي عقبة رئيسية أمام استعادة روسيا لنفوذها في مرحلة ما بعد نظام الأسد، حتى في ظل توجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يرفع شعار إنهاء الحروب، وعبر عنه في خطاب تنصيبه قائلًا "إننا لن نقيس نجاحنا من خلال المعارك التي نفوز بها فحسب، بل وأيضًا بالحروب التي ننهيها، وربما الأهم من ذلك الحروب التي لن نشارك فيها أبدًا"، فاختلاف المنطلقات الروسية والأمريكية بشأن طبيعة النظام الدولي يجعل من التنافس بينهما على سوريا أمرًا واردًا، إذ يتبنى الرئيس فلاديمير بوتين، مبدأ التعددية القطبية للنظام الدولي، ويرفع الرئيس الأمريكي شعار أمريكا أولًا باعتبارها أمة قادرة على قيادة العالم، بعد أن وحدتها الانتخابات الرئاسية الأخيرة خلف قيادته، وفق تصوره.

(&) التطورات السورية الجديدة: أعلنت الإدارة السورية الجديدة، 29 يناير 2025، تعيين أحمد الشرع رئيسًا المرحلة الانتقالية في سوريا، يقوم بمهام رئيس الجمهورية، ويمثل دمشق في المحافل الدولية، وتفويضه بتشكيل مجلس تشريعي للمرحلة الانتقالية بعد حل مجلس الشعب وإلغاء الدستور، وكذلك إعلان حل حزب البعث وأحزاب الجبهة التقدمية، وما يتبعها من منظمات ومؤسسات ولجان، وحل جميع الفصائل العسكرية والأجسام الثورية السياسية والمدنية ودمجها في مؤسسات الدولة.

وتسهم تلك التطورات الداخلية في إثارة تساؤل مركزي حول حدود الفترة الانتقالية في سوريا ومداها، وما إذا كانت سلطات الأمر الواقع في سوريا ستغير من توجهات السياسة الخارجية الروسية لصالح مزيد من الانفتاح على الدول الغربية الأوروبية، على حساب التقارب السابق مع روسيا، أم أنها ستحاول المواءمة بين مصالح سوريا مع الدول الغربية، والحفاظ على الحد الأدنى من التفاهمات مع روسيا.

مجمل القول إن زيارة أول وفد رسمي روسي إلى سوريا بعد حقبة الأسد، وبقدر ما تحمل العديد من الفرص لإرساء قواعد العلاقة المستقبلية بين سوريا وروسيا، سواء من خلال تعزيز المسار الدبلوماسي مع القيادة الانتقالية في سوريا وتقديم روسيا كضامن للاستقرار، وهو ما أكده وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، أن روسيا مستعدة لدعم السوريين في إقامة حوار وطني شامل أو من خلال تعزيز الشرعية القانونية من خلال ضمان استمرار الاتفاقات العسكرية مع الحكومة السورية الجديدة، بما يضفي طابعًا قانونيًا على ذلك الوجود، إلا أنها تواجه العديد من التحديات المرتبطة بالرؤية الغربية وخاصة الأوروبية، التي ترفض بقاء النفوذ الروسي في سوريا وتجعله أحد شروط بناء علاقات مستقبلية بناءة مع السلطات السورية الجديدة.