الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

الأولويات العربية في سوريا ما بعد الأسد

  • مشاركة :
post-title
اجتماع مجموعة الاتصال العربية في العقبة

القاهرة الإخبارية - د. مبارك أحمد

تزايدتْ وتيرةُ الانفتاحِ العربيِّ على سوريا بعدَ رحيلِ نظامِ الأسدِ، الذي هدفَ بالأساسِ للحفاظِ على وحدةِ سوريا وسلامةِ أراضيها، الذي شكّلَ البندَ الأبرزَ على قائمةِ حواراتِ الوفودِ العربيةِ التي زارتْ دمشقَ من دولٍ عربيةٍ متعددةٍ مع الإدارةِ السوريةِ الجديدةِ أو خلالَ الاتصالاتِ الهاتفيةِ التي أُجريتْ بين وزيرِ الخارجيةِ السوريِّ ونظرائهِ في عددٍ من الدولِ العربيةِ.

ويعدُّ الحفاظُ على وحدةِ سوريا أحدَ الأهدافِ المحوريةِ لحراكِ الدولِ العربيةِ نحو سوريا بعدَ رحيلِ الأسدِ، فضلًا عن أهدافٍ أخرى ترتبطُ بإطلاقِ عمليةٍ سياسيةٍ شاملةٍ، ومواجهةِ الإرهابِ، وموازنةِ التحركاتِ الإقليميةِ المرتبطةِ بأهدافٍ للقوى الإقليميةِ الطامحةِ لتعزيزِ نفوذِها داخلَ سوريا.

حراكٌ عربيٌّ مكثفٌ

بدأ الحراكُ العربيُّ إزاءَ سوريا من خلالِ عدةِ مستوياتٍ؛ الأولُ: تحركٌ عربيٌّ جماعيٌّ يرتبطُ بمخرجاتِ اجتماعِ العقبةِ بالأردنِّ، حيثُ شكّلتْ مخرجاتُ قمةِ العقبةِ بالأردنِّ في 14 ديسمبر 2024 توجهًا عربيًا إزاءَ تطوراتِ الأحداثِ في سوريا، التي ضمتْ لجنةَ الاتصالِ العربيةِ بشأنِ سوريا، والتي تضمُّ مصرَ والأردنَّ والسعوديةَ والعراقَ ولبنانَ وأمينَ عامِّ جامعةِ الدولِ العربيةِ، كما شاركَ في الاجتماعِ وزراءُ خارجيةِ الإماراتِ والبحرينِ (رئيسِ الدورةِ الحاليةِ للقمةِ العربيةِ) وقطرَ.

واشتمل البيانُ الختاميُّ على العديدِ من النقاطِ التي تعكسُ التوجهَ العربيَّ إزاءَ سوريا، أهمُّها: الوقوفُ إلى جانبِ الشعبِ السوريِّ الشقيقِ وتقديمُ كلِّ العونِ والإسنادِ له واحترامُ إرادتِه وخياراتِه، وضرورةُ الوقفِ الفوريِّ لجميعِ العملياتِ العسكريةِ، وضرورةُ توفيرِ الدعمِ الإنسانيِّ الذي يحتاجُه الشعبُ السوريُّ، والالتزامُ بتعزيزِ مكافحةِ الإرهابِ ومنعُ خطرِه على أمنِ سوريا والمنطقةِ والعالمِ، ويشكّلُ دحرُه أولويةً جامعةً، والتشديدُ على ضرورةِ الحفاظِ على مؤسساتِ الدولةِ وتعزيزُ قدراتِها، وإدانةُ توغلِ إسرائيلَ داخلَ المنطقةِ العازلةِ وسلسلةِ المواقعِ المجاورةِ لها في جبلِ الشيخِ ومحافظتي القنيطرةِ وريفِ دمشقَ، والدعوةُ لحوارٍ وطنيٍّ شاملٍ وتكاتفُ الشعبِ السوريِّ لبناءِ دولةٍ حرةٍ آمنةٍ ومستقرةٍ وموحدةٍ، ودعمُ دورِ المبعوثِ الأمميِّ إلى سوريا والعملُ على إنشاءِ بعثةٍ أمميةٍ لمساعدةِ سوريا، ودعمُ عمليةٍ انتقاليةٍ سلميةٍ سياسيةٍ سوريةٍ جامعةٍ.

أما المستوى الثاني فإنَّه يرتبطُ بزياراتِ وفودٍ عربيةٍ إلى دمشقَ،حيثُ تنوعتْ زياراتُ الوفودِ الدبلوماسيةِ من عددٍ من الدولِ العربيةِ منها السعوديةُ وقطرُ والأردنُّ والكويتُ، وكذلك الأمينُ العامُّ لمجلسِ التعاونِ لدولِ الخليجِ العربيةِ. وقد دارتْ النقاشاتُ مع الإدارةِ السوريةِ الجديدةِ حولَ عددٍ من القضايا وفقَ البياناتِ الصادرةِ عن تلكَ الزياراتِ أهمُّها: دعمُ المرحلةِ الانتقاليةِ في سوريا، ودعمُ المؤسساتِ السوريةِ، والتأكيدُ على وحدةِ سوريا وسلامةِ أراضيها، وصياغةُ دستورٍ جديدٍ للبلادِ، وكذلك دعمُ الاقتصادِ السوريِّ للتعافي.

أما المستوى الثالث فيرتبطُ بالاتصالاتِ الهاتفيةِ، التي أجراها وزراءُ خارجيةِ دولٍ عربيةٍ منها مصرُ وعُمانُ والإماراتُ والأردنُّ مع وزيرِ الخارجيةِ السوريِّ الجديدِ في ضوءِ الاهتمامِ العربيِّ بعودةِ سوريا إلى الحاضنةِ العربيةِ، وكان أحدثُها اتصالُ وزيرِ الخارجيةِ الأردنيِّ أيمن الصفديِّ في 3 يناير 2025 مع وزيرِ الخارجيةِ السوريِّ أسعد الشيبانيِّ، حيثُ أعلنتْ وزارةُ الخارجيةِ الأردنيةِ في بيانٍ لها بأنَّ الجانبينِ بحثا تطوراتِ الأوضاعِ في سوريا وسبلَ التعاونِ في مواجهةِ تحدياتِ المرحلةِ الانتقاليةِ التي تمرُّ بها، مشيرةً إلى أنَّهما اتفقا على تنظيمِ زيارةٍ للأردنِّ لوفدٍ وزاريٍّ سوريٍّ قطاعيٍّ وعسكريٍّ وأمنيٍّ لبحثِ آلياتِ التعاونِ في مجالاتٍ متعددةٍ تشملُ: الحدودَ والأمنَ والطاقةَ والنقلَ والمياهَ والتجارةَ وغيرها من القطاعاتِ الحيويةِ.

كما أجرى وزيرُ الخارجيةِ والهجرةِ المصريِّ الدكتور بدر عبد العاطي في 31 ديسمبر 2024 اتصالًا هاتفيًا مع أسعد الشيبانيِّ وزيرِ الخارجيةِ المعينِ بالحكومةِ الانتقاليةِ الجديدةِ في سوريا، وحسبما صرّح السفيرُ تميم خلاف، المتحدثُ باسمِ وزارةِ الخارجيةِ المصريةِ، فإنَّ الوزيرَ عبد العاطي أكدَّ على وقوفِ مصرَ بشكلٍ كاملٍ مع الشعبِ السوريِّ الشقيقِ ودعمِ تطلعاتِه المشروعه. وأضافَ أنَّ مصرَ تأملُ أنْ تتسمَ عمليةُ الانتقالِ السياسيِّ في سوريا بالشموليةِ، وأنْ تتمَّ عبرَ ملكيةٍ وطنيةٍ سوريةٍ خالصةٍ دونَ إملاءاتٍ أو تدخلاتٍ خارجيةٍ، وبما يدعّمُ وحدةَ واستقرارَ سوريا وشعبَها بكلِّ مكوناتهِ وأطيافهِ، ويحافظُ على هويتها العربيةِ الأصيلةِ.

أولوياتٌ متعددةٌ

هناك العديدُ من الأولوياتِ العربيةِ في سوريا، التي يمكنُ الإشارةُ إلى أهمِّها على النحوِ التالي:

(*) الحفاظُ على وحدةِ سوريا: يشكّلُ الحفاظُ على وحدةِ سوريا إحدى الأولوياتِ العربيةِ، وهو ما عبّرَ عنه وزيرُ الخارجيةِ المصريِّ د. بدر عبد العاطي خلالَ اتصالِه بوزيرِ الخارجيةِ السوريِّ المعينِ ودعوتِه جميعَ الأطرافِ السوريةِ في هذه المرحلةِ الفاصلةِ إلى إعلاءِ المصلحةِ الوطنيةِ، ودعمِ الاستقرارِ في سوريا والحفاظِ على مؤسساتِها الوطنيةِ ومقدراتِها ووحدةِ وسلامةِ أراضيها. كما أكدَّ وزيرُ الخارجيةِ الإماراتيِّ الشيخ عبد الله بن زايد خلالَ اتصالِه مع وزيرِ الخارجيةِ السوريِّ في 23 ديسمبر 2024 على أهميةِ الحفاظِ على وحدةِ وسلامةِ وسيادةِ سوريا. وكذلك تأكيدُ وزيرِ الخارجيةِ العُمانيِّ بدر بن حمد البوسعيديِّ خلالَ اتصالِه بوزيرِ الخارجيةِ السوريِّ مطلعَ يناير 2025 على موقفِ السلطنةِ الثابتِ والداعمِ لاحترامِ إرادةِ الشعبِ السوريِّ والحفاظِ على سيادةِ سوريا ووحدةِ وسلامةِ أراضيها.

(*) إطلاق عملية سياسية شاملة: يشكّلُ إطلاقُ عمليةٍ سياسيةٍ شاملةٍ في سوريا أولويةً عربيةً، وهو ما عبرَ عنه وزيرُ الخارجيةِ المصريِّ د. بدر عبد العاطي خلالَ اتصالِه الهاتفيِّ مع وزيرِ الخارجيةِ السوريِّ، السابقِ الإشارةِ إليهِ، بالتشديدِ على أهميةِ أنْ تتبنى العمليةُ السياسيةُ مقاربةً شاملةً، وجامعةً لكافةِ القوى الوطنيةِ تعكسُ التنوعَ المجتمعيَّ والدينيَّ والطائفيَّ والعرقيَّ داخلَ سوريا، وأنْ تكونَ سوريا مصدرَ استقرارٍ بالمنطقةِ، مع إفساحِ المجالِ للقوى السياسيةِ الوطنيةِ المختلفةِ لأنْ يكونَ لها دورُها في إدارةِ المرحلةِ الانتقاليةِ وإعادةِ بناءِ سوريا ومؤسساتِها الوطنيةِ لكي تستعيدَ مكانتَها الإقليميةَ والدوليةَ التي تستحقُّها، وفقَ بيانِ المتحدثِ باسمِ الخارجيةِ المصريةِ.

(*) مواجهةُ نفوذِ القوى الإقليميةِ: تسعى القوى الإقليميةُ إلى توظيفِ عمليةِ رحيلِ الأسدِ لخدمةِ مصالحِها ومشروعاتِها الإقليميةِ، فتركيا تسعى للقضاءِ على الطموحاتِ الكرديةِ المتمركزةِ على الحدودِ الجنوبيةِ، وعودةِ السوريينَ المقيمينَ على أراضيها لتأثيراتِهم الاقتصاديةِ. كما تهدفُ أنقرةُ إلى الاستفادةِ من السوقِ السوريِّ لمنتجاتِها.

أما إسرائيلُ التي قامتْ بالاستيلاءِ على منطقةِ جبلِ الشيخِ وأدانتهُ دولٌ عربيةٌ، حيثُ عقدَ مجلسُ جامعةِ الدولِ العربيةِ اجتماعًا في 12 ديسمبر 2024 بمبادرةٍ من مصرَ وبالتعاونِ مع عددٍ من الدولِ العربيةِ، لصياغةِ موقفٍ عربيٍّ يدينُ توغلَ إسرائيلَ داخلَ نطاقِ المنطقةِ العازلةِ مع سوريا وسلسلةِ المواقعِ المجاورةِ لها بكلٍّ من جبلِ الشيخِ ومحافظتي القنيطرةِ وريفِ دمشقَ، واعتبارِ ذلكَ مخالفًا لاتفاقِ فكِّ الاشتباكِ المبرمِ بين سوريا وإسرائيلَ عامَ 1974، ومن هذا المنطلقِ شددَ القرارُ العربيُّ على أنَّ الاتفاقَ المشارَ إليهِ يظلُّ ساريًا طبقًا لقرارِ مجلسِ الأمنِ رقم 350 الصادرِ في العامِ ذاتهِ، ومن ثمَّ انتفاءُ تأثرِ ذلكَ الاتفاقِ بالتغييرِ السياسيِّ الذي تشهدُه سوريا.

(*) محوريةُ مكافحةِ الإرهابِ: تعدُّ مكافحةُ الإرهابِ إحدى أولوياتِ الدولِ العربيةِ في الإقليمِ بشكلٍ عامٍّ، لاسيما مواجهةُ تنظيمِ "داعش" الإرهابيِّ الذي أعلنَ العراقُ عن القضاءِ عليه في عامِ 2017، وبرغمِ ذلكَ تشيرُ العديدُ من التحليلاتِ إلى محاولاتِ التنظيمِ المستمرةِ للعودةِ وإحياءِ أنشطتِه على الحدودِ العراقيةِ السوريةِ، لذلكَ تحتاجُ المناطقُ الحدوديةُ إلى تنميتِها من الناحيةِ الاقتصاديةِ وإعادةِ تأهيلِها لمنعِ أيِّ عودةٍ محتملةٍ للتنظيمِ.

مجملُ القولِ تتنوعُ أولوياتُ الدولِ العربيةِ في سوريا والتي تقومُ على محوريةِ الحفاظِ على وحدةِ الدولةِ السوريةِ وسلامةِ أراضيها، والحفاظِ على مؤسساتِها الوطنيةِ، فضلًا عن إطلاقِ عمليةٍ سياسيةٍ شاملةٍ وجامعةٍ لكافةِ القوى الوطنيةِ تعكسُ التنوعَ المجتمعيَّ والدينيَّ والطائفيَّ والعرقيَّ داخلَ سوريا.