الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

ما التحركات المحتملة للفاعلين الدوليين في سوريا ما بعد الأسد؟

  • مشاركة :
post-title
الأحداث في سوريا

القاهرة الإخبارية - د. محمد أبو سريع

لقد جذب النزاع في سوريا، الذي بدأ عام 2011، العديد من الفاعلين الدوليين، لكل منهم مصالحه وأهدافه الخاصة. وحتى الوقت الراهن، لا يزال الفاعلون الدوليون يلعبون دورًا مهمًا في تشكيل مجريات الأزمة السورية، إذ تتداخل مصالحهم السياسية والعسكرية والاقتصادية. وهو الأمر الذي يترتب عليه المزيد من التعقيد في الأزمة، مع استمرار التجاذبات والتوترات بين مختلف الفاعلين الدوليين وصولًا إلى إعلان وزارة الخارجية الروسية، أن بشار الأسد ترك منصبه وأعطى تعليمات بانتقال السلطة سلميًا، بعد مفاوضات مع عدد من أطراف النزاع السوري.

في هذا السياق، تُثار العديد من التساؤلات: مَن هم الفاعلون الدوليون في الأزمة السورية الراهنة، وإلى أي مدى تتشابك وتتداخل مصالحهم؟ وما أهم السيناريوهات والتحركات المحتملة لهم بعد انتهاء نظام الأسد؟

مصالح معقدة

خلق الفاعلون الدوليون في الأزمة السورية الراهنة، شبكة معقدة من المصالح التي لا تزال تشكل ديناميكيات النزاع. ويمكن تحديد مصالح هؤلاء ودورهم في هذه الأزمة، على النحو التالي:

(*) روسيا الاتحادية: تسعى موسكو إلى تعزيز وجودها الدبلوماسي في الشرق الأوسط كقوة توازن مع النفوذ الغربي. وتلعب روسيا الاتحادية دورها في إدارة الأزمة السورية الراهنة عبر الدور العسكري والدعم السياسي. وتُعد روسيا من أبرز الداعمين لنظام الأسد وقدمت له دعمًا عسكريًا واسعًا عبر الضربات الجوية والقوات البرية التي ساعدت النظام على استعادة معظم الأراضي التي كانت تسيطر عليها المعارضة منذ عام 2011. وتواصل روسيا تعزيز وجودها العسكري في سوريا، خصوصًا في القواعد العسكرية البحرية والجوية. ومن ناحية أخرى، تسعى روسيا إلى تقديم نفسها كوسيط رئيسي في الحل السياسي، عبر مشاركتها في محادثات أستانا (بين تركيا وإيران وسوريا) وحضورها في محادثات جنيف.

(*) الجمهورية الإسلامية الإيرانية: كانت تهدف إيران من خلال دعم الأسد إلى ضمان استمرار نفوذها في المنطقة، وضمان ممرات إمداد عبر العراق وسوريا إلى حزب الله في لبنان. وتلعب إيران دورها في إدارة الأزمة السورية الراهنة عبر تأثيرها على المجموعات الشيعية المسلحة في العراق وسوريا. فإيران هي أحد الحلفاء الرئيسيين لنظام الأسد، وتقدم له دعمًا عسكريًا مهمًا من خلال إرسال قوات مقاتلة ومستشارين عسكريين، وكذلك عبر دعم الجماعات المسلحة الموالية لها مثل حزب الله اللبناني.

(*) الولايات المتحدة الأمريكية: تسعى الولايات المتحدة إلى منع إيران وروسيا من تعزيز نفوذهما في المنطقة، إذ تلعب دورها في إدارة الأزمة السورية الراهنة عبر الدور العسكري. فرغم تقليص الولايات المتحدة، تدخلها المباشر بعد هزيمة تنظيم داعش الإرهابي، لا تزال تحتفظ بوجود عسكري في شرق سوريا، إذ تدعم قوات سوريا الديمقراطية الكردية في مكافحة الخلايا النائمة لتنظيم داعش الإرهابي. ومن جانب آخر، تمارس الولايات المتحدة ضغطًا على النظام السوري عبر العقوبات الاقتصادية. كما تدعم الحل السياسي القائم على مفاوضات جنيف التي تهدف إلى إيجاد حل سياسي دائم ينهي حكم الأسد.

(*) تركيا: تسعى تركيا من خلال وجودها العسكري في سوريا إلى تحقيق مصالحها الأمنية من خلال إنشاء منطقة آمنة على حدودها الجنوبية لمنع إقامة دولة كردية مستقلة. لذلك تشارك تركيا بشكل فعّال في الشمال السوري، وتدعم بعض التنظيمات وتنفذ عمليات عسكرية ضد قوات سوريا الديمقراطية التي تعتبرها امتدادًا لحزب العمال الكردستاني. كما تحاول تركيا التأثير على مجريات العملية السياسية لتصبح جزءًا من الحل النهائي للأزمة، وتسعى لزيادة نفوذها في المحادثات الدولية حول سوريا، خاصة في إطار أستانا وجنيف.

(*) الأمم المتحدة: تلعب الأمم المتحدة دورًا كبيرًا في تقديم المساعدات الإنسانية لسوريا، إذ تواصل تقديم الدعم للملايين من النازحين واللاجئين. كما تسعى إلى تسهيل المفاوضات بين الأطراف المختلفة عبر مباحثات جنيف، التي تهدف إلى التوصل لحل سياسي شامل. وبطبيعة الحال تدعم الأمم المتحدة المسار السياسي، وتعمل على تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2254، الذي يهدف إلى إجراء انتخابات حرة وعادلة في سوريا. ومع ذلك، تواجه جهودها تعقيدات كبيرة بسبب الانقسامات بين القوى الكبرى وتأثيراتها المتباينة على الأطراف السورية.

(*) الدول الأوروبية: تسعى الدول الأوروبية مثل فرنسا وبريطانيا لتحقيق تسوية سياسية للنزاع السوري، وغالبًا ما تدعو إلى وقف إطلاق النار وتحقيق انتقال سياسي يعيد الديمقراطية إلى البلاد. من جهة أخرى، تسعى هذه الدول إلى منع تدفق اللاجئين السوريين إلى أوروبا. وتفرض الدول الأوروبية عقوبات اقتصادية على النظام السوري لدفعه إلى الالتزام بالعملية السياسية وحقوق الإنسان.

التحركات المحتملة

في ظل التحولات الإقليمية والدولية، فإن التحركات المحتملة من جانب الفاعلين الدوليين قد تتنوع وفقًا لمصالحهم الاستراتيجية وأهدافهم في سوريا، خاصة بعد انتهاء حكم بشار الأسد. ويمكن تحديد بعض السيناريوهات والتحركات المحتملة لهؤلاء الفاعلين على النحو التالي:

(*) التحركات المحتملة من جانب روسيا: من المتوقع أن تواصل روسيا تعزيز وجودها العسكري في سوريا، خاصة في المناطق التي تتمتع فيها بنفوذ كبير مثل الساحل السوري ودمشق. وقد تقوم موسكو بتوسيع قواعدها العسكرية وتحسين قدراتها الجوية والبحرية. وفي ذات الوقت، تواصل روسيا دفع الأطراف الدولية للموافقة على الحل السياسي. وقد تعزز موسكو من جهودها في المحادثات السياسية عبر منصة أستانا، مع تقديم نفسها كوسيط رئيسي في عملية التسوية السياسية.

ومع هذه التحركات الروسية المحنملة، لا يمكن تجاهل حقيقة أن الدب الروسي المرهق من حرب استنزاف اقتربت أن تنهي عامها الثالث أمام أوكرانيا المدعومة من أوروبا والولايات المتحدة، مع إدراكه بأن مؤامرة ما قد حيكت له في سوريا ما يستنزف القدرات الروسية بشكل آخر.

ويتوقع تراجع الدور الروسي نسبيًا في الأزمة السورية الراهنة بعد انتهاء نظام بشار الأسد. ومن بين الدلائل التي تؤكد ذلك، إعلان الخارجية الروسية، في بيانها، أن روسيا لم تشارك في مفاوضات انتقال السلطة في دمشق فيما بعد بشار الأسد.

(*) التحركات المحتملة من جانب إيران: تنطلق هذه التحركات من توافق المصالح بين إيران والولايات المتحدة على حساب سوريا مع احتمال حدوث صفقة تفاهمية سرية (موائمة) بين الولايات المتحدة وإيران تمت الشهر الماضي، بين وزير كفاءة الحكومة بولاية دونالد ترامب القادمة إيلون ماسك، وبين مندوب إيران بالأمم المتحدة أمير أرواني. لذلك قد تسعى إيران إلى تحسين صورتها الدولية من خلال التفاوض بشأن ملفات أخرى مثل البرنامج النووي الإيراني مقابل تقديم تنازلات أو تحسين الأوضاع في سوريا، مثل توفير المساعدات الإنسانية أو الضغط على الميلشيات التابعة لها في سوريا لتجنب التصعيد.

(*) التحركات المحتملة من جانب الولايات المتحدة: قد تواصل الولايات المتحدة وجودها العسكري في شمال شرق سوريا، دعمًا لقوات سوريا الديمقراطية في محاربة بقايا داعش الإرهابي، مع احتمالية استهداف خلايا التنظيم الإرهابي في المناطق الصحراوية. ومن الممكن أن تركز على زيادة المساعدات العسكرية للأكراد وتحقيق الاستقرار في مناطقهم. وقد تستمر الولايات المتحدة في الضغط على روسيا لإنهاء تدخلها العسكري في سوريا. ويتأكد ذلك في ضوء ما قاله الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، إن بشار الأسد رحل، ولم تعد روسيا بقيادة فلاديمير بوتين، مهتمة بحمايته بعد الآن. 

وأضاف "ترامب"، على منصة "تروث سوشيال"، في أول تعليق على إعلان الفصائل السورية السيطرة على دمشق، أنّه لم يكن هناك سبب لوجود روسيا في سوريا، وأنها فقدت كل اهتمامها بسوريا بسبب أوكرانيا.

(*) التحركات المحتملة من جانب تركيا: قد تواصل تركيا عملياتها العسكرية ضد قوات سوريا الديمقراطية في شمال سوريا، في إطار سعيها لإنشاء منطقة آمنة على حدودها الجنوبية. ويمكن أن تكون هناك عمليات عسكرية جديدة ضد القوات الكردية لمنع إقامة حكم ذاتي كردي في شمال سوريا. ومن المحتمل أن تواصل تركيا ضغطها على القوى الكبرى، خاصة الولايات المتحدة وروسيا، لحث أطراف النزاع للقبول بحل سياسي يتضمن تهميش الأكراد، وذلك على الرغم من تصريح وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، "بأنّ الشعب السوري هو من يقرر مستقبله، ويجب تنفيذ عملية شاملة وتوحيد جميع الأطراف في سوريا".

(*) التحركات المحتملة من جانب الأمم المتحدة: ستواصل الأمم المتحدة تقديم المساعدات الإنسانية لملايين السوريين المتضررين من النزاع. ومن المرجح أن تعزز الأمم المتحدة من جهودها لتوسيع نطاق المساعدات عبر الحدود ومعالجة الأوضاع الإنسانية في مناطق مختلفة من سوريا. ومن المحتمل أن تواصل الأمم المتحدة جهودها الدبلوماسية في محادثات الأطراف المعنية إلى التوصل لحل سياسي عادل. أعرب مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا جير بيدرسون، عن أهمية ترتيب مرحلة انتقالية شاملة ومستقرة، قائلًا: "أحثُّ جميع السوريين على إعطاء الأولوية للحوار والوحدة واحترام القانون الإنساني". كذلك وذكر وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية توم فليتشر: "النزاع الذي استمر لعقد أدى إلى نزوح الملايين، والآن أصبحت الأوضاع أكثر تعقيدًا.. سنواصل تقديم الدعم الإنساني حيثما استطعنا".

(*) التحركات المحتملة من جانب الدور الأوروبي: قد تستمر الدول الأوروبية في دعم جهود الأمم المتحدة الإنسانية والضغط من أجل حل سياسي شامل. ومن المحتمل أن تواصل هذه الدول الضغط على نظام الأسد عبر العقوبات الاقتصادية، وتحفيز عملية إعادة إعمار في سوريا بعد التوصل إلى تسوية سياسية. وقد تلعب أوروبا دورًا في دفع الأطراف المحلية والدولية نحو اتفاقات أكثر استقرارًا في إطار عملية جنيف، بما يتماشى مع المبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان.

وفي النهاية، يمكن القول إنه لكل فاعل دولي في الأزمة السورية أهدافه ومصالحه الخاصة التي يحققها من خلال الدعم العسكري أو السياسي أو الاقتصادي. ومن المتوقع أن تستمر التحركات الدولية من جانب الفاعلين الدوليين المعنيين بالأزمة في سوريا في مرحلة ما بعد نظام بشار الأسد على أساس تعظيم المكاسب (خاصة من جانب الداعمين لفصائل المعارضة؛ الولايات المتحدة الأمريكية، وتركيا) وتفادي الخسائر أو تقليلها (خاصة من جانب الداعمين لنظام بشار الأسد؛ روسيا الاتحادية، والجمهورية الإيرانية الإسلامية) أو تكثيف المساعي الدولية لإيجاد حل سياسي للأزمة الراهنة (الأمم المتحدة، والاتحاد الأوربي). ويتوقف ذلك كله على طبيعة النظام السوري في المرحلة المقبلة.