الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

أبعاد جولة بلينكن الثامنة في الشرق الأوسط

  • مشاركة :
post-title
أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي

القاهرة الإخبارية - د. مبارك أحمد

تأتي جولة أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي، إلى الشرق الأوسط خلال الفترة من 10 - 12 يونيو 2024، التي شملت كلًا من مصر، وإسرائيل، والأردن، وقطر، التي تعد الثامنة له منذ اندلاع عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر 2023، وتصاعد المواجهات بين جيش الاحتلال الإسرائيلي وحركات المقاومة الفلسطينية، بما أدى إلى استشهاد وجرح ما يزيد على 100 ألف فلسطيني، وتدمير البنية الأساسية لقطاع غزة، وتشريد سكان القطاع، لذلك تمحور هدف بلينكن من الجولة حول السعي للدفع قدمًا باقتراح بايدن لوقف إطلاق النار، وإدخال المساعدات الإنسانية، وإعادة إعمار غزة.

ضغوط متعددة

تزامنت الجولة الثامنة لوزير الخارجية الأمريكي إلى المنطقة مع ضغوط متعددة ومكثفة على إسرائيل من الخارج ومن داخلها أيضًا بهدف وقف إطلاق النار في غزة، وهي الضغوط التي يمكن الإشارة إلى أهمها في التالي:

(*) تصاعد الضغوط الأمريكية الداخلية لوقف إطلاق النار في غزة: إذ تشكل تيار داخل الحزب الديمقراطي يطالب بوقف تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، فضلًا عن قيام عدد من الموظفين في وزارة الخارجية الأمريكية والبيت الأبيض بتوجيه رسائل للرئيس الأمريكي، تطالبه بتدخل الولايات المتحدة الأمريكية لوقف إطلاق النار في غزة، كما جسدت حركة الطلاب في الجامعات الأمريكية تيارًا داعمًا للقضية الفلسطينية للمطالبة بوقف إطلاق النار في غزة، وإدخال المساعدات الإنسانية ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بحق الشعب الفلسطيني الأعزل.

(*) تنامي الضغوط الدولية: أقر مجلس الأمن الدولي، 10 يونيو 2023، ولأول مرة منذ اندلاع عملية "طوفان الأقصى" بوقف إطلاق النار في غزة بين إسرائيل وحماس، بموافقة 14 عضوًا من أعضاء المجلس الـ15 وامتناع روسيا عن التصويت على قرار تقدمت به الولايات المتحدة الأمريكية. ويشير محتوى القرار إلى أن هذا الاقتراح الذي قدمه رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، 31 مايو 2024، سيتمكن من تحقيق النتائج التالية موزعة على ثلاثة مراحل، الأولى: وقف تام وفوري لإطلاق النار مع إطلاق سراح المحتجزين بمن فيهم النساء والمسنون والجرحى وإعادة رفات بعض المحتجزين الذين قتلوا، وتبادل الأسرى الفلسطينيين، وانسحاب القوات الإسرائيلية من المناطق المأهولة بالسكان في غزة، وعودة المدنيين الفلسطينيين إلى ديارهم وأحيائهم في جميع مناطق غزة بما في ذلك الشمال، فضلًا عن التوزيع الآمن والفعال للمساعدات الإنسانية على نطاق واسع بجميع أنحاء القطاع على جميع من يحتاجها من المدنيين الفلسطينيين، بما في ذلك وحدات الإسكان المقدمة من المجتمع الدولي. والمرحلة الثانية: اتفاق من الطرفين، تشمل وقف دائم للأعمال العدائية مقابل إطلاق سراح باقي المحتجزين في غزة، وانسحاب كامل للقوات الإسرائيلية من القطاع. أما المرحلة الثالثة والأخيرة فتقوم على الشروع في خطة كبرى متعددة السنوات لإعادة إعمار غزة وإعادة ما تبقى في القطاع من رفات المتوفين من المحتجزين.

(*) تزايد الضغوط الداخلية الإسرائيلية للقبول بوقف إطلاق النار: تجسدها المظاهرات التي تطالب بإسقاط حكومة نتنياهو، فضلًا عن المظاهرات الممتدة لأهالي المحتجزين، واتسع ذلك الانقسام ليصل النخبة الإسرائيلية الحاكمة ذاتها، إذ أعلن بيني جانتس، زعيم حزب معسكر الدولة، 9 يونيو 2024، استقالته من حكومة الطوارئ، كما استقال زميله في الحزب جادي آيزنكوت، وقالا "إن الاعتبارات السياسية الخاصة لنتنياهو تحول دون تحقيق الأهداف الاستراتيجية للحرب في غزة".

دلالات الجولة

عكست جولة أنتوني بلينكن، الثامنة إلى الشرق الأوسط العديد من الدلالات التي يمكن الإشارة إلى أهمها في التالي:

(&) محورية الدور الأمريكي: على الرغم من الانحياز الأمريكي لإسرائيل ودعمها عسكريًا واقتصاديًا، وبرغم إخفاق بلينكن في جولاته السبع السابقة في إقناع إسرائيل بوقف إطلاق النار، إلا أن الدور الأمريكي يظل له تأثيره المباشر على مستقبل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بشكل عام، وربما حمل القرار الذي تقدمت به الولايات المتحدة الأمريكية لمجلس الأمن، الذي تبنى لأول مرة وقف إطلاق النار وتمت الموافقة عليه دون استخدام أي من الدول الخمس دائمة العضوية حق النقض "الفيتو" أرضية داعمة لإنجاح جولة بلينكن الثامنة في الشرق الأوسط، لا سيما وأن القرار اشتمل على رفض أي محاولة لإحداث تغيير ديموغرافي أو إقليمي في قطاع غزة بما في ذلك أي إجراءات تقلص مساحة أراضي القطاع، وكذلك تكرار المجلس في قراره تأكيد التزامه الثابت برؤية حل الدولتين الذي تعيش بموجبه دولتان ديمقراطيتان إسرائيل وفلسطين جنبًا إلى جنب في سلام وضمن حدود آمنة ومعترف بها بما يتفق مع القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، كما شدد على أهمية توحيد قطاع غزة مع الضفة الغربية تحت قيادة السلطة الفلسطينية.

(&) تسويق الدعم الأمريكي الإنساني: جاءت مشاركة أنتوني بلينكن، خلال جولته في فعاليات المؤتمر الذي نظمه الأردن ومصر والأمم المتحدة بالبحر الميت، 11 يونيو 2024، في الأردن تحت عنوان "دعوة إلى العمل.. الاستجابة الإنسانية العاجلة لغزة"، إذ أعلن بلينكن خلال المؤتمر، مساعدات أمريكية جديدة بقيمة 404 ملايين دولار للفلسطينيين، وحث الدول الأخرى على تقديم الأموال لمعالجة الأزمة الإنسانية في غزة.

(&) المساندة الأمريكية لإسرائيل: تعكس جولات بلينكن المتكررة إلى منطقة الشرق الأوسط، التي وصلت إلى ثماني جولات منذ عملية "طوفان الأقصى" إصرارًا أمريكيًا من الإدارة الحالية بأركانها المختلفة على مساندة إسرائيل وحمايتها من الأزمة العميقة التي تمر بها، بما جعل البعض يصفونها بأنها أزمة وجودية ترتبط بمصير إسرائيل الذي أضحى على المحك، وكشفت عملية "طوفان الأقصى" عن هشاشة الدولة والمجتمع معًا، ولذلك هدف بلينكن خلال الجولة إلى تسويق المقترح الأمريكي الذي وافق عليه مجلس الأمن، واعتبره بمثابة السبيل الأمثل لوقف دائم لإطلاق النار في غزة، إلا أن حركة حماس تتبنى في ردها على المقترح الالتزام بوقف الحرب نهائيًا قبل نهاية المرحلة الأولى من مقترح الهدنة وانسحاب إسرائيل من كل قطاع غزة، بما في ذلك معبر رفح وممر فيلادلفيا، كما ترى الحركة في بيان لها في 12 يونيو 2024 أن مواقف بلينكن التي تحاول تبرئة الاحتلال هي استمرار للسياسة الأمريكية المتواطئة مع حرب الإبادة الوحشية، ودعت الوزير الأمريكي وإدارة بايدن إلى الضغط على حكومة الاحتلال المصرة على استكمال مهمة القتل والإبادة، ولفتت الحركة إلى أنها وافقت 6 مايو 2024 على المقترح الذي تسلمته من الوسطاء، بينما رد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالهجوم على رفح.

(&) التوظيف الانتخابي للجولة: ترتبط الجولة في أحد أبعادها بسعي إدارة بايدن للتوظيف الانتخابي للموقف الأمريكي من الحرب على غزة، لا سيما بعد أن وافق مجلس الأمن على مقترح بايدن لوقف الحرب، وهو الموقف الذي سيسعى بايدن - حال نجاحه - لتعبئة وحشد قطاع معتبر من الشباب الأمريكي المنتمين للحزب الديمقراطي ويرفض استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة، ويطالب الإدارة الأمريكية بالتدخل لوقف الحرب سواء خلال المظاهرات في المدن الأمريكية أو مظاهرات الجامعات الأمريكية، كما يسعى بايدن للحصول على أصوات الجاليات العربية والإسلامية، وكذلك أصوات المترددين، لدعم ترامب بعد توجيه تهم جنائية إليه من هيئة المحلفين.

مجمل القول، تعكس جولة بلينكن الثامنة في الشرق الأوسط الإخفاق الأمريكي في وقف الحرب الإسرائيلية على غزة برغم التسويق للمقترح الأمريكي، الذي وافق عليه مجلس الأمن لأول مرة لوقف الحرب، وهي الحرب التي عكست أيضًا السقوط الأخلاقي للمنظومة الغربية الداعمة للعدوان الإسرائيلي، ولحرب الإبادة الجماعية، وللجرائم ضد الإنسانية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني الأعزل. وبرغم ذلك نجحت غزة في تدشين تيار عالمي رافض للسلوك الإسرائيلي الغاشم تجلى في محاكمة إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة الجماعية، ومطالبة المحكمة الجنائية الدولية باستصدار أوامر باعتقال نتنياهو وجالانت، فضلًا عن تنامي الاعتراف بالدولة الفلسطينية التي ستصبح حقيقة يومًا ما.