الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

دلالات جولة بلينكن السابعة في الشرق الأوسط

  • مشاركة :
post-title
أنتوني بلينكن

القاهرة الإخبارية - د. مبارك أحمد

تعكس جولة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن السابعة في منطقة الشرق الأوسط، والتي زار خلالها كلًا من المملكة العربية السعودية والأردن وإسرائيل، في الفترة من 29 أبريل حتى 1 مايو 2024، تعقُّد المشهد بعد عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها حركات المقاومة الفلسطينية في السابع منذ أكتوبر 2023، وردّت عليها إسرائيل بما وصفته عملية "السيوف الحديدية"، والتي استخدمت فيها آلة الحرب الغاشمة، وما أدت إليه من عمليات قتل وترويع للفلسطينيين في قطاع غزة، واستهداف البنية الأساسية ومنشآت القطاع السكنية والصحية والتعليمية، سقط معها ما يزيد على 100 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح.

محطات الزيارة

بدأ بلينكن جولته الشرق أوسطية بزيارة إلى المملكة العربية السعودية في 29 أبريل 2024، التقى خلالها بولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وذلك على هامش مشاركته في فعاليات المنتدى الاقتصادي العالمي، ووفقًا لوكالة الأنباء السعودية "واس" استعرض الجانبان العلاقات الثنائية ومجالات التعاون المشترك بين واشنطن والرياض، بالإضافة إلى بحث مستجدات الأوضاع الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وفي مقدمتها التطورات في قطاع غزة ومحيطها، والجهود المبذولة لوقف العمليات العسكرية، والتعامل مع تداعياتها الأمنية والإنسانية.

وأشارت وزارة الخارجية السعودية إلى أن "بن سلمان" ووزير الخارجية الأمريكي ناقشا الحاجة الملحة لخفض التوتر في المنطقة، وشدد بلينكن على ضرورة مواصلة زيادة المساعدات الإنسانية لغزة، والتوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار، يضمن إطلاق سراح المحتجزين، ويمنع احتمال اتساع رقعة الصراع.

وكان الأردن المحطة الثانية في جولة بلينكن الشرق أوسطية، في 30 أبريل 2024، حيث التقى العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، والذي جدد التأكيد على ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار في غزة، وطالب بأهمية التحرك الفوري لوقف الكارثة الإنسانية في القطاع، وضرورة استمرار المساعدات الإنسانية والإغاثية والطبية إلى القطاع بشكل مستدام وعبر كل السبل المتاحة، ومحذرًا من خطورة أي عملية عسكرية في رفح الفلسطينية، منبهًا إلى أن الآثار الكارثية للحرب الدائرة في غزة قد تتسع لتشمل مناطق في الضفة الغربية والقدس المحتلة، والمنطقة بأسرها.

أما المحطة الثالثة والأخيرة في جولة أنتوني بلينكن، فقد كانت زيارة إسرائيل في 1 مايو 2024، حيث التقى برئيسها إسحاق هرتزوج، ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وأعضاء مجلس الحرب، ووفقًا لوزارة الخارجية الأمريكية فإن بلينكن ناقش مع نتنياهو الجهود الجارية للتوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة، كجزء من صفقة المحتجزين، وأعلن المتحدث باسم الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر، أن بلينكن أشار خلال لقاءه نتنياهو إلى تحسن في ما يتعلق بوصول المساعدات إلى غزة، وأنه جدد التأكيد على أهمية تسريع وتيرة هذا التحسن والحفاظ عليه.

كما أكد وزير الخارجية الأمريكي، في مؤتمر صحفي بميناء أسدود الذي يستقبل مساعدات قبل شحنها إلى غزة، بأن الموقف الأمريكي لم ولن يتغير، ولن يؤيد هجومًا إسرائيليًا كبيرًا على رفح الفلسطينية، مشيرًا إلى أن هناك طرقًا أفضل للقضاء على "حماس"، دون اللجوء إلى اجتياح كبير لرفح، وفي مقابل الموقف الأمريكي بلور نتنياهو الموقف الإسرائيلي بإبلاغ بلينكن خلال لقائهما بأنه لن يقبل صفقة مع حركة "حماس" تتضمن إنهاء الحرب، مضيفًا أن اجتياح رفح ليس مرهونًا بشيء.

دلالات متعددة

هناك العديد من الدلالات التي تعكسها جولة بلينكن الشرق أوسطية السابعة منذ 7 أكتوبر 2023، والتي يمكن الإشارة إلى أهمها في الآتي:

(*) الإخفاق الأمريكي في وقف الحرب: تعكس جولات وزير الخارجية الأمريكي السبعة إلى منطقة الشرق الأوسط منذ السابع من أكتوبر 2023، إخفاقًا أمريكًيا على المستوى الرسمي في الضغط على إسرائيل لوقف إطلاق النار، في ظل الانحياز الأمريكي المطلق للرؤية الإسرائيلية، الأمر الذي يسهم في إطالة أمد الحرب، لا سيما أن بلينكن زعم خلال تصريحات له على هامش جولته بأن "حماس" تقف عقبة في طريق وقف إطلاق النار، فيما اعتبرت الحركة تلك التصريحات بمثابة محاولة ضغط لتبرئة إسرائيل التي اعتبرها بلينكن قدمت تنازلات مهمة، مشيرًا إلى أنه إذا كانت "حماس" تأبه لحياة الفلسطينيين ولمعاناتهم فعليها قبول الصفقة، فالاتفاق سيحسن من حياة الفلسطينيين، ويؤدي لوقف النار ومن الممكن البناء عليها لكي تدوم لفترة أطول.

(*) تسويق البعد الإنساني للجولة: منذ أن أصدر الرئيس الأمريكي جو بايدن تحذيرًا لنتنياهو قائلًا إن سياسة واشنطن يمكن أن تتغير إذا فشلت إسرائيل في اتخاذ خطوات لمعالجة الأضرار التي لحقت بالمدنيين والمعاناة الإنسانية وسلامة عمال الإغاثة، فإن المسؤولين الأمريكيين خلال زيارتهم المنطقة يحرصون على إظهار البعد الإنساني في جولاتهم، وعكست جولة بلينكن في أحد أبعادها الرغبة الأمريكية في تسويق البعد الإنساني لها، والتي ربما سيتم توظيف مردودها في سباق الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وتحسين موقف الرئيس الحالي جو بايدن أمام منافسه الرئيس السابق دونالد ترامب، لذلك حرص بلينكن خلال الجولة على زيارة نقطة تفتيش للمساعدات الإنسانية في معبر كرم أبو سالم، حيث يتم تفتيش شاحنات المساعدات المتجهة إلى غزة، وهي عملية اشتكت جماعات الإغاثة من أنها تعرقل دخول المساعدات الإنسانية، وخلال زيارته أيضًا ميناء أسدود، اعتبر بلينكن أن هناك تقدمًا في وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة، لكن نظرًا للاحتياجات الهائلة في القطاع الفلسطيني، فإنه يجب تسريع وصولها.

وأشار بلينكن إلى إدخال طحين أمريكي عبر ميناء أسدود، بما يكفي 1.6 مليون شخص لمدة 6 أشهر، ومشددًا أيضًا على ضرورة توفير المياه والعلاج والمستشفيات وغيرها من الأمور المهمة لحياة الفلسطينيين.

(*) مساندة التوصل لاتفاق تهدئة بين إسرائيل و"حماس": تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى مساندة التوصل لاتفاق تهدئة بين إسرائيل و"حماس"، وهو الأمر الذي جسده تصريح أنتوني بلينكن على هامش جولته الحالية بأن مصر قدمت مقترحًا قويًا لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، وعلى "حماس" عدم التـأجيل وحان الوقت للموافقة على المقترح، ومؤكدًا أن تركيز واشنطن خلال الفترة المقبلة سينصب على وقف إطلاق النار لغزة وعودة المحتجزين، غير أن المعضلة التي تواجه مساندة الولايات المتحدة الأمريكية للتوصل لاتفاق تهدئة بين إسرائيل و"حماس" تكمن في أنها تدعم إسرائيل عسكريًا واقتصاديًا، وهو ما تجلى مؤخرًا في موافقة مجلس النواب الأمريكي على حزمة تشريعية بقيمة 95 مليار دولار كمساعدات لكل من أوكرانيا وتايوان وإسرائيل، خُصِصَّ للأخيرة منها 26 مليار دولار، ففي حين أنها تدعم وقف إطلاق النار على مستوى تصريحات المسؤولين فقط، فإن السلوك الأمريكي في مجلس الأمن عكس تلك المفارقة ما بين تأييد المسؤولين في الإدارة الأمريكية لوقف إطلاق النار، في نفس التوقيت استخدم حق النقض "الفيتو"، لمنع تمرير مشروعات القرارات داخل مجلس الأمن الرامية لوقف إطلاق النار، بل إن الولايات المتحدة الأمريكية أيضًا استخدمت الفيتو ضد إرادة المجتمع الدولي لحصول فلسطين على العضوية الكاملة داخل الأمم المتحدة بدلًا من صفة المراقب، وهو التصويت الذي عكس تلك الرغبة الدولية، إذ وافق على القرار 12 عضوًا وامتنع عضوين عن التصويت هما بريطانيا وسويسرا، في حين عبّر الفيتو الأمريكي عن السلوك الفعلي للولايات المتحدة إزاء القضية الفلسطينية برمتها.

(*) الرغبة في منع تمدد الصراع وانتشاره: تستهدف جولات بلينكن السبعة في أحد جوانبها سعيًا أمريكيًا لمنع تمدد الصراع وانتشاره، بما يؤثر على الأمن الإقليمي ويهدد المصالح الأمريكية في المنطقة، فمع تبلور فكرة "وحدة الساحات" التي هدفت إلى فتح العديد من الجبهات لمواجهة تداعيات العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة، أدركت الولايات المتحدة أن دخول أطراف إقليمية ودولية سيسهم في تغذية الصراع وتمدد انتشاره، وهو الأمر الذي تجلى في الهجمات الإيرانية الإسرائيلية المتبادلة، وما أدت إليه من تقويض للردع بين الدولتين بما جعل مستقبل الإقليم رهنًا بتوظيف الحرب على غزة لتحقيق مصالح قوى إقليمية تسعى لترتيب الإقليم وفق منظور مصالحها فقط.

مجمل القول، تأتي جولة بلينكن السابعة في منطقة الشرق الأوسط لتؤكد على الإخفاق الأمريكي في وقف العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة، وتُعمِّقُ من الانحياز الأمريكي المطلق لإسرائيل، سواءً من خلال تبني الرواية الإسرائيلية أو من خلال استخدام حق النقض لمنع صدور قرار من مجلس الأمن يدين إسرائيل التي ترتكب عملية إبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني الأعزل في غزة، وربما تشكل انتفاضة الطلبة في الجامعات الأمريكية وغيرها من الجامعات الأوروبية ردًا على تلك الإبادة، صحوة للضمير العالمي لوقف العدوان ومحاسبة مرتكبيه.