الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

هل تغير الموقف الفرنسي من الحرب الروسية الأوكرانية؟

  • مشاركة :
post-title
الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون"

القاهرة الإخبارية - د. مبارك أحمد

يبدو أن الموقف الفرنسي أضحى بالتزامن مع دخول الحرب الروسية الأوكرانية عامها الثالث أكثر تشددًا، فبعد أن كان الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، يدعو للحل السلمى والتفاوضي ما بين روسيا وأوكرانيا، والذي تجلى في زيارته إلى موسكو، ولقائه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في 7 فبراير 2022 وقبيل اندلاع الحرب، وتكرار الاتصالات الهاتفية بينهما لجعل الخطوط مفتوحة ما بين الجانبين الأوروبي والروسي، فقد جاء حواره للقناتين الرئيسيتين (الأولى والثانية) في فرنسا 14 مارس 2024 ليعكس ملامح ذلك التشدد، بعد أن دافع ماكرون عن تصريحاته التي أثارت العديد من الانتقادات داخل فرنسا وخارجها، ومنها: عدم استبعاده إرسال قوات فرنسية وأوروبية إلى أوكرانيا لمواجهة روسيا، وأن هناك استعدادًا لكافة الاحتمالات في أوكرانيا، وأن حلفاء كييف هدفهم منع بوتين من الانتصار في الحرب التي تعد مصيرية لمستقبل أوروبا وقيمها وهويتها.

دعم متنوع

يتماشى الموقف الفرنسي الذي يتبناه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والتشدد إزاء تداعيات الحرب مع الدعم المتنوع الذي تقدمه باريس إلى كييف في الآونة الأخيرة، وهو ما يمكن الإشارة إليه في العناصر التالية:

(*) منع روسيا من الانتصار في الحرب: يتجسد الدعم الفرنسي لأوكرانيا في توجهات الرئيس الفرنسي وتصريحاته المتتابعة في الآونة الأخيرة التي تدعو تارة لهزيمة روسيا في أوكرانيا، وتارة أخرى إلى منع روسيا من تحقيق أي انتصار، قائلًا خلال لقائه المشار إليه سابقًا "إن انتصار بوتين في أوكرانيا لن يجعله يتوقف عند ذلك، وطالما أن روسيا لا تضع أي قيود على حربها العدوانية ضد أوكرانيا، فإن الغرب ليس مضطرًا إلى فرض قيود على دعمه لأوكرانيا مسبقًا، مضيفًا أن قرار من هذا النوع يفترض التحلي بالعزم والإرادة والشجاعة، والتأكيد أننا مستعدون لاستخدام الوسائل الضرورية لتحقيق الهدف المتمثل في ضمان عدم انتصار روسيا في الحرب".

(*) توقيع اتفاقية أمنية بين باريس وكييف: وقع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والرئيس الأوكراني خلال زيارته لفرنسا 16 فبراير 2024 بقصر الإليزيه على اتفاقية أمنية لدعم أوكرانيا، والتي صادق عليها مجلس الشيوخ الفرنسي 13 مارس 2024 بموافقة 293 عضوًا ومعارضة 22 عضوًا، حيث امتنع حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف عن التصويت على الاتفاقية، فيما صوت حزب فرنسا الأبية أقصى اليسار ضد الاتفاقية. وتتضمن الاتفاقية ومدتها عشر سنوات للشراكة بين فرنسا وأوكرانيا على تقديم فرنسا مساعدات مالية إضافية بقيمة 3 مليارات يورو خلال عام 2024، كانت فرنسا قد قدمت مساعدات لأوكرانيا خلال عام 2022 بلغت 1.7 مليار يورو، وخلال عام 2023 بلغت 2.1 مليار يورو. وتدخل تلك المساعدات المالية ضمن الشراكة العسكرية بين البلدين وتخص العتاد العسكري والتدريبات العسكرية، فضلًا عن دعم الإصلاحات في مجال الدفاع وتأمين الحدود. كما تنص الاتفاقية على إعطاء دفعة جديدة للاقتصاد الأوكراني وتحديثه، فضلًا عن إعادة ما هدمته الحرب، وتقديم الدعم في مجال المواصلات كتحديث مترو الأنفاق في كييف وفى مجالات الطاقة والزراعة والمياه والسكن والصحة وإزالة الألغام بعد مغادرة الجيش الروسي.

(*) استضافة فرنسا لاجتماع غربي استثنائي لدعم أوكرانيا: عقد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اجتماع عمل استثنائيًا في باريس للقادة الأوروبيين والغربيين 26 فبراير 2024، وذلك بالتزامن مع دخول الحرب الروسية الأوكرانية عامها الثالث، وهدف الاجتماع بشكل رئيسي إلى توفير الفرصة المواتية للنظر في الوسائل المتاحة؛ لتعزيز تعاون الأطراف الأوروبية في دعم أوكرانيا، وذلك بمشاركة غربية رفيعة المستوى، إذ ضم الاجتماع 4 رؤساء دول لفنلندا ورومانيا وبولندا وليتونيا، و15 رئيس حكومة أبرزهم المستشار الألماني أولاف شولتس، ورؤساء حكومات إيطاليا وإسبانيا والنرويج والبرتغال والدانمارك.

دلالات متعددة

يعكس تشدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إزاء تطورات الحرب الروسية الأوكرانية العديد من الدلالات التي يمكن الإشارة إلى أهمها في التالي:

(*) تأكيد الدور القيادي لفرنسا أوروبيًا: يسعى ماكرون من خلال تبني موقف أكثر تشددًا من الحرب الروسية الأوكرانية؛ لتأكيد الدور الريادي الفرنسي داخل المنظومة الأوروبية في ظل الانشغال الأمريكي بالانتخابات الرئاسية التي ستجرى في نوفمبر 2024، وتعثر موافقة مجلس النواب الأمريكي على المساعدات التي أقرها الرئيس الأمريكي جو بايدن، والتي تقدر بـ 60 مليار دولار ووافق عليها مجلس الشيوخ في حين رفضها مجلس النواب، حيث يرفض نواب الحزب الجمهوري إعطاء شيك على بياض لأوكرانيا.

(*) ضمان الأمن الأوروبي: يسعي الرئيس الفرنسي ماكرون إلى ضمان الأمن الأوروبي واستقلاليته عن التبعية للولايات المتحدة الأمريكية. هذا الدور الذي تجسد في دعوة ماكرون إلى تشكيل جيش أوروبي مستقل؛ لحماية الأمن الأوروبي ضد مصادر التهديدات المتنافية واصًفا حلف شمال الأطلنطي بأنه يعاني من موت دماغي. لذلك يعتقد ماكرون أن مصير الأمن الأوروبي يرتبط بنتائج الحرب الروسية الأوكرانية التي يعتبرها حربًا وجودية بالنسبة لأوروبا وفرنسا، محذرًا من أن انتصار روسيا في هذه الحرب يعنى أن أوروبا ستفقد أمنها.

(*) حماية الأمن الفرنسي: يحذر الرئيس الفرنسي من أن انتصار روسيا في تلك الحرب لن ينعكس فقط على أوروبا، وإنما حياة الفرنسيين أنفسهم ستتغير، متسائلًا خلال الحوار المشار إليه سابقًا: من يعتقد للحظة واحدة أن الرئيس الروسي الذي لا حدود لما يمكن أن يقوم به، سوف يتوقف عن أوكرانيا؟ ولكي يفهم الفرنسيون خطورة الوضع، ذكرهم بأن المسافة بين مدينة ستراسبورج الفرنسية، ومدينة لفيف الواقعة غرب أوكرانيا لا تزيد عن 1500 كم، وأن الحرب واقعة على التراب الأوروبي وليست في أماكن بعيدة. مضيفًا أنه في الوقت الذي تتمسك فيه فرنسا بكونها قوة من أجل السلام، فإن بوتين يتحمل أية مسؤولية في تصعيد الوضع.

(*) تراجع النفوذ الفرنسي في إفريقيا: شكل تراجع النفوذ الفرنسي في إفريقيا بعد أزمات الحكم المتتالية، وإسقاط عدد من الأنظمة التي كانت تتمتع بعلاقات محورية مع فرنسا، دافعًا للتشدد الفرنسي إزاء الموقف الروسي من الحرب في أوكرانيا. وهو الأمر الذي عبر عنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في مقابلة له مع الصحفي ديمتري كيسيلوف 13 مارس 2024 بالقول بأن روسيا لم تحشر نفسها في إفريقيا، ولم تضغط على فرنسا للخروج من هناك أو تحرض ضدها، فالقادة الأفارقة أنفسهم يفضلون العمل مع روسيا ومؤسساتها، ولم تكن المبادرة من جانب روسيا بل من جانب الزعماء الأفارقة الذين لا يفضلون العمل مع فرنسا بأي شكل من الأشكال.

مجمل القول،إن التحول النوعي في موقف الرئيس ماكرون من الحرب الروسية بالتزامن مع دخول الحرب الروسية الأوكرانية عامها الثالث، يعكس تأرجح وتردد ماكرون ما بين الدعوة للحل السلمي والدعم العسكري لأوكرانيا، والذي يعود لسعي ماكرون إلى تعزيز دور ريادي وقيادي لفرنسا داخل المنظومة الأوروبية، والرغبة في منع امتداد الحرب إلى دول أوروبية أخرى، وتعويض تراجع النفوذ الفرنسي في إفريقيا وإحلاله بالنفوذين الروسي والصيني، فضلًا عن إدراك ماكرون لخطورة التقدم الروسي في ميدان المعركة، وفشل أوكرانيا في مواجهة روسيا وهو ما سيؤثر بشكل عام على مستقبل الأمن الأوروبي.