الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

دوافع جولة بلينكن الشرق أوسطية

  • مشاركة :
post-title
جولة بلينكن في الشرق الأوسط - صورة أرشيفية

القاهرة الإخبارية - د. مبارك أحمد

تأتي جولة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن من 6-11 يناير 2024 إلى منطقة الشرق الأوسط، والتي تعد الجولة الرابعة له منذ اندلاع عملية طوفان الأقصى التي نفذتها حركات المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر 2023، ليزور خلالها كل من تركيا، واليونان، الأردن، وقطر، والإمارات، والسعودية، وإسرائيل، والضفة الغربية، ومصر، وسط حالة من التشبيك والتعقيد لتطورات الأحداث التي أنتجتها الحرب الإسرائيلية الغاشمة على قطاع غزة من استهداف للمنشآت والمدارس والمستشفيات، ومقار المنظمات الدولية العاملة في مجالات الإغاثة الإنسانية، واستهداف المدنيين والأطفال والنساء، وأماكن الإيواء. بما جعلها حرب تفتقد لقواعد القانون الدولي الإنساني، وأن ما تقوم به إسرائيل في غزة يعد بمثابة جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم، وإبادة جماعية ضد شعب أعزل.

وهو ما دفع جنوب إفريقيا لرفع دعوى قضائية أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي ضد إسرائيل بسبب أعمال إبادة ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، والتي قررت عقد جلسات استماع في الفترة من 11 إلى 12 يناير 2024، لا سيما أن المذابح الإسرائيلية ضد المدنيين الأبرياء في قطاع غزة تم تصويرها وتوثيقها من قبل أطراف عديدة، وشاهد العالم جزء كبير منها عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

والثابت أن هذا الواقع المأساوي وتطورات الحرب الإسرائيلية على غزة، ربما عكست بوادر لاتساع رقعة الحرب، كان منها استهداف إسرائيل لعناصر من حركة حماس في لبنان بعد اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحماس صالح العاروري بضربة جوية في الضاحية الجنوبية لبيروت في 2 يناير 2024، والهجوم الإرهابي في إيران، والتطورات في سوريا، والتحركات الحوثية في البحر الأحمر. وهي المخاوف التي كانت تخشاها واشنطن نظرًا لما لها من انعكاسات ممتدة على المصالح الأمريكية في المنطقة. وعبر عنها بلينكن قبيل مغادرته مطار خانيا بجزيرة كريت اليونانية قائلاً" أنه يجب علينا ضمان عدم اتساع النزاع في غزة".

محطات الجولة

تتمثل أبرز محطات جولة أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي في التالي:

(*) تركيا: جاءت تركيا كمحطة أولى في جولة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في 6 يناير 2024 إلى منطقة الشرق الأوسط، وتعد الزيارة الثانية له إلى تركيا منذ تنفيذ حركات المقاومة الفلسطينية لعملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023. حيث التقى مع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان وتناولا الحرب والأزمة الإنسانية في غزة، إضافة إلى عملية انضمام السويد لحلف شمال الأطلنطي، وأشار بلينكن إلى أن تركيا تبدو مستعدة للتصديق على عضوية السويد في حلف شمال الأطلنطي خلال الأسابيع المقبلة.

(*) اليونان: كانت اليونان هي المحطة الثانية في جولة أنتوني بلينكن في 6 يناير 2024، حيث التقى خلالها برئيس وزراء اليونان كيرياكوس ميتسوتاكيس، وأشار بلينكن عقب الاجتماع إلى أنه يريد ضمان عدم اتساع النزاع في المنطقة، مبررًا ذلك بأن أحد أوجه الخوف الحقيقية هي الحدود بين إسرائيل ولبنان، ونريد أن نفعل كل ما هو ممكن للتأكد من عدم تصعيد الوضع.

(*) الأردن: جاءت الأردن المحطة الثالثة في جولة بلينكن والتي زارها في 7 يناير 2024، حيث عقد محادثات مع نظيره الأردني أيمن الصفدي، وحسب بيان صادر عن وزارة الخارجية الأردنية، فإن الصفدي أكد لبلينكن ضرورة الوقف الفوري للعدوان وحماية المدنيين، وضمان وصول المساعدات الإنسانية والطبية بشكل كاف ومستدام إلى جميع مناطق غزة، وشدد على ضرورة وقف الإجراءات الإسرائيلية اللاشرعية في الضفة الغربية والقدس. كما ذكر بيان صادر عن الديوان الملكي الأردني أن الملك عبد الله الثاني أثار خلال اجتماعه مع بلينكن مخاوف الأردن المتعلقة بالتهجير مع استمرار إسرائيل في حملتها العسكرية التي حولت جزءًا كبيرًا من قطاع غزة الصغير إلى ركام، وأكد أهمية دور أمريكا بالضغط لوقف فوري لإطلاق النار في القطاع. من جانبه أكد بلينكن أن واشنطن تعارض التشريد القسري للفلسطينيين من قطاع غزة أو الضفة الغربية المحتلة، معربًا عن أمله في إطلاق محادثات بشأن مستقبل غزة.

(*) قطر: كانت قطر هي المحطة الرابعة في جولة وزير الخارجية الأمريكية، التي زارها في 7 يناير 2024 وبحسب بيان صادر عن الديوان الأميري القطري استقبله أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، حيث تم استعراض العلاقات الاستراتيجية بين البلدين وسبل تنميتها، كما ناقشا عدد من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، لا سيما آخر مستجدات الأوضاع في قطاع غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة. وأكد أمير قطر ضرورة العمل على الوقف الفوري لإطلاق النار وحماية المدنيين، وإدخال المساعدات الإنسانية بشكل كاف ومستدام إلى مناطق القطاع كافةً، وشدد على أهمية العمل على خفض التصعيد من أجل ضمان الاستقرار والأمن في المنطقة. وخلال المؤتمر الصحفي الذي عقده بلينكن بالدوحة إلى جانب رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، قال "يجب أن يتمكن المدنيون الفلسطينيون من العودة إلى ديارهم ما أن تسمح الظروف بذلك". كما حذر بلينكن من أن الحرب بين حماس وإسرائيل قد تنتشر وتهدد الأمن في كل أرجاء الشرق الأوسط.

(*) الإمارات: جاءت الإمارات المحطة الخامسة في الجولة الإقليمية لبلينكن في 8 يناير 2024، حيث التقى الشيخ محمد بن زايد رئيس الإمارات، ووفقًا للمتحدث الرسمي للخارجية الأمريكية ماثيو ميلر، أكد بلينكن أهمية الاستجابة العاجلة للاحتياجات الإنسانية في غزة، ومنع المزيد من انتشار الصراع، والتزام الولايات المتحدة الأمريكية المستمر بتأمين السلام الإقليمي الدائم الذي يضمن أمن إسرائيل ويعزز إنشاء دولة فلسطينية مستقلة، كما ناقش الجانبان أهمية إنهاء الصراع في السودان ومنع المزيد من الضرر على نطاق واسع بين المدنيين، وأكدا رؤيتهم المشتركة لمنطقة أكثر أمنًا وازدهارًا .

(*) السعودية: جاءت السعودية المحطة السادسة في جولة بلينكن الإقليمية في 8 يناير 2024 فوفقًا لوكالة الأنباء السعودية فقد جرى تبادل الآراء حول تطورات الأوضاع الإقليمية والدولية والجهود المبذولة تجاهها بما يحقق الأمن والاستقرار، خاصةً مستجدات الأحداث في غزة ومحيطها والمساعي بشأنها. وشدد الأمير محمد بن سلمان ولى العهد السعودي على أهمية وقف العمليات العسكرية في قطاع غزة، وتكثيف المزيد من الجهود على الصعيد الإنساني، ودعا أيضًا إلى ضرورة العمل على تهيئة الظروف لعودة الاستقرار، واستعادة مسار السلام، بما يكفل حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة وتحقيق السلام العادل والدائم.

(*) إسرائيل: جاءت إسرائيل المحطة السابعة في جولة بلينكن الشرق أوسطية، وتعد تلك الزيارة السابعة له منذ عملية طوفان الأقصى، والتقى بلينكن خلال الزيارة بكل من الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوج، ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس ووزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت والمجلس الوزاري الحربي. ووفقًا للمتحدث باسم الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر فإن بلينكن شدد خلال لقائه بالرئيس الإسرائيلي على ضرورة تسهيل تقديم المساعدات الإنسانية المتزايدة والمستدامة للمدنيين في غزة، وناقش الجهود المبذولة لتحقيق تكامل إقليمي أوسع يضمن أمن إسرائيل، ويعزز إنشاء دولة فلسطينية مستقلة. كما أكد بلينكن خلال لقائه بنتنياهو دعم الولايات المتحدة لحق إسرائيل في منع تكرار الهجمات التي وقعت في 7 أكتوبر، مشددًا على أهمية تجنب المزيد من الأذى للمدنيين وحماية البنية التحتية المدنية في غزة، وأكد ضرورة ضمان سلام دائم ومستدام لإسرائيل والمنطقة، بما في ذلك إقامة دولة فلسطينية.

(*) مصر: جاءت مصر لتكون المحطة التاسعة في ختام جولة بلينكن الشرق أوسطية، حيث التقى الرئيس عبد الفتاح السيسي في 11 يناير 2024، ووفقًا للمتحدث باسم الرئاسة المصرية، فقد شهد اللقاء التباحث بشأن الأوضاع الإقليمية في قطاع غزة والأراضي الفلسطينية، إذ حرص وزير الخارجية الأمريكي على إطلاع الرئيس المصري على مجريات جولته الموسعة، والاستماع لرؤية مصر بشأن آفاق الحل. وشدد الرئيس السيسي على ضرورة اضطلاع المجتمع الدولي بمسؤولياته لتنفيذ القرارات الأممية ذات الصلة، بحيث يتم إدخال المساعدات الإنسانية بالكميات الكافية لإنهاء الكارثة الإنسانية بالقطاع، وإنقاذ أهالي غزة من المعاناة الهائلة التي يتعرضون لها، مع ضرورة أن تسفر جهود التهدئة عن تسوية عادلة وشاملة للقضية الفلسطينية بما يُعالج جذور الوضع الراهن، ويُمكن الشعب الفلسطيني من الحصول على حقوقه المشروعة، ويحقق الأمن والتنمية والازدهار لجميع شعوب المنطقة.

دوافع متعددة

تنوعت دوافع الجولة الرابعة التي يقوم بها أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط منذ عملية طوفان الأقصى، ويمكن إبراز أهم تلك الدوافع في التالي:

(*) الحد من مخاطر الفوضى: أدت الحرب الإسرائيلية على غزة إلى ارتفاع مستوى القلق الأمريكي من حالة الفوضى التي من الممكن أن تؤثر على المصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، وانعكاس ذلك على السلام العالمي، إذا ما أدى مسار التطورات إلى مزيد من الاستقطاعات العسكرية الدولية، فقد أضحت بوادر تلك الفوضى تهدد حركة الملاحة وإمدادات الطاقة بعد قرار عدد من شركات الشحن الدولية وقف أنشطتها بسبب الهجمات التي يشنها الحوثيون في البحر الأحمر. لذلك أعلن وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن في 18 ديسمبر 2023 عن تشكيل تحالف دولي يحمل مسمى "حامي الازدهار"، ويستهدف التحالف التصدي المشترك لتهديدات الحوثي التي تؤثر على سلاسل التوريد الدولية، وضمان حرية الملاحة في جنوب البحر الأحمر وتعزيز الأمن الإقليمي. وشمل التحالف مشاركة العديد من الدول هي: الولايات المتحدة الأمريكية، المملكة المتحدة، البحرين، وكندا، وفرنسا، وإيطاليا، وهولندا، والنرويج، وسيشيل، وإسبانيا.

(*) احتواء توسيع الحرب: تهدف زيارة بلينكن الإقليمية إلى احتواء توسيع الحرب الإسرائيلية على غزة واتساع نطاقها، ووفقًا لتصريحاته، فإن زيارته تتركز بشكل مكثف على منع اتساع نطاق هذا الصراع قائلًا "إننا إزاء توتر عميق في المنطقة، هذا نزاع قد ينتشر بسهولة، ما يزيد من انعدام الأمن والمعاناة". وللمفارقة فإن الولايات المتحدة التي تعلن أنها تسعى لمنع امتداد الصراع اقليميًا تستمر في إمداد إسرائيل عسكريًا ودعمها برًا وجوًا وبحرًا.

(*) بحث مسألة حل الدولتين: على الرغم من أن مسألة حل الدولتين تحظى بتأييد المجتمع الدولي وترى الولايات المتحدة أن ثمة صعوبات تواجه هذا الطرح، إلا أن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أشار في 8 يناير 2023، إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية لديها نهج يوفر الأمن لإسرائيل، ويتيح إقامة دولة للشعب الفلسطيني، مضيفًا عقب وصوله إسرائيل "حتى في الوقت الذي نركز فيه على الأهداف الفورية، يجب علينا أيضًا أن نعمل على تحقيق السلام والأمن الدائمين".

(*) الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024: يمثل سعي الحزب الديمقراطي للفوز بولاية رئاسية ثانية بقيادة الرئيس جو بايدن أحد المحددات الرئيسية الدافعة للتفاعل الأمريكي مع تداعيات الحرب الإسرائيلية على غزة، فبرغم الدعم المطلق الذي تقدمة الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل برًا وبحرًا وجوًا، إلا أن هناك أصوات معارضة داخل الولايات المتحدة لذلك الدعم ومن بين الأصوات الرافضة قيادات من الحزب الديمقراطي، والتي ترى في هذا الدعم تناقضًا مع قيم الحزب الديمقراطي الداعمة لحقوق الإنسان. لذلك يحاول بلينكن من خلال تلك الجولة تجميل وجه الحزب الديمقراطي أمام ناخبيه باعتبار الإدارة الأمريكية تسعى لإيجاد تسوية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، كما تسعى لوقف الحرب حتى وأن كان بلينكن لم يعرض أي تصور فعلى أو يصدر منه تصريح بشأن وقف إطلاق النار، وما يعمق من ذلك التناقض أن السلوك الأمريكي داخل مجلس الأمن اتجه نحو استخدام حق النقض (الفيتو) لمشروعات القرارات التي تبنت وقف إطلاق النار وإدانة إسرائيل.

مجمل القول: تأتى جولة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى منطقة الشرق الأوسط، والتي تعد الرابعة له منذ تنفيذ حركات المقاومة الفلسطينية لعملية طوفان الأقصى لتعكس المخاوف الأمريكية من انتشار الصراع، وتمدده في مناطق أخرى بما سيؤثر على المصالح الأمريكية، كما أنها تعكس محاولة للخروج من المأزق الإسرائيلي في غزة بعد صمود المقاومة الفلسطينية وتكبيدها جيش الاحتلال خسائر فادحة، بما أدى إلى فشل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في تحقيق أي من الأهداف التي وضعها منذ بدء عملية السيوف الحديدية. فهل سينجح بلينكن في إحياء المسار التفاوضي بين الفلسطينيين والإسرائيليين أم أن السيناريو الأسوأ هو المحتمل؟.