هزّت أصوات الانفجارات العنيفة سكون الضاحية الجنوبية لبيروت، اليوم الجمعة، معلنة عن غارة إسرائيلية استهدفت أحد أهم قادة حزب الله، إبراهيم عقيل، المعروف أيضًا باسم "تحسين"، أحد أبرز القادة العسكريين في الحزب وعضو المجلس الجهادي، أعلى هيئة عسكرية في التنظيم.
نفذت الغارة طائرة حربية إسرائيلية متطورة من طراز F-35، مستخدمة أربعة صواريخ عالية الدقة لاستهداف شقة في منطقة الجاموس المكتظة بالسكان، كما أن هذا الهجوم المباغت لم يكن مجرد ضربة عشوائية، إذ تزامن مع اجتماع سري لقيادات حزب الله.
صعود نجم إبراهيم عقيل
إبراهيم عقيل ليس مجرد اسم عابر في صفوف حزب الله، فعبر عقود من العمل السري والعلني، شقّ طريقه بثبات عبر المراتب التنظيمية المعقدة للحزب، إذ بدأ مسيرته كعنصر شاب متحمس في صفوف المقاومة، ليرتقي تدريجيًا حتى أصبح الرجل الثالث في التسلسل القيادي للحزب.
وفي تطور لافت، وبعد تعيينه مؤخرًا خلفًا للقيادي البارز فؤاد شكر، الذي اغتالته إسرائيل نهاية يوليو الماضي، يُعتقد أنه أصبح الرجل الثاني في الهرم القيادي لحزب الله، ما يضعه في موقع حساس للغاية.
دوره كقائد لمنظومة العمليات الخاصة في حزب الله، وهي وحدة النخبة المسؤولة عن أدق وأخطر العمليات، جعله هدفًا ثمينًا للقوى المعادية، وعلى رأسها إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية.
الثمانينيات الدامية
بدأت قصة عقيل مع العمل السري في خضم الحرب الأهلية اللبنانية خلال ثمانينيات القرن الماضي، وهي الفترة التي شهدت اضطرابات عنيفة وتدخلات خارجية معقدة.
برز عقيل كعضو بارز في تنظيم "الجهاد الإسلامي"، الذراع العسكرية السرية التي سبقت تأسيس حزب الله رسميًا، وخلال تلك الفترة المضطربة، ارتبط اسم عقيل بعدد من العمليات الكبرى التي هزّت المنطقة وغيرت مسار الصراع.
من بين هذه العمليات، التفجير الانتحاري للسفارة الأمريكية في بيروت في 18 أبريل 1983، والذي أسفر عن مقتل 63 شخصًا، بينهم دبلوماسيون أمريكيون وموظفون محليون.
هذا الهجوم، كان بمثابة إعلان حرب على الوجود الأمريكي في لبنان.
لم تتوقف الأحداث عند هذا الحد، فبعد أشهر قليلة، في 23 أكتوبر من نفس العام، وقع هجوم أكثر دموية استهدف ثكنات مشاة البحرية الأمريكية في بيروت، أسفر عن مقتل 241 جنديًا أمريكيًا، في واحدة من أكبر الخسائر التي تكبدتها القوات الأمريكية في عملية واحدة منذ الحرب العالمية الثانية.
استراتيجية الرهائن
لم تقتصر أنشطة عقيل على العمليات العسكرية المباشرة فحسب، بل امتدت لتشمل استراتيجية أكثر تعقيدًا وهي عمليات أخذ الرهائن، فخلال الثمانينيات، تشير المعلومات الاستخباراتية إلى أنه لعب دورًا محوريًا في التخطيط لعمليات اختطاف رهائن أمريكيين وألمان في لبنان واحتجازهم لفترات طويلة.
كانت هذه الاستراتيجية جزءًا من محاولة أوسع للضغط على الحكومات الغربية وتحقيق مكاسب سياسية وعسكرية للمقاومة اللبنانية وحلفائها الإقليميين.
في مرمى العدالة الأمريكية
نتيجة لهذه الأنشطة الممتدة عبر عقود، وضعت الولايات المتحدة عقيل على رأس قائمة أهدافها الأمنية والقانونية، ففي 21 يوليو 2015، اتخذت وزارة الخزانة الأمريكية خطوة غير مسبوقة بتصنيف عقيل كإرهابي بموجب الأمر التنفيذي 13582.
هذا التصنيف لم يكن مجرد إجراء إداري، بل كان بمثابة إعلان حرب قانونية وأمنية على عقيل وكل من يتعامل معه.
وفي خطوة تصعيدية لاحقة، أدرجته وزارة الخارجية الأمريكية على قائمة الإرهابيين العالميين في 10 سبتمبر 2019، مما وسع نطاق الملاحقة القانونية له ليشمل الساحة الدولية.
لم يتوقف الأمر عند التصنيفات القانونية، بل ذهبت الحكومة الأمريكية إلى أبعد من ذلك، إذ خصص برنامج "مكافآت من أجل العدالة" التابع لوزارة الخارجية الأمريكية مكافأة ضخمة تصل إلى 7 ملايين دولار لمن يقدم معلومات تؤدي إلى اعتقال عقيل أو إدانته، ما يعكس مدى أهمية عقيل في نظر الاستخبارات الأمريكية، وحجم المعلومات التي يُعتقد أنه يمتلكها عن العمليات السرية لحزب الله وشبكة علاقاته الإقليمية والدولية.