يجد الأب نفسه محاصرًا تحت الركام بعد أن قصف الاحتلال منزله دون سابق إنذار، لتبدأ رحلة معاناته، بحثًا عن صغيرته العالقة تحت الأنقاض، من هذا المنطلق تدور أحداث الفيلم القصير "فيه حدا عايش"، والمستوحى من أحداث حقيقية شهد عليها العالم كله عبر الفضائيات المختلفة، ليصيغها فنيًا المخرج الفلسطيني عمر العماوي الذي عبر في هذه الدقائق عن معاناة وألم بلده بصورة سينمائية تحمل دلالات عميقة.
يؤكد الفلسطيني عمر العماوي خلال حواره لموقع "القاهرة الإخبارية"، أن فكرة فيلم "فيه حدا عايش؟" جاءت من السؤال ذاته، إذ يقول:" كان هذا السؤال "فيه حدا عايش؟" يتردد كثيرًا في الفيديوهات التي شاهدتها عن غزة، سواء من فرق الإنقاذ أو من الأشخاص الذين يحاولون إنقاذ من هم تحت الأنقاض، مما أثار في نفسي رهبة، وكأن الإجابة عن هذا السؤال ليست مجرد نعم أو لا، بل هي بين الحياة والموت".
وتابع: "تأثرت بشدة بهذا السؤال لدرجة أنه أصبح دائمًا يتردد في عقلي أسئلة أخرى، كيف حال من هم تحت الركام؟ كيف يمرون بالوقت بعد تعرض منازلهم للقصف؟ وماذا لو لم يكن هناك فرق إنقاذ؟ من هنا تبلورت الفكرة، وبدأت بتخيل وضع هؤلاء الأشخاص، ثم جمعت القصص المختلفة للخروج بالشكل النهائي للفيلم".
ويضيف: "تحمست لهذه التجربة بسبب رغبتي العميقة في إيصال معاناة الشعب الفلسطيني إلى العالم، خاصة في ظل الحروب المتكررة على غزة، حيث شعرت بمسؤولية كبيرة لتوثيق هذه اللحظات القاسية وتقديمها بطريقة سينمائية تجعل الجمهور الدولي يتفاعل معها، بالإضافة إلى ذلك هو أنني بعيد عن غزة، وأشعر أن دوري كصانع أفلام يحتم علي تقديم شيء لها، وبالتالي كان ذلك أشبه بواجب ومسؤولية يجب أن أؤديها تجاهها، لأفعل شيئًا من أجلها".
التصوير يوم واحد
وحول كواليس الفيلم وخروجه إلى النور، يقول لموقع "القاهرة الإخبارية": "كانت الفكرة بعدما أصبح السؤال المتكرر "فيه حدا عايش؟" هاجسًا دائمًا في ذهني، وبدأت أبحث عن الإجابة، حيث جمعت قصصًا مختلفة لأشخاص كانوا عالقين تحت الأنقاض، وفي كل يوم كنت أضيف المزيد من التفاصيل حتى تكونت القصة النهائية للفيلم، وبعد الانتهاء من كتابة السيناريو، بدأت بتشكيل فريق العمل، الذي كان أغلبيته من أصدقائي المقربين".
ويضيف: "بدأت في البحث على الشخص المناسب لتقديم الدور الرئيسي وكان الأمر صعبًا، خاصة وأن الفيلم يتمحور حول شخصية واحدة فقط، فخلال مرحلة الكتابة، كنت أتخيل أحد أصدقائي المصورين وهو يؤدي الدور، ودام هذا التخيل لمدة شهر ونصف، وبعد الانتهاء من السيناريو، تواصلت معه وطلبت منه تجسيد الشخصية، فتفاجأ لأنه لم يسبق له التمثيل أو الوقوف أمام الكاميرا، لكنه وافق بعد أن دعمته".
وتابع: "على مدار شهر قمنا بتدريبات مكثفة وبروفات على المشاهد الدرامية حتى أصبح جاهزًا للدور، ثم جمعنا الفريق وبدأنا البحث عن الموقع المناسب للتصوير وتحضير المعدات، إذ استغرق التصوير يومًا واحدًا، حيث بدأنا من الصباح الباكر حتى نهاية اليوم، وكان يومًا مليئًا بالتحديات، لكنه انتهى بنجاح".
الصعوبات الإنتاجية
عن الصعوبات والتحديات التي واجهته في التجربة، يقول: "بالنسبة للصعوبات التي واجهتني كان أكبرها التحديات الإنتاجية والظروف المادية، فلم يكن من السهل توفير كل ما يلزم، لكنني قررت ألا أجعل هذا الأمر عائقًا أمام تنفيذ العمل، لذلك قررت التكفل بكافة تكاليف الإنتاج، بالإضافة إلى الدعم الكبير من أصدقائي الذين تنازلوا عن أجورهم، لإيمانهم بضرورة تقديم شيء يليق بغزة، فكنا جميعًا نعمل بروح الفريق وبإيمان مشترك بأهمية هذا العمل".
ويضيف: "تحدٍ آخر كان يتعلق بأماكن التصوير، فنحن نقيم في إسطنبول، وكان من الضروري العثور على مكان يشبه منطقة غزة، هنا بدأنا ببناء موقع صغير في مخزن كبير، يحاكي الأنقاض، وهو ما تطلب منا الكثير من الجهد، وأكبر تحدٍ في ذلك العثور على الحجارة التي تشبه الموجودة في غزة، حيث تختلف أحيانًا الحجارة في تركيا، ولكننا بذلنا جهدًا كبيرًا في بناء الموقع بأفضل شكل ممكن ليكون أقرب لواقع غزة، وخصوصًا مشاهد الأنقاض".
وتابع: "بجانب التحديات الإنتاجية وأماكن التصوير، كان هناك تحدٍ آخر يتمثل في تصوير العديد من المشاهد باستخدام تقنية "زاوية رؤية الشخص الأول" (Point of View)، فكان علينا تثبيت الكاميرا على رأس الممثل لتبدو وكأنها تمثل عينيه، وهو ما تطلب منا الكثير من البحث للوصول إلى الطريقة المناسبة لتثبيت الكاميرا بشكل صحيح، فلم يكن الأمر سهلاً، خاصة أثناء التصوير، حيث تسببت المعدات في بعض الأحيان بإزعاج وألم للممثل أثناء أدائه تلك المشاهد، وبالتالي تطلبت اللقطات الكثير من التحضير والدقة لتحقيق النتيجة المطلوبة، حيث استمرينا في المحاولة حتى تمكنا من تجاوز هذه العقبة".
لحظة أمل
يشير المخرج الفلسطيني إلى أن الهدف الذي سعى لتحقيقه هو تسليط الضوء على حالة العجز والفقد التي يعيشها الناس في غزة، إذ يقول: "أردت التركيز على اللحظات التي يفقد فيها الشخص كل شيء في لحظة، مثل منزله وعائلته، ويشعر بالعجز التام، فهذا الشعور يتفاقم بسبب صعوبة وصول فرق الإنقاذ، نتيجة نقص المعدات وتأخرهم بسبب ضراوة الحرب، حيث يكون من الصعب الوصول إلى بعض المناطق المتضررة، فالأشخاص العالقون تحت الأنقاض يعيشون لحظات مريرة، ينتظرون بصعوبة أي صوت من الخارج، أملًا في أن يجدهم أحد، ومن خلال هذا الفيلم، أردت نقل قصة من بين آلاف القصص التي عاشها الكثير من الناس في غزة تحت الأنقاض، وتوصيل هذا الألم والعجز إلى العالم كله من خلال السينما".
ويضيف: "أرى أن الفن يلعب دورًا مهمًا جدًا في كشف الحقيقة وإيصال الرسائل التي قد لا تصل عبر الوسائل الإعلامية التقليدية، فالسينما بشكل خاص، لديها القدرة على لمس قلوب وعقول الناس بطريقة تجعلهم يفهمون المعاناة التي يعيشها الفلسطينيون، كما أن الفن قادر على تجاوز الحدود السياسية والإعلامية، ويمكنه أن يُظهر للعالم الوجه الحقيقي للاحتلال والظلم الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني بطريقة إنسانية تُحدث تأثيرًا عميقًا في الجمهور".
المهرجانات
يؤكد الفلسطيني عمر العماوي أن الفيلم سيشهد عرضه العالمي الأول في مهرجان "أنطاليا السينمائي الدولي البرتقالة الذهبية"، والذي سيُقام في تركيا، من 5 إلى 12 أكتوبر المقبل، إذ يقول: "بعد هذا العرض، سيبدأ الفيلم رحلته في المهرجانات الأخرى، حيث تم اختياره رسميًا للمشاركة في اثنين من أبرز المهرجانات للأفلام القصيرة في المملكة المتحدة، كما أرسلت الفيلم للعديد من المهرجانات الدولية والعربية وأنتظر الردود منها، وأتطلع إلى أن يجذب اهتمام المهرجانات والمشاهدين حول العالم، وأن يشارك في أكبر عدد ممكن منها لتوصيل رسالته".