الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

الفلسطيني مصطفى النبيه: وثقت صوت المعاناة في "فنانو غزة: هل تسمعوننا"

  • مشاركة :
post-title
أبطال فيلم "فنانو غزة: هل تسمعوننا"

القاهرة الإخبارية - ولاء عبد الناصر

بين معاناة التشرد والنزوح والجوع وفقدان الكثير من الأهل والأصدقاء، وثّق المخرج الفلسطيني مصطفى النبيه واقع القضية الفلسطينية والمأساة التي يعيشها أهل غزة عبر فيلم "فنانو غزة: هل تسمعوننا؟" والذي قدّم من خلاله استعراضًا لما يواجهه فنانو غزة من صعوبات ومآسي يستحيل معها الحياة أو الإبداع، إذ يتيح لهم إظهار القضية الفلسطينية بأشكال جديدة وجريئة تجاوزت الواقعية، معتمدًا على الفن كوسيلة لجذب الانتباه حول القضايا المجتمعية والتعبير عن رسائلهم حول حقوق الإنسان والعدالة بشكل قوي ومؤثر.

يؤكد المخرج الفلسطيني مصطفى النبيه لـ موقع "القاهرة الإخبارية" أن الناس لا يحبون الموت، والصورة القاتمة لن تُحرك المشاعر، فالناس ينتصرون للحياة، حيث أصبحت شاشات التلفزيون تبث من خلال نشرات الأخبار مشاهد من الموت والدماء والجثث، وكل هذه المشاهد باتت مألوفة لدى المشاهد، ومع الوقت جعلت الكثير من المتضامنين ينفرون من هذه الصور بعد أن تشبعوا منها بصريًا ".

ويضيف: "أمام كل هذه المعطيات قررت صناعة فيلم يتناول المشاعر الإنسانية بعيدًا عن أجواء الحرب المباشرة، حيث حاولت من خلال هذا الفيلم تسليط الضوء على تأثير الحرب، ومعاناة الإنسان وكيف تم تشويه حياته، وجعلها مثل موسم الخريف، ولأنني أعلم طبيعة وشفافية الفنان قررت اختيار شرائح من الفنانين بأعمار مختلفة لرصد واقع المعاناة على مر العصور وتأثيرها من جيل لآخر من خلال هذا الفيلم".

وتابع: "الفنان جواد حرودة أحد المشاركين، ممثل مسرحي وتليفزيوني وسينمائي ويبلغ من العمر٦٧ عامًا وهو كتلة من المشاعر، ونجح في تجسيد صدمة واقع النزوح فعاش حالة من التوهان، والفنان التشكيلي العالمي محمد الديري الذي يبلغ من العمر ٣٤ عامًا شوه النزوح والفقد حياته فغرق في الهموم، والمطربة المبدعة النشيطة لمى جنينة والتي تبلغ من العمر ١٧ عامًا، نبع موسيقى الكلمات الطيبة الجميلة، حُرمت من التحليق وخشيت تكرار الهجرة والنزوح وأن يصبح هذا المشهد المرعب مع الوقت أمرًا مألوفًا لديها وتعيش النكبات".

ويضيف: "تم اختيار الفنانين الثلاثة في بطولة العمل، لكونهم مبدعين حيث تتشابه حالات الفقد لديهم ويجمعهم المخيم والحياة البدائية التي فُرضت عليهم، وقد عشت معهم عدة أشهر وتعرضنا للكثير من الصعاب منها القصف على أماكن قريبة منا، وكنا نتحدى الموت حتى نوثّق تجربتهم للعالم خصوصا لشريحة الفنانين، بعد أن شعرنا أننا بمفردنا في بحر من الظلمات، ولم نجد من يسمعنا أو ينظر لنا كعاملين في المجال الفني والثقافي، فالهدف من الفيلم كان توثيق صوت فناني غزة، ونقل معاناتهم إلى العالم من خلال زملائهم الفنانين العرب والأجانب، فهل يسمعوننا؟".

المخرج الفلسطيني مصطفى النبيه
لسنا أرقاما

يشير المخرج الفلسطيني إلى أن السينما بالنسبة له حياة، إذ يقول: "السينما موسيقى الكون، وأعتبرها لغة مميزة تخاطب العقول والقلوب، فأنا خُلقت في هذه الحياة لأعيش مقاتلًا من أجل السلام والمحبة والإنسانية من خلف الكاميرا، وعندما أتوقف عن صناعة سينما ونقل الحقيقة ستكون نهايتي، حيث إن السينما بالنسبة لنا ليست ترف بل قضية إنسانية، تحمل أوجاعنا وترويها بصوت عالٍ، لذلك أنا على يقين بأننا كفلسطينيين لا نملك إلا أجسادنا وأفكارنا الجميلة التي بإمكانها أن تروي حكايتنا بشكل أكثر نضوجًا، وترتقي بقضيتنا العادلة، فمشكلتنا على مر التاريخ أننا لم نقدم أنفسنا بالصورة البصرية التي نستحقها".

ويضيف: "نعتبر أنا وصديقي المصور "نبيل أبو دية" جزءًا من الحدث، حيث نعيش نفس المعاناة والتشرد والنزوح والجوع وفقدان الكثير من الأهل والأصدقاء. لذا نحن لا نصنع فيلمًا، بل ننزف ألماً ونصرخ للزملاء الفنانين ليسمعونا، ونحن نلملم أشلاءنا المبعثرة لنقول للعالم إننا نستحق حياة أفضل".

وتابع: "نحن لسنا أرقام، نحن حكاية من خلالها نحب ونحلم وننظر لمستقبل أفضل، نبكي على منازلنا التي تم تدميرها، فالمنزل بالنسبة لنا أكبر من جدران، المنزل وكأنه يتنفس ويشاركنا الفرح والحزن ويعيش ويموت معنا، فهناك علاقة وجدانية بيننا وبين الأشياء حتى لو كانت صغيرة بالنسبة للعالم الذي لا يرانا ولا يسمعنا".

الميزانية صفر

وعن كواليس خروج الفيلم إلى النور، يقول:" عندما قررنا تقديم هذا الفيلم كانت الميزانية صفر والأجواء غير مناسبة بسبب جنون القصف والموت الذي يطاردنا، حيث لم تتوفر أي إمكانيات، فكل ما توفر هو النازحين المشردين إضافة للجوع القاتل، ولكن إيماننا الراسخ بأننا أصحاب قضية عادلة وعلينا نصرها، جعلنا ننطلق إظهار وجعنا الذي يصاحبه بكاء أطفالنا وأمهاتنا وجوعهم وخوفهم من المستقبل المرعب".

ويضيف:" كنا نبحث عن وسيلة للتخفيف عنهم وإنقاذهم من قتل مبرمج ينتظرهم وموت مسعور يقلع الجميع من الجذور، فكنا نبحث عما يساندنا ويمد لنا يد العون ولو بالكلمة وبالفعل وجدنا الدعم من البعض ولذلك أوجه الشكر للصديقة الرائعة روان الضامن مدير عام مؤسسة أريج في عمان لإيمانها المطلق بهذا العمل وعملها على إنجاحه، فقد تم تصوير الفيلم من 25 نوفمبر العام الماضي حتى 15 مارس 2024".

فيلم "فنانو غزة: هل تسمعوننا"
تحديات منذ اللحظة الأولى

وعن التحديات التي واجهته في فيلم "فنانو غزة.. هل تسمعوننا"، قال:" العوائق تطارد الفيلم منذ اللحظة الأولى، فدعنا نتخيل مثلاً مخرج يعيش بالشارع هو وأهله بعد أن فقد منزله وحياته المرفهة والآن يعمل على صناعة فيلم من العدم، لا يملك أي أدوات، لا كاميرا ولا وحدة صوت ولا إضاءة وحتى بعد أن توفرت وسيلة التصوير، تراكم المشاكل يصيبه بالقهر، فليس هناك كهرباء لشحن البطاريات أو "اللاب توب" وعليه الذهاب إلى المستشفى للشحن وحتى لو تجاوزنا هذه الخطوة، فلا توجد أي وسيلة نقل سوى الوسائل البدائية ".

ويضيف: "نشعر بالموت الذي يطاردنا في كل مكان وأثناء المونتاج لا نسمع صوت الفيلم من كثرة الضجيج من حولنا وبالكاد بعد مجهود قاسٍ نسمع صوت ضيوفنا بالفيلم، ومع ذلك إما أن ننتصر للحياة أو نحمل الراية البيضاء وتنتظر أن تنجرف إلى المقصلة بإرادتك وترحل وكأنك لم تكن، فنحن نحب العمل والحياة ونرفض الاستسلام للواقع المريض لذا تم تقديم "فنانو غزة: هل تسمعوننا".

وتابع: "لذا تشعر وأنت بالكواليس بحطام يتدفق من داخل النجوم الذين شاركوني بالفيلم، خصوصا الفنان القدير جواد حرودة الذي فقد أشقاؤه أثناء النزوح، ما بين مدينة خان يونس ومدينة رفح، بهتت ملامحه وهربت البسمة عن وجهه فعاش الغربة، والفنان التشكيلي المبدع محمد الديري الذي انهار بالبكاء أكثر من مرة أثناء التصوير بعد أن استشهد شقيقه من الجوع و مات جائعًا في غزة ولم يشارك حتى في دفنه وبعد ذلك توفى والده فأصيب بانهيار وانفجر بالبكاء، أما الفنانة الشابة الصاعدة التي فقدت خالها الذي يبلغ من العمر ١٨ عامًا وهو رفيق دربها في مشروعها الفني وفي النهاية جميعهم انتصروا للعمل، فالعمل بالنسبة لهم أكبر من كونه فيلمًا ولكنه رسالة إنسانية يتلوها للعالم تحمل معاناتهم وأوجاعهم وحكاية شعبهم على أمل أن تزول هذه الغمة وتعود لنا الحياة".

فيلم "فنانو غزة: هل تسمعوننا"
صورة بمليون كلمة

وحول أهمية الفن في دعم القضية الفلسطينية، يقول:" الصورة تعادل مليون كلمة وأكبر دليل على التضامن الدولي مع قضيتنا العادلة، والذي شاهدناه عبر الفضائيات وفي أكبر الجامعات الأوروبية والأمريكية بعد الصورة المشوهة التي بثها الاحتلال متكئًا على تضخيم أحداث السابع من أكتوبر، والتي ساهمت في توفير الحماية له، فلولا الإعلام لتم مسح واقتلاع الفلسطيني من جذوره".

ويضيف: "خلال هذه الحرب الدموية استطاع الإعلام الواعي أن يعيد للقضية الفلسطينية زخمها وتعاطف العالم معها وأكبر دليل على ذلك هي المسيرات التي نراها عبر الشاشات، فالإعلام الواعي الناضج بإمكانه أن يعيد قضيتنا العادلة للصدارة".

مصر روح الأمة العربية

وعن مشاركة الفيلم في فعاليات النسخة الـ 40 من مهرجان الإسكندرية السينمائي المقرر إقامتها في الفترة من 1 إلى 6 أكتوبر المقبل، يقول: "مصر روح الأمة العربية، وهوليوود الشرق ونبع المعرفة، ومشاركة فيلمنا في المهرجان الذي يعد من أعرق المهرجانات العربية يزيدنا فخرًا وجمالاً وينهض بالذاكرة ولا يفارقنا عملاق السينما ابن الإسكندرية المخرج يوسف شاهين".

ويضيف: "أخذت مؤسسة أريج في المملكة الأردنية الهاشمية ممثلة بمديرتها المخرجة المبدعة روان الضامن على عاتقها ترجمة الفيلم ونشره عالميًا، حيث اتصل بي العديد من السفراء الفلسطينيين في أوروبا لترجمة الفيلم بأكثر من لغة ونشره عالميًا وحاليًا نعمل على المشاركة بالعديد من المهرجانات العربية والعالمية".