الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

الفلسطيني كريم ستوم: جرائم الاحتلال تجاوزت الفانتازيا.. و"جنة جهنم" واقع مُعاش

  • مشاركة :
post-title
الفنان والمخرج الفلسطيني كريم ستوم

القاهرة الإخبارية - ولاء عبد الناصر

تحصنت بالكفن من البرد القارس بعد ما لم أجد فراشًا أنام عليه

صوّرت المشاهد وسط أشلاء الجثث والضحايا.. والإنسان يجبر على حب ما كان يخافه ويكرهه

أفكر حاليًا في تحويل يومياتي التي أوثقها لأعمال مسرحية مونودراما

من وحي تجربة النزوح القاسية في غزة، قدّم المخرج والفنان المسرحي الفلسطيني كريم ستوم أولى تجاربه السينمائية "جنة جهنم"، من داخل أحد المخيمات بمستشفى شهداء الأقصى، بعد ما حوّل كيسًا لحفظ الموتى إلى فراش ينام عليه، ومن هنا يكشف المعاناة التي يتعرض لها الفلسطينيون في ظل الكيان المحتل، الذي دمّر منازلهم وقتل أطفالهم ونساءهم وشيوخهم، وجعلهم لاجئين في أراضيهم يبحثون عن غطاء ليحتموا فيه من البرد القارس.

يؤكد الفلسطيني كريم ستوم لموقع "القاهرة الإخبارية" أن فكرة الفيلم جاءت نتيجة الواقع الذي يعيشه في فلسطين، إذ يقول: "نحن نعرف أن السينما تمزج بين الخيال والفانتازيا ولكن ما يحدث في غزة يتجاوز الفانتازيا بمراحل، فما قام به الاحتلال يفوق الخيال في بشاعته وفظاعته، وبالتالي استوحيت الفكرة من أحداث واقعية عشتها بتفاصيلها".

ويضيف: "عندما خرجت من غزة، نزحت وحدي دون عائلتي واتجهت للجنوب خوفًا على حياتي من الفظائع التي كانت تحدث في الشمال بهدف إخلاء المنطقة ودفع الناس للاتجاه قسرًا إلى الجنوب، إلا أن عائلتي أصرت على البقاء في الشمال وبالتالي نزحت متجهًا لرفح ثم لخان يونس".

وتابع: "في تلك الفترة حدثت الهدنة التي هدد الاحتلال بعدها باجتياح خان يونس، فاتجهت لمنطقة دير البلح، ثم قابلت عائلتي التي قررت لاحقًا النزوح والاحتماء بمستشفى شهداء الأقصى، لكنني لم أجد فراشًا أنام عليه أبدًا، فاضطررت لأخذ كفن وأصبح بالنسبة لي مكانًا للنوم وتحصينًا لي من البرد القارس".

فرصة مهمة

عن السبب وراء تحويل هذا الواقع إلى فيلم سينمائي، يقول المخرج الفلسطيني: "ما شجّعني لتحويل ذلك الحادث إلى فيلم سينمائي هو المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي المشرف على سلسلة "المسافة صفر" التي توثق جرائم الاحتلال الإسرائيلي، حيث تواصل معي خلال فترة النزوح، وكانت فرصة مهمة لي للعمل مع مخرج عظيم وتقديم قصة مثل ذلك لتكون أولى تجاربي الإخراجية السينمائية".

ويضيف: "استغرق تحضير الفيلم عدة أسابيع من القراءة المتواصلة ومشاهدة فيديوهات مختصة بالإخراج السينمائي وكتابة السيناريو لأنني في الأساس ممثل مسرحي وتجاربي وخبراتي كانت منحصرة في المسرح، وطلب مني المخرج رشيد مشهراوي، تقديم الفيلم في شكل دراسة مكثفة لتعلم الفرق بين المسرح والسينما، إضافة إلى أن أجر المصور وتكلفة أدوات التصوير الاحترافية كانت مرتفعة، ولذلك اضطررت لتصويره بكاميرا هاتف جيدة وكاميرا أخرى استعرتها من أحد أصدقائي".

وتابع "ستوم" قائلًا: "استغرق مني تصوير الفيلم نحو 5 أشهر، كنت أتابع خلالها عملي مع المخرج رشيد مشهراوي حتى أتعلم من إرشاداته، إلى أن تعلمت فن الصورة، كما دعّمني خلال تلك الفترة والدي وأشقائي بتوفير كل ما احتاج إليه من وقت واستراحة لإنتاج فيلم ناجح".

المشاهد الصعبة

واجه الفلسطيني كريم ستوم، العديد من التحديات لتخرج هذه التجربة السينمائية إلى النور، إذ يقول: "من التحديات التي واجهتني في هذا الفيلم هو منع التصوير داخل المستشفى، ما دفعني لخلق المكان المناسب للمشهد وأيضًا كانت مسألة إرسال مادة الفيلم للمخرج رشيد مشهراوي؛ لأنه يعيش بالخارج صعبة للغاية، بسبب قصف الاحتلال كل شبكات الاتصالات والإنترنت عن المنطقة، ما اضطرني للذهاب لأماكن خطرة لكي أجد شبكة إنترنت أقوى".

ويضيف: "من أصعب المشاهد التي واجهتها أثناء تصوير الفيلم هو أشلاء الجثث التي رأيتها ومررت بها، حيث تخيلت نفسي مكان هؤلاء الشهداء وكان هناك مَن يصورني لعمل فيلمه الخاص.. كيف سيكون شكلي ورأيي؟".

الموت والبرزخ

يشير كريم ستوم إلى أن الفيلم حمل عدة رسائل مهمة منها الموت والآخرة، إذ يقول: "رسالة الفيلم كانت تدور حول معنى الكفن وكيفية تأهيل المتوفي إلى حياة البرزخ؛ بعد ما أضحى لا يربطه بالحياة شيء، فأغلب البشر لن تجدهم يحبون الحديث عن لحظات الاحتضار".

ويضيف: "ما أردت قوله في الفيلم أن الظروف التي قد يمر بها أي إنسان تُجبره على أن يحب ما كان يخشاه أو يكرهه لأنه أصبح الشيء الوحيد الذي قد يعطيه الحياة والأمان، حيث اقتربت للغاية من الفكرة المنبوذة للكفن والغُسل ولحظة خروج الروح، وهى مواقف يتهرّب الإنسان من التفكير فيها، إلا أنني وجدت نفسي أصنع حياة من الموت".

دور الفن

وحول مشاركة الفيلم في فعاليات النسخة الثامنة من مهرجان القدس السينمائي التي انتهت أخيرًا، يقول: "عرض الفيلم في المهرجان كان مهمًا بالنسبة لي لمدة أربع أيام في غزة ولجمهورها، فهم أبطال الفيلم بالنهاية وهم الأولى والأحق بمشاهدته".

ويضيف: "الفن يعتبر من أهم الأدوات التي تدعم القضايا الإنسانية، ونظرًا لعالمية وخصوصية القضية الفلسطينية، فالفن كان ولا يزال من أهم ما سلّط الضوء على حق الشعب الفلسطيني بأرضه، ونقل المعاناة لكل العالم بطريقة بسيطة وصحيحة".

وتابع: "ولولا الكثير من الكتّاب والشعراء والفنانين الذين أنجبتهم فلسطين كمحمود درويش وإبراهيم طوقان، لما تحدث أحد عن القضية كحق مسلوب، ولولا ما قدّمه المخرج رشيد مشهراوي من أفلام عظيمة تنقل للعالم معاناة الشعب الفلسطيني، لما علم الغرب الكثير عن قضيتنا، فالفرق بين الأخبار والأفلام، أن الأولى تنقل لك حدثًا واحدًا مقتطعًا من حياة كاملة عاشها مَن استشهد أو مَن فقد منزله أو بُترت أطرافه، والخبر يبث أرقامًا وحالات بشكل أصم، أما الفيلم فيرصد الحالة بأكملها، ويغوص في تفاصيل حياة الضحية وكيف تكونت ووصلت إلى هذه اللحظة، وتبعات فقدانه لمنزله أو لأحد أطراف جسده، فهى تجسّد الجوانب الإنسانية والكارثية والوجدانية كقصة ترسخ في قلوب وعقول العالم".

حبنا للحياة

يؤكد مخرج "جنة جهنم"، أن الفلسطينيين يحبون الحياة ويتمنون الخلاص يومًا ما من الحرب التي يعيشونها في وقتنا الحالي، إذ يقول: "الوضع الحالي في فلسطين معقد للغاية، فنحن نتعرض لتطهير في أرضنا وبلادنا، حيث أتمنى أن يصل للعالم حجم حبنا للحياة بكل تفاصيلها، وللتعليم، وللانفتاح على كل شيء، وللترفيه والأمان والمرح، ولذلك نكره الموت ونقاومه، فمَن يفهم معنى الحياة لن يحرم أحدًا من حقه فيها".

وحول مشروعاته المقبلة، يقول كريم ستوم: "أفكر حاليًا في تحويل يومياتي التي أوثقها بشكل مستمر لأعمال مسرحية مونودراما، كما سيكون هناك تعاون مستقبلي مع بعض الكتّاب للعمل على فيلمين قصيرين".