الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

"الفن جزء من النضال".. مخرج فلسطيني يواجه الاحتلال بالذكاء الاصطناعي

  • مشاركة :
post-title
صورة بالذكاء الاصطناعي من فيلم "الأمل آخر من يموت"

القاهرة الإخبارية - ولاء عبد الناصر

محمد السهلي: "الأمل آخر من يموت" ولد من الواقع المؤلم في غزة
معركتنا هدفها التصدي لطمس هويتنا الفلسطينية.. ولا تقتصر على مقاومة طرد شعبنا من أرضه
الفلسطينيون شعب مبدع ومتذوق للجمال وليسوا مجرد أرقام في عدد الضحايا
توجيه الفيلم للمشاهد الغربي انعكس في نسيج العمل الفني بأكمله

وسط مشاهد الحرب والدمار التي لحقت بغزة وأهلها، لا تزال تتجلى روح الأمل لدى العائلات الفلسطينية التي تعيش على ركام منازلها المدمرة؛ لتشاهد أفلامًا تروي قصصهم ويتعلق قلبهم بالسينما والحياة، متجاهلين أصوات الانفجارات من حولهم، انطلاقًا من إيمانهم بأهمية الفن في إيصال صوتهم للعالم، وبأن قوته تفوق قوة الأسلحة والثقافة، فسلاح الشعوب هو المقاومة.

مشاهدة الجمهور للأفلام في مهرجان القدس السينمائي الذي أقيم أخيرًا، كان دافعًا للمخرج الفلسطيني محمد السهلي، أن يقدم فيلمًا بعنوان "الأمل آخر من يموت"، بتقنية الذكاء الاصطناعي، ليهديه إلى ضحايا غزة الأبرياء ويكون شاهدًا على قوة الإبداع في مواجهة الموت والدمار.

يقول المخرج الفلسطيني محمد السهلي في حواره لموقع "القاهرة الإخبارية": "بدأت فكرة المشروع عندما تلقيت خبرًا من صديقي د.عز الدين شلح رئيس مهرجان القدس السينمائي، المقيم في غزة تحت وطأة القصف والدمار، بقرارهم عقد نسخة استثنائية لمهرجان القدس السينمائي، ففي البداية كنت أرى أنها فكرة جريئة إلى حد الجنون، بإقامة مهرجان سينمائي في خضم الحرب، وفي قلب منطقة تعج بالموت، لكن ثقتي بالدكتور عز الدين، وتاريخنا في العمل المشترك وارتباطي العاطفي بالمهرجان، دفعوني لاتخاذ قرار بالمساهمة في إبراز هذا العمل الاستثنائي".

ويضيف: "واجهتني بعض التحديات في اختيار تقنية تنفيذ الفيلم، حيث لم أرغب في استخدام لقطات صورها أصحابها معرضين حياتهم للخطر دون ذكر أسمائهم، خاصة مع وجود مشروع "من مسافة صفر" الذي يعمل عليه المخرج رشيد مشهراوي، ومن جانب آخر، لم تكن هناك إمكانية لتصوير الفيلم في غزة للأسباب المعروفة".

وتابع: "قررت الاستفادة من التقنيات التي توفرها الثورة التكنولوجية، رغم عدم خوضي في هذا المجال سابقًا، لم يسبقني أي مخرج فلسطيني في استكشاف هذا المجال، وبالتالي اتخذت قرارًا بإنتاج الفيلم باستخدام تقنية الذكاء الاصطناعي؛ مما أثمر عن إنتاج أول فيلم فلسطيني بهذه التقنية وهو فيلم "الأمل آخر من يموت"، الذي آمل أن يكون قد نجح في إيصال الفكرة المرجوة".

التحديات

وحول التحديات التي واجهته لخروج هذا العمل إلى النور، يقول: "واجهت العديد من التحديات أثناء العمل على الفيلم، أبرزها صعوبة التحكم في تفاصيل بعض الصور، فعلى سبيل المثال، لم تتمكن برامج الصور بالذكاء الاصطناعي من فهم رغبتي في إظهار الجمهور المتجه إلى المهرجان وهم يحملون العلم الفلسطيني، إذ استغرقت ثلاثة أيام لتنفيذها ولكن دون جدوى، كما واجهت صعوبة في تصوير طائر العنقاء وهو يولد من النار ويخرج من تحت الركام، كما كان في الأسطورة الكنعانية، حيث حصلت بدلًا من ذلك على صور غير ملائمة وغير متناسقة".

ويضيف: "أما التحدي الأكبر فتمثل في التساؤل حول مدى تقبل المشاهد لموضوع الفيلم المنفذ بهذه التقنية، وإلى أي مدى يمكنني مخاطبة الجمهور الغربي بشأن القضية الفلسطينية، حيث سعيت لاستخدام المهرجان كنموذج للنضال الفلسطيني ضد الاحتلال وللتعبير عن حقوق الشعب الفلسطيني، مع تجنب الابتذال الإخباري أو الدعاية التي سئم الناس منها".

وتابع: "كما كان هناك تحدٍ يتعلق بقدرتي على إطلاق الفيلم في ظل الحملة الإعلامية الإسرائيلية الكبيرة، وبالتالي بعد طرح العمل وما رافقه من ضجة إعلامية إيجابية وغير مقصودة، أشعر بارتياح وأمل أنني قدمت شيئًا، وإن كان بسيطًا، يليق ليس فقط بتضحيات أهلنا في غزة، بل يليق بنا كشعب حي قادر على العطاء".

الواقع المؤلم

وعن السبب وراء اختيار عنوان "الأمل آخر من يموت"، يقول المخرج الفلسطيني: "جاء اختيار عنوان الفيلم، بشكل عفوي، مستوحى من الواقع المؤلم في غزة، فالقصف الإسرائيلي المستمر لا يميز بين مقاتل يحمل سلاحًا، وطفل يحمل جرة ماء لأهله في المخيمات، أو امرأة تحمل الطعام لأسرتها، أو صحفي يوثق بكاميرته الانتهاكات الإسرائيلية".

ويضيف: "وسط هذا المشهد المأساوي، يأتي قرار عز الدين شلح بإقامة المهرجان، رغم فقدانه لبعض أفراد أسرته قبل أيام قليلة من انطلاقه، ليكون هذا الإصرار على الحياة والأمل يتجلى أيضًا مع سكان غزة الآخرين، فعند التواصل مع أصدقائي هناك، وهم تحت وطأة القصف، أجدهم بدلًا من طلب المواساة، يقومون بتحفيزي ورفع معنوياتي، فهذا الموقف يثير التساؤل: أي أمل عظيم يحمله هؤلاء في قلوبهم؟ وأي قوة يمكنها انتزاع هذا الأمل منهم؟ فهو تجسيد حي لفكرة أن البشر قد يموتون، لكن الأمل يبقى حيًا لا يموت".

النضال الفلسطيني

يشير محمد السهلي إلى أهمية الفن في حياة الفلسطينيين ودعمه لقضيتهم بشكل مباشر، حيث إنه يعتبره جزءًا من نضالهم ومقاومتهم، إذ يقول: "نحن جزء لا يتجزأ من النضال الفلسطيني منذ بداية قضيتنا، وأنا على قناعة تامة بأن الشعب الذي ينتج الثقافة ويسهم في إثراء الثقافة الإنسانية لا يمكن أن يفنى، فالشعب الفلسطيني كان ولا يزال مساهمًا فعّالًا في هذا الإنتاج الثقافي العالمي، مؤكدًا أننا جزء لا يتجزأ من هذا العالم".

ويوضح: "أن نضالنا يتجاوز حدود العمل السياسي أو السعي لتحرير الأرض وإقامة الدولة، فنحن في خضم معركة وجودية شاملة، وعدونا لا يكتفي باحتلال الأرض، بل يسعى لسرقة تاريخنا وعاداتنا وتقاليدنا، فكيف يمكننا مواجهة هذا العدوان إن لم نكن على القدر ذاته من القوة والكفاءة الثقافية؟".

وتابع: "معركتنا لا تقتصر على مقاومة محاولات طرد شعبنا من أرضه، بل تمتد لتشمل التصدي لمحاولات طمس هويتنا الفلسطينية وإلغاء وجودنا كشعب، وهنا يأتي دور الفن كسلاح فعّال في معركتنا الثقافية والوجودية، فالفن الفلسطيني، بكل أشكاله من سينما ومسرح وموسيقى وفنون تشكيلية وأدب، يعمل كجسر يربطنا بالعالم، بل ويقدم صورتنا الحقيقية، بعيدًا عن الصور النمطية التي يحاول الاحتلال ترسيخها من خلال الفن، حيث نروي قصصنا بأصواتنا، ونعبر عن آلامنا وآمالنا، ونؤكد على إنسانيتنا المشتركة مع بقية شعوب العالم".

وحول الرسالة التي أراد توصيلها للجمهور، يقول: "الفلسطينيون ليسوا مجرد ضحايا أو أرقام في نشرات الأخبار، نحن شعب حي، نابض، مبدع، قادر على خلق الجمال حتى في أحلك الظروف ورغم كل ما نواجهه من صعاب، فإننا نتمسك بالحياة وبالأمل، لأننا ندرك أن الأمل، حقًا هو آخر ما يموت".

اللغة الإنجليزية

يؤكد المخرج الفلسطيني أن السبب وراء اختيار تقديم العمل باللغة الإنجليزية يعود لقرار استراتيجي، إذ يقول: "كان اختيار اللغة الإنجليزية كلغة أصلية للفيلم قرارًا استراتيجيًا، أما النسخة العربية، فجاءت كترجمة للنص الإنجليزي، مع الحرص على الحفاظ على روح العمل وجوهره، فمنذ اللحظة الأولى، كان الفيلم موجهًا بشكل رئيسي للمشاهد الغربي، وهو ما انعكس في نسيج العمل الفني بأكمله".

ويضيف: "سعيت جاهدًا لخلق ما يمكن وصفه بـ"صدمة معرفية" لدى المشاهد الغربي، فالمشاهد التي قدمناها تتحدى بشكل جذري التصورات النمطية عن الحياة في مناطق الصراعات، فتخيل معي مشهدًا يجلس فيه شخص وسط أنقاض منزله المدمر، يشاهد فيلمًا بينما تدوي أصوات القصف من حوله أو ذلك المشهد السريالي لطفل يبتسم مستمتعًا بفيلم، في حين ينفجر المبنى خلفه دون أن يبدي أدنى اهتمام".

وتابع: "هذه المفارقات الصارخة ليست مجرد استعراض فني، بل هي أداة قوية لإثارة تساؤلات عميقة في ذهن المشاهد الغربي وهي تدعوه للتفكير في طبيعة الحياة اليومية في فلسطين، وكيف يمكن للإنسان أن يتكيف مع ظروف تبدو مستحيلة في نظر الآخرين ومن خلال هذا الأسلوب، كما أسعى لتحطيم الحواجز الذهنية وكسر القوالب النمطية التي رسختها وسائل الإعلام التقليدية عن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وهدفي هو تقديم منظور جديد، يتجاوز السرديات المبسطة ويغوص في عمق التجربة الإنسانية الفلسطينية".

مشروعاته المقبلة

وحول مشروعاته المقبلة، يقول محمد السهلي: "حاليًا أعمل على إنتاج فيلم روائي ضخم يستند إلى أحداث حقيقية تتعلق بالقضية الفلسطينية على الصعيد الدولي ويهدف إلى تسليط الضوء على الجوانب الإنسانية والسياسية المعقدة التي تحيط بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وكيف تؤثر هذه الأحداث على الساحة الدولية، فأنا في مرحلة كتابة السيناريو، حيث أعمل على بناء حبكة قوية ومؤثرة تستند إلى الوقائع الموثقة، ومن ثم سأبدأ في البحث عن المنتجين المحتملين الذين يشاركونني الرؤية والقناعة بأهمية هذا العمل".

ويضيف: "كما أنني أعمل على مشروع فيلم وثائقي يتناول تاريخ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني من زاوية قانونية دولية، ويستند إلى تطورات مهمة مثل طلب المدعي العام الدولي باعتقال عدد من السياسيين في المنطقة، حيث يركز على مفهوم "الجرائم ضد الإنسانية" وتطبيقه في هذا السياق، كما يسعى إلى استكشاف ما يعنيه هذا المصطلح وكيف يمكن تحديد متى تكون الجرائم ضد الإنسانية، وهو موضوع يحمل أهمية كبيرة في فهم تعقيدات هذا الصراع وتأثيره على المجتمع الدولي".