الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

كيف أثرت دورة الألعاب الأولمبية على الاقتصاد الفرنسي؟

  • مشاركة :
post-title
أولمبياد باريس

القاهرة الإخبارية - رضوى محمد

في الـ11 من أغسطس الجاري، اُختُتِمت دورة الألعاب الأولمبية الصيفية في باريس لعام 2024، والتي استمرت على مدى أسبوعين، ولم يكمُن تأثير دورة الألعاب في الترفيه فقط، بل امتدت آثارها إلى الاقتصاد الفرنسي الذي انتعش بشكل كبير من استضافتها، إذ توقع معهد الإحصاء الوطني الفرنسي أن الألعاب الأولمبية تُساهم بنسبة 0.3% من نمو الاقتصاد الفرنسي في الربع الثالث من 2024، وهو الأمر الذي يوضح التأثير الاقتصادي الكبير لاستضافة مثل هذه الأحداث الرياضية الكبرى.

جدير بالذكر أن الاقتصاد الفرنسي سيستمر في جني ثمار استضافة الفعاليات الرياضية الكبرى من دورة الألعاب البارالمبية التي ستُقام في الفترة من 28 أغسطس حتى 8 سبتمبر المُقبل، إذ تُشير دراسة اقتصادية أجراها منظمو دورة الألعاب إلى تأثير لا يقل عن 7.3 مليار دولار في مدينة باريس من استضافة الألعاب الأولمبية والبارالمبية.

وتأسيسًا على ما سبق؛ يتطرق هذا التحليل إلى المُحفزات الاقتصادية لدورة الألعاب الأولمبية، وانعكاساتها على أداء الاقتصاد الفرنسي.

مُحفزات مهمة

يُمكن الاستدلال على مجموعة من المُحفزات الاقتصادية لدورة الألعاب الأولمبية من خلال النقاط التالية:

(*) زيادة الإنفاق الاستهلاكي: أثرت الألعاب الأولمبية في باريس على زيادة الإنفاق الاستهلاكي بشكل كبير داخل الاقتصاد الفرنسي، إذ أظهرت بيانات شركة VISA"" التي تُعد أحد الرُعاة المؤسسين للألعاب الأولمبية، أن هذا الإنفاق ارتفع بأكثر من 20% في نهاية الأسبوع الأول من الألعاب الأولمبية مُقارنة بالعام السابق، فحسبما يُشير شكل (1) فإن نسبة الإنفاق الاستهلاكي ارتفعت في 28 يوليو 2024 بنسبة 1.5%، على الرغم من انخفاضها في يونيو بنسبة 0.5%، وبتتبع التغير الشهري في الإنفاق الاستهلاكي، يُمكن القول إن هذا الإنفاق ارتفع بنسبة كبيرة في يوليو 2024 لم تحدُث منذ يوليو 2023، إذ أجرى أكثر من 45 ألف عميل من عملاء المصرف العربي الدولي أكثر من597 ألف معاملة في شهر يوليو، وارتفع الإنفاق الإجمالي في هذا الشهر إلى 9%، كما ارتفع الإنفاق الأجنبي المرتبط بهذه الألعاب بنسبة 29%.

شكل (1) يوضح نسبة الإنفاق الاستهلاكي في فرنسا من يوليو 2023 إلى يوليو 2024- مكتب الإحصاء الوطني الفرنسي

(*) زيادة مبيعات السياحة: شهدت فرنسا عددًا كبير من السياح في الأسبوع الأول من دورة الألعاب الأولمبية، إذ ارتفع عددهم بنسبة 42%، كما زادت المبيعات المُرتبطة بالسياحة في المتاحف والمطاعم بنسبة 25% على أساس سنوي، وارتفع الإنفاق على الفنادق في المدن التي تستضيف الأحداث الأولمبية بنسبة 16% مُقارنة بالعام السابق، إذ أبدى الكثير من المُشجعين في أوروبا اهتمامهم بحضور أولمبياد باريس، فارتفعت نسبة الزوار من المملكة المتحدة بنسبة 53% ومن ألمانيا بنفس النسبة، وهو الأمر الذي صاحبه زيادة كبيرة في الإنفاق السياحي داخل فرنسا.

(*) ارتفاع مبيعات التذاكر: حققت أولمبياد باريس 2024 رقمًا قياسيًا في مبيعات التذاكر، وذلك على مختلف المُنافسات الرياضية، فكما يوضح شكل (2) بلغت هذه المبيعات حتى 8 أغسطس الجاري نحو 9.4 مليون تذكرة، وبمُقارنة هذا الرقم بما حققته دورة أتلانتا المعروفة رسميًا بدورة الألعاب الأولمبية السادسة والعشرين، التي سجلت بيع 8.7 مليون تذكرة، يتضح أن دورة باريس 2024 حققت مبيعات تاريخية لتذاكر المباريات، وفي حين أن تكلفة هذه التذاكر تتراوح بين 90 يورو إلى 2700 يورو، يُمكن الوصول إلى متوسط الإيرادات التي حصل عليها الاقتصاد الفرنسي من بيع التذاكر، بأنها تتراوح من 846 مليون يورو إلى 25.83 مليار يورو، وهو الأمر الذي يُحسن من إيرادات فرنسا بشكل كبير.

شكل (2) يوضح مبيعات التذاكر في دورة باريس 2024 ودورة أتلانتا
مردودات إيجابية

تنعكس دورة الألعاب الأولمبية 2024 بالإيجاب على الاقتصاد الفرنسي، كما يتضح من النقاط التالية:

(-) ارتفاع النمو الاقتصادي: تصُب كل المؤشرات التي تم ذكرها سابقًا في تحقيق معدلات نمو عالية في الاقتصاد الفرنسي، فقد توقع بنك فرنسا نموًا اقتصاديًا يتراوح بين 0.35% و0.45% في الربع الثالث من عام 2024، بالمُقارنة بنمو قدره 0.3 %في الربعين الأولين من العام، كما يوضح شكل (3)، ويُرجع البنك 25% من هذا النمو إلى الرواج الذي أحدثته دورة الألعاب الأولمبية، فالمؤشران الرئيسيان المُساهمان في هذا النمو يتمثلان في المبيعات التاريخية للتذاكر وحقوق البث التلفزيوني، كما أن الدفعة في الإنفاق الاستهلاكي المُصاحب لدور الألعاب الأولمبية ستكون مُحفزًا قويًا لنمو الاقتصاد الفرنسي.

شكل (3) يوضح معدل النمو الاقتصادي في فرنسا من الربع الثالث 2021 إلى الربع الثاني 2024- مكتب الإحصاء الوطني

(-) تخفيض معدل البطالة: يظهر التأثير القوي للألعاب الأولمبية في توفيرها لعدد كبير من الوظائف، فتحضير وتنفيذ هذه الألعاب يولد العديد من الوظائف على مستوى القطاعات المختلفة، فكما يوضح الشكل (4) فدورة الألعاب الأولمبية، تخلق نحو 78.3 ألف فرصة عمل في القطاع التنظيمي، ونحو 60 ألفًا في قطاع السياحة، ونحو 11.7 ألف في قطاع البناء، وهو الأمر الذي يوضح حجم التشغيل الذي يستفيد منه الاقتصاد الفرنسي، إذ إنه يُعاني من معدل بطالة قُدّر بـ7.3% في الربع الثاني من عام 2024، ومع خلق فرص عمل تُقدر بنحو 150 ألف فرصة، من المتوقع بشكل كبير أن ينخفض هذا المعدل.

شكل (4) يوضح عدد الوظائف التي تم انشاؤها لدورة الألعاب الأولمبية "باريس 2024"

(-) تعزيز قطاع السياحة: يُعد قطاع السياحة من أول القطاعات التي ستنتعش من استضافة هذه الأحداث الرياضية الكبرى، فتدفق الزوار من مُختلف الجنسيات للبلد المُضيف، يجعلها وجهة عالمية، فعلى سبيل المثال حققت البرازيل خلال عام الألعاب الأولمبية في ريو 6.2 مليار دولار أمريكي كعائدات لقطاع السياحة، وبالقياس على الاقتصاد الفرنسي، فإن عائدات السياحة في المُستقبل ستزداد بشكل كبير، خاصة أن السياح خلال هذه الدورات الرياضية استكشفوا أماكن أخرى لم يعتادوا زيارتها، بالإضافة إلى أن تسعير الفنادق ارتفع خلال الأولمبياد، فمن الُمرجح بشكل كبير أن ينعكس ذلك على تعزيز قطاع السياحة الفرنسي في المُستقبل.

(-) زيادة الاستثمارات المُستقبلية: يُصاحب الألعاب الأولمبية استثمارات مالية كبيرة، إذ بلغت الاستثمارات في باريس نحو 8.87 مليار دولار، وتتمثل النتيجة الطبيعية لهذه الأحداث الرياضية الكبرى في تحسين الطرق والخدمات العامة، وزيادة الاستثمارات في مشروعات التنمية والتجديد الحضري، إذ تم إنفاق نحو 3.2 مليار دولار على استثمارات البنية التحتية، فهذه الوفورات الخارجية من المتوقع بشدة أن تسبب في قفزة كبيرة في الاستثمارات داخل الاقتصاد الفرنسي، كما أن الاهتمام العالمي بالألعاب الأولمبية يمنح فرص كبيرة للشركات المحلية في الشراكات الاستثمارية الجديدة، الأمر الذي يُحقق فوائد عديدة للاقتصاد.

(-) تخفيض تباطؤ ثقة الأعمال التجارية: إن عدم اليقين السياسي الذي ينتشر في فرنسا، نتيجة الانتخابات المبكرة وصعود تيار اليمين المُتطرف، تسبب في تباطؤ الثقة في الأعمال التجارية، وهو الأمر الذي قلل من حدته استضافة فرنسا لدورة الألعاب الأولمبية، فوفقًا لبنك فرنسا تراجعت حالة عدم اليقين التجاري في الربع الثالث من عام 2024 إلى أدنى مستوى لها منذ الربع الأخير من عام 2023، وهو الأمر الذي حدث نتيجة تبدُد خوف بعض رواد الأعمال على المستقبل الاقتصادي لفرنسا.

وتجُدر الإشارة هنا إلى أنه نتيجة للتأثير الاقتصادي الكبير للألعاب الأولمبية، فإن الهند تسعى لاستضافة الألعاب الأولمبية لعام 2036، وبدأت الجمعية الأولمبية الهندية عملية الحوار مع اللجنة المُضيفة المُستقبلية للألعاب الأولمبية (FHC)، إذ تعمل على عرض إمكانيتها كمُضيف لهذه الألعاب، وتُركز على التنمية المُستدامة وخلق فرص العمل وتطوير البنية التحتية، وهو الأمر الذي يؤكد المنفعة الاقتصادية لهذه الدورات الرياضية العالمية.

وعليه، يُمكن القول إن التأثير الاقتصادي لاستضافة الأحداث الرياضية الكُبرى يؤكد عليه معظم الخبراء الاقتصاديين، فهناك أجلين لهذا التأثير، أولهما على المدى القصير والذي يتلخص في الإيرادات التي تحصل عليها الدولة من استضافة هذه الأحداث والتحسينات التي تقوم بها في بنيتها التحتية والتي تُحقق الرفاهة لشعبها، وثانيهما على المدى الطويل ويتمثل في تجديد الصورة العالمية والميزة الدبلوماسية، وجذب الاستثمارات المُستقبلية، ما يُسهم في تحقيق النمو الاقتصادي المُستدام.