الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

تأثير توترات البحر الأحمر على اقتصاد الإقليم

  • مشاركة :
post-title
استهداف سفينة شحن بالبحر الأحمر

القاهرة الإخبارية - رضوى محمد

تتصاعد حدة التوترات في البحر الأحمر منذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، إذ تُكثف جماعة "الحوثي" عملياتها في هذا الساحل المهم؛ كنتيجة للاعتداءات الإسرائيلية الغاشمة على الأراضي الفلسطينية، ويُشكل البحر الأحمر أهمية اقتصادية كبيرة للدول التي تطل عليه، ومن هنا تنعكس التوترات في هذا البحر، بالسلب على دول المنطقة بشكل كبير. كما أشار الخبراء إلى أن التجارة الدولية تأثرت بحوالي تريليون دولار؛ بسبب هجمات البحر الأحمر.

والجدير بالذكر هُنا أن هجمات إسرائيل على ميناء الحديدة باليمن في 21 من يوليو الجاري، ستزيد من أنشطة "الحوثيين" في البحر الأحمر، التي تعمل على تعطيل حركة التجارة العالمية.

وتأسيسًا على ما سبق، يتطرق هذا التحليل إلى تداعيات التوتر في البحر الأحمر على اقتصاديات المنطقة الإقليمية.

أهمية اقتصادية

يمتلك ساحل البحر الأحمر أهمية اقتصادية كبيرة لدول الإقليم، وهو ما سيتم توضيحه فيما يلي:

(*) ممر تجاري مهم: يُمثل ساحل البحر الأحمر ممرًا تجاريًا مهمًا، حيث إن هذا الممر البحري يربط المحيط الهندي بالبحر الأبيض المتوسط عبر قناة السويس، كما أنه طريق تجاري رئيسي يربط بين آسيا وأوروبا والشرق الأوسط، من هنا فهو يُسهل جزءًا كبيرًا من التجارة العالمية، فبحسب تقديرات كلاركسونز فإن 10% من التجارة العالمية تستخدم هذا الطريق، ويمر به 20% من شحن الحاويات، و10% من النفط المنقول بحرًا، و8% من الغاز الطبيعي المُسال، وهو الأمر الذي تستفيد منه الدول العربية بشكل كبير.

(*) مصدر أساسي للنقد الأجنبي: تعبُر كميات كبيرة من النفط العالمي، خاصة من دول الخليج العربي، عبر البحر الأحمر، مما يجعله شريانًا حيويًا لاقتصادات دول الشرق الأوسط، إذ إن صادرات النفط من دول الخليج إلى دول العالم، تُسهم بنسبة كبيرة في الناتج المحلي الإجمالي وفي احتياطيات النقد الأجنبي، فالبحر الأحمر ممر حيوي لنقل شحنات النفط من الخليج العربي إلى أوروبا وأمريكا الشمالية، كما أن قناة السويس واستقرار حركة الملاحة فيها، تُعتبر مصدرًا أساسيًا للنقد الأجنبي للدولة المصرية.

(*) سهولة نقل السلع والمُنتجات: يمتلك البحر الأحمر أهمية جيوبولوتيكية كبيرة، فهو من أقصر الطرق الموصلة بين الدول الصناعية والدول النامية المُصدرة للمواد الخام، وبالإضافة إلى ذلك يُعد البحر الأحمر من أقصر الطرق لمرور منتجات الدول الصناعية إلى أسواقها التقليدية في آسيا وإفريقيا، ومن هنا فهو ضروري لدول المنطقة؛ لتغطية الفجوة بين الطلب والإنتاج المحلي، مما يُحقق الاستقرار في مستوى الأسعار، فقصر مسافة النقل تعمل على انخفاض تكلفة السلعة، مما يُخفض من سعرها النهائي.

انعكاسات محورية

يتأثر اقتصاد المنطقة بشكل كبير من الأحداث في ساحل البحر الأحمر، وهو الأمر الذي يمكن توضيحه فيما يلي:

(&) انخفاض حركة التجارة الإقليمية: تتأثر حركة التجارة بشكل كبير في منطقة الشرق الأوسط، فكما يُعبر شكل (1) انتعش مرور التجارة عبر طريق رأس الرجاء الصالح، إذ ارتفع من 3.54 في يناير 2023 إلى 7.63% في أبريل 2024، بينما انخفضت حركة التجارة في قناة السويس وقناة بنما، إذ انخفضت في قناة السويس من 5.26% في نهاية نوفمبر 2023 إلى 1.82% في أبريل 2024، وفي قناة بنما على الرغم من أن حركة التجارة التي تمر خلالها منخفضة؛ بسبب الجفاف الشديد في هذه القناة، إلا أنها انخفضت بشكل أكبر بعد أحداث البحر الأحمر من 1.61% في يناير 2023 إلى 1.05 في أبريل 2024.

شكل (1) حجم تجارة العبور اليومية في طريق رأس الرجاء الصالح وقناة السويس وقناة بنما- صندوق النقد الدولي

ونظرًا لأن التجارة الخارجية للعديد من دول شرق إفريقيا تعتمد على قناة السويس، إذ إن ما يقرب من 31% من حجم التجارة الخارجية لجيبوتي يتم توجيهها عبر قناة السويس، وتسجل هذه النسبة 15% في كينيا و10% في تنزانيا، كما تعتمد التجارة الخارجية للسودان بشكل كبير على قناة السويس، حيث يعبر من القناة حوالي 34%من حجم تجارتها، فإنه يُمكن القول إن التجارة في هذه الدول تأثرت بشكل كبير؛ نتيجة الأحداث في البحر الأحمر.

(&) ارتفاع معدلات التضخم: تؤثر اضطرابات البحر الأحمر بشكل كبير على سلاسل الإمداد العالمية، حيثُ تؤدي هذه الاضطرابات إلى تأثُر شبكة المحيط بأكملها، إذ تواجه شبكة أوقيانوسيا ازدحامًا في مراكز جنوب شرق آسيا، وهذه الشبكة تعتبر بالغة الأهمية؛ لربط البضائع بشبكة ميرسك العالمية، وهو ما تسبب في التأخير والاختناقات، فوفقًا للبنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، ارتفع مؤشر ضغط سلسلة التوريد في العالم إلى (-0.03) نقطة في يونيو من (-0.50) نقطة في مايو 2024.

ومن هذا المُنطلق تأثرت دول منطقة الشرق الأوسط بشكل كبير من الاختلال في سلاسل الإمداد العالمية، التي انعكست على المعروض من السلع المختلفة داخل أسواق هذه الدول، وهو الأمر الذي أدى إلى ضغوطات كبيرة من الطلب المحلي؛ مما دفع معدلات التضخم إلى مستويات مرتفعة في هذه الدول كما يوضح شكل (2)، فقد سجل في السودان 145.5% في أبريل 2024، فالأزمة السودانية والاختلالات في حركة التجارة الناتجة عن أحداث البحر الأحمر، تسببت في هذا الارتفاع الكبير في معدلات التضخم، كما سجل في مصر حوالي 32.5%، وفي إريتريا حوالي 6.4%، فعند النظر في أسباب هذه المعدلات المُرتفعة من التضخم، لا يُمكن إنكار التأثير السلبي للاختناقات في حركة التجارة العالمية الناتجة عن توترات البحر الأحمر.

شكل (2) معدلات التضخم في الدول التي تطل على البحر الأحمر- صندوق النقد الدولي

(&) انخفاض الإيرادات الدولارية: يعتمد العديد من دول منطقة الشرق الأوسط على ساحل البحر الأحمر في الحصول على إيرادات دولارية، فدول الخليج العربي تنقل النفط الذي تصدره إلى الدول المختلفة عن طريق ساحل البحر الأحمر، كما أن السعودية في الوقت الحالي تلجأ إلى استراتيجية تنويع اقتصادها، أي تتجه نحو الاعتماد على الصادرات غير النفطية، وهذه الاضطرابات في البحر الأحمر تؤثر على حجم هذه الصادرات، فكما يوضح شكل (3) انخفضت هذه الصادرات من 17.33 مليار ريال في مارس 2024 إلى 16.23 مليار ريال في أبريل 2024، وهو الأمر الذي يُقلل من العائدات الدولارية في السعودية.

شكل (3) الصادرات غير النفطية للسعودية من أكتوبر 2023 إلى أبريل 2024- الهيئة العامة للإحصاء بالمملكة

وفي مصر تضررت عائدات قناة السويس بشكل كبير من جراء الاضطرابات في البحر الأحمر، إذ تحولت معظم السفن للمرور عبر طريق رأس الرجاء الصالح، وأظهرت بيانات البنك المركزي أن إيرادات قناة السويس تراجعت بنسبة 23.4% في العام المالي 2023/2024، إذ انخفضت من 9.4 مليار في العام الماضي إلى 7.2 مليار دولار، حيث إن إحصائيات الملاحة توضح أنه خلال العام المالي 2023/2024 انخفض عدد السفن من 25 ألفًا و911 سفينة في العام المالي السابق إلى 20 ألفًا و148 سفينة؛ وهو الأمر الذي يرجع حسبما أفاد رئيس هيئة قناة السويس، إلى أن مالكي ومُشغلي السفن اتخذوا طرقًا بديلة لقناة السويس؛ مما أدى إلى انكماش عدد السفن المارة منها، ويُمكن بلورة هذا الانعكاس في انخفاض العوائد الدولارية من قناة السويس بشكل كبير للدولة المصرية.

(&) تراجع الاستثمار في المنطقة: الاضطرابات التي تشهدها المنطقة في الوقت الحالي، تعمل على تراجع شهية المُستثمرين بشكل كبير، فالمُستثمر لا ينجذب إلى منطقة تنتشر فيها الصراعات؛ لأن اختياراته الاستثمارية تتوقف على توقعاته المُستقبلية لاقتصاديات الدول المختلفة، فكما يوضح شكل (4) انخفض حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مصر والأردن بنهاية عام 2023، مع اشتداد التوترات في البحر الأحمر، إذ انخفض الاستثمار الأجنبي المباشر في الأردن من 197.6 مليون دينار أردني في الربع الأول من عام 2023 إلى 109.4 مليون دينار أردني في الربع الرابع من عام 2023، بنسبة 44.6%، وفي مصر انخفض الاستثمار الأجنبي المباشر من 11.4 مليار دولار في عام 2022 إلى 9.84 مليار دولار في عام 2023 أي بنسبة 13.68%، وفقًا لتقرير الاستثمار العالمي الصادر عن الأونكتاد في 2024.

ويرجع انخفاض هذا المعدل بنسبة قليلة في الدولة المصرية؛ بسبب إجراءات الدولة المُختلفة في تحسين البنية التحتية وتوفير مناخ جاذب للاستثمار، وهو ما جعلها أكبر معدل للاستثمار الأجنبي المباشر في إفريقيا، في حين سجلت جنوب إفريقيا استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 5.2 مليار دولار في 2023، وهذا الانخفاض يرجع إلى تأثر هذه الدول من الأحداث الإقليمية المُتصاعدة.

شكل (4) حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مصر والأردن- البنك المركزي الأردني، الأونكتاد

(&) تضرر قطاع السياحة: يُعتبر قطاع السياحة من القطاعات التي ترتفع درجة مرونتها للتوترات المُختلفة، أي أنها تتأثر بشدة بهذه التوترات، فالسائح لا يأتي إلى منطقة تتصاعد بها درجة عدم الأمان، ففي الأردن تراجعت إيرادات القطاع السياحي بنسبة 4.9% في النصف الأول من عام 2024، كما تراجع عدد السياح بنسبة 7.9% مُقارنة بالفترة نفسها من عام 2023، وهو ما يوضح التأثير الكبير على قطاع السياحة من تداعيات الحرب في غزة.

وعليه يُمكن القول، إن الاضطرابات الجيوسياسية الحالية في البحر الأحمر، الناتجة عن تصاعد التوتر بين جماعة الحوثي والاحتلال الإسرائيلي، خاصة بعد اعتداء إسرائيل على ميناء الحديدة، تزيد من الأزمات الاقتصادية في العالم أجمع، والتي تؤثر بشكل أساسي على دول المنطقة، التي تضررت في العديد من المؤشرات والقطاعات الاقتصادية داخلها، خاصة قطاع الاستثمار والتجارة الخارجية، فضلًا عن التأثُر الكبير في ملاحة قناة السويس، الأمر الذي كان له العديد من التداعيات السلبية على الاقتصاد المصري، وانتقال هذه التداعيات إلى الدول الإفريقية الأخرى، التي تعتمد على هذه القناة في تجارتها؛ مما يؤكد أن استمرار هذه الاضطرابات لن يكون في مصلحة دول العالم أجمع، وهو الأمر الذي يستدعي العمل على حلها في أسرع وقت من خلال التوصل إلى وقف الحرب في غزة.