الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

الأولويات الاقتصادية في التعاون الصيني العربي

  • مشاركة :
post-title
منتدى التعاون العربي الصيني

القاهرة الإخبارية - د. محمد أبو سريع

شهدت العاصمة الصينية بكين، اليوم الخميس 30 مايو 2024، انطلاق فعاليات المؤتمر الوزاري العاشر لمنتدى التعاون الصيني العربي، بحضور كل من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ونظيره الصيني شي جين بينج وقادة الإمارات والبحرين وتونس.

وتعد مشاركة القادة العرب في اجتماعات هذا المنتدى، رسالة لتأكيد التعاون العربي الصيني المتعدد المجالات وفي مقدمتها بطبيعة الحال المجال الاقتصادي التنموي، بما يعزز العلاقات بين العرب والصين، التي تسعى في المقابل للعب دور أكبر في قضايا منطقة الشرق الأوسط بوصفها أحد الأقطاب العالمية.

ويعكس الحضور العربي الرفيع لهذه النسخة من المنتدى، مستوى الشراكة المتزايد بين الصين والدول العربية في السنوات الأخيرة، فهناك نحو 14 دولة عربية تحتفظ بعلاقات شراكة استراتيجية شاملة مع الصين حاليًا.

في هذا السياق، تُثار العديد من التساؤلات وهي: ما الأولويات الاقتصادية للمؤتمر الوزاري العاشر لمنتدى التعاون العربي الصيني 2024؟، وكيف تبدو آفاق التعاون الاقتصادي بين الصين والدول العربية المشاركة بالمنتدى في ضوء هذه الأولويات؟ وما أهم آليات التعاون التي تحقق تلك الأولويات وتحولها إلى واقع مُعاش.

أولويات اقتصادية مشتركة

يمكن تحديد عدة أولويات اقتصادية مهمة لتعزيز العلاقات بين الصين والدول العربية على النحو التالي:

(*) تعزيز التعاون الاقتصادي متعدد المجالات: يشمل هذا التعاون مجالات متعددة مثل الطاقة والتجارة والفضاء والتكنولوجيا، بالإضافة إلى ضمان مرونة سلاسل الإمدادات وأمن الغذاء والطاقة، ويعكس ذلك أهمية التنسيق العربي الصيني في هذه المجالات لضمان التنمية المستدامة والاستقرار الاقتصادي للطرفين.

(*) دعم مبادرة الحزام والطريق الصينية: تستهدف هذه المبادرة بناء بنية تحتية مترامية الأطراف تشمل الموانئ والسكك الحديدية والمطارات والتجمعات الصناعية في الدول العربية، ومن شأن هذا التعاون تعزيز الروابط التجارية وزيادة الاستثمارات المتبادلة، ما يسهم في التنمية الاقتصادية للدول المشاركة.

(*) دعم التنمية المستدامة وأهداف الأمم المتحدة لعام 2030: يستهدف التعاون الاقتصادي بين العرب والصين تحقيق التنمية وفقًا لأهداف الأمم المتحدة، ويمكن تحقيق ذلك عبر تحقيق الأمن لمختلف الأطراف والتعاون الشامل فيما بينهم.

حدود تعاون المشاركين في المنتدى

يشارك قادة أربع دول عربية في النسخة الحالية من منتدى التعاون الصيني العربي "مصر والإمارات والبحرين وتونس"، ويمكن تحديد آفاق التعاون الاقتصادي الثنائي بين هذه الدول من جهة والصين من جهة أخرى، على النحو التالي:

(&) آفاق التعاون الاقتصادي بين مصر والصين: يحمل هذا التعاون آفاقًا واسعة تعزز من الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، ويمكن تحديد هذه الآفاق في عدة مجالات اقتصادية، يأتي في مقدمتها كل من التجارة والاستثمار، فقد شهدت العلاقات التجارية بين الصين ومصر نموًا ملحوظًا، إذ تعتبر الصين أحد أكبر الشركاء التجاريين لمصر، وتستثمر بكين في العديد من القطاعات المصرية بما في ذلك البنية التحتية، التصنيع، والطاقة، ومن المتوقع أن يستمر هذا النمو مع مزيد من الاستثمارات في مشروعات كبرى مثل العاصمة الإدارية الجديدة ومشروعات الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، كما تستثمر الشركات الصينية في مشروعات النفط والغاز في مصر، ما يعزز من أمن الطاقة في مصر.

وعلى صعيد مبادرة الحزام والطريق، تلعب مصر دورًا محوريًا في المبادرة الصينية، التي تهدف إلى تعزيز الروابط التجارية والاقتصادية بين آسيا وأوروبا وإفريقيا، من خلال تطوير البنية التحتية مثل الموانئ والطرق، إذ يمكن لمصر أن تصبح مركزًا لوجستيًا إقليميًا.

وتسهم الصين في جهود تطوير المنطقة الاقتصادية لقناة السويس كمركز صناعي ولوجستي، ما يسهم في زيادة التجارة الدولية وتعزيز مكانة مصر كمحور تجاري إقليمي، ويتوسع التعاون بين الصين ومصر في مجال التكنولوجيا والابتكار، وتعمل الشركات الصينية مع نظيراتها المصرية في مجالات مثل الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وهناك اهتمام متزايد بتطوير قطاع التصنيع التكنولوجي في مصر بمساعدة الشركات الصينية.

(&) آفاق التعاون الاقتصادي بين الإمارات والصين: يمكن تحديد مجالات هذا التعاون في كل من التجارة والاستثمار؛ فالإمارات هي أكبر شريك تجاري للصين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ومن المتوقع أن يستمر النمو في حجم التجارة الثنائية، خاصة مع التركيز على قطاعات مثل التكنولوجيا والابتكار والبنية التحتية، وتستثمر الشركات الصينية في مشروعات كبرى داخل الإمارات، مثل ميناء خليفة ومشروع السكك الحديدية الوطنية.

وما يعزز التعاون الاقتصادي بين البلدين، مبادرة الحزام والطريق، إذ تلعب الإمارات دورًا رئيسيًا في هذه المبادرة التي تهدف إلى تعزيز الروابط التجارية بين آسيا وأوروبا وإفريقيا، وتسهم البنية التحتية المتطورة بالإمارات في دعمها كمركز لوجستي مهم ضمن هذه المبادرة.

ويوجد تعاون كبير في مجال الطاقة بين البلدين، خاصة بمجالات الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والنووية، وتعمل الشركات الصينية على مشروعات ضخمة في قطاع الطاقة بالإمارات، بما في ذلك محطة الطاقة الشمسية الأكبر في العالم بدبي.

إلى جانب ذلك يحظى التعاون في مجالات التكنولوجيا والابتكار باهتمام متزايد من الجانبين، إذ تستثمر الصين في الشركات الناشئة بالإمارات، وتعمل الشركات الإماراتية والصينية معًا في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المالية، وشهدت العلاقات المالية بين البلدين نموًا ملحوظًا، مع مشاركة البنوك الصينية في العديد من المشروعات الاستثمارية والتمويلية بالإمارات، فضلًا عن التعاون في مجال التكنولوجيا المالية وتطوير الأنظمة المصرفية الرقمية.

ويمثل قطاع السياحة مجالًا آخر للتعاون المثمر بين الصين والإمارات، إذ يعمل البلدان على تعزيز التبادل السياحي والثقافي، وتعد الإمارات وجهة مفضلة للسياح الصينيين، ما يعزز العلاقات الثقافية والاقتصادية بين البلدين.

(&) آفاق التعاون الاقتصادي بين البحرين والصين: يتضمن التعاون الاقتصادي بين الصين والبحرين عدة مجالات رئيسية يمكن أن تعزز العلاقات الثنائية وتسهم في التنمية الاقتصادية للطرفين، ويأتي في مقدمة هذه المجالات؛ التجارة والاستثمار، فالعلاقات التجارية بين الصين والبحرين في تصاعد مستمر، مع زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين، كما تستورد البحرين مجموعة واسعة من المنتجات الصينية، وتصدر منتجاتها إلى السوق الصينية، ومن المتوقع أن تستمر هذه الاتجاهات في النمو مع زيادة الاستثمارات الصينية في قطاعات مثل الصناعة والخدمات اللوجستية بالبحرين.

وتشارك كذلك الشركات الصينية في مشروعات تطوير البنية التحتية بالبحرين، بما في ذلك مشروعات الطرق والجسور والموانئ، وتسهم هذه الاستثمارات في تحسين البنية التحتية الأساسية وتعزيز القدرة التنافسية للبحرين كمركز لوجستي وتجاري بالمنطقة، فضلًا عن تعاون البلدين في مجال الطاقة، خاصة في مشروعات الطاقة المتجددة، إذ تستفيد البحرين من التكنولوجيا والخبرات الصينية في تطوير مشروعات الطاقة الشمسية والرياح، ما يساعد في تنويع مصادر الطاقة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.

وهناك اهتمام متزايد بالتعاون بين البلدين في مجالات التكنولوجيا والابتكار، بما في ذلك تطوير حلول التكنولوجيا المالية والتحول الرقمي، إذ يمكن للشركات الصينية والبحرينية العمل معًا لتطوير تقنيات جديدة وتعزيز الابتكار في القطاعات المختلفة، بالإضافة إلى التعاون بين الطرفين في القطاع المالي، إذ تعد البحرين مركزًا ماليًا إقليميًا، وهناك فرص لتعزيز التعاون المالي بين البنوك والمؤسسات المالية الصينية والبحرينية، ويشمل هذا التعاون توفير التمويل للمشروعات المشتركة وتبادل الخبرات في مجال الخدمات المالية.

(&) آفاق التعاون الاقتصادي بين تونس والصين: تشمل هذه الآفاق العديد من المجالات الواعدة التي يمكن أن تعزز العلاقات الثنائية وتدعم التنمية الاقتصادية لكلا البلدين، ويأتي على رأس هذه المجالات؛ التجارة والاستثمار، إذ تعد الصين أحد أكبر الشركاء التجاريين لتونس، وتشمل الصادرات التونسية إلى الصين المنتجات الزراعية، والنسيج، والمعادن، بينما تستورد تونس من الصين الآلات والمعدات والإلكترونيات، ويمكن أن تشهد هذه العلاقات التجارية توسعًا مع توقيع اتفاقيات جديدة وزيادة الاستثمارات الصينية في الصناعات التونسية.

وتشارك الصين بشكل كبير في تطوير البنية التحتية بتونس، بما في ذلك مشروعات الطرق والجسور والموانئ والمطارات، ما يعزز القدرة التنافسية لتونس كمركز لوجستي وتجاري في المنطقة.

وهناك تعاون متزايد بين البلدين في مجال الطاقة، خاصة في مشروعات الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، إذ تعمل الصين على تقديم التكنولوجيا والخبرات لدعم تونس في تنويع مصادر الطاقة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.

ويمكن أن يلعب قطاع السياحة دورًا مهمًا في التعاون الاقتصادي بين الصين وتونس، إذ يسعى البلدان إلى تعزيز السياحة المتبادلة من خلال برامج ترويجية واتفاقيات تسهيل التأشيرات، ويمكن أن يعزز هذا التعاون التدفقات السياحية ويزيد من الإيرادات السياحية.

ويُضاف لما سبق، التعاون في مجالات التكنولوجيا والابتكار الذي يمكن أن يشهد نموًا ملحوظًا في الفترة المقبلة، ويمكن للشركات التونسية والصينية العمل معًا في تطوير حلول التكنولوجيا المالية.

وبشكل عام، تتسم العلاقات الاقتصادية بين الصين والدول العربية الأربعة بالتنوع والتوسع في العديد من المجالات الحيوية، ما يسهم في تحقيق النمو الاقتصادي المستدام للطرفين، فالتعاون الاقتصادي في هذه المجالات يعزز من الشراكة الاستراتيجية بين الصين وهذه الدول، ما يسهم في تحقيق النمو الاقتصادي المستدام لكل من الجانبين العربي والصيني.

منصة مؤثرة:

يمثل منتدى التعاون النافذة الرئيسية لتطوير العلاقات العربية الصينية، حيث تم توقيع وثيقة المنتدى بين الجانبين العربي والصيني عام 2004، بهدف تعزيز التعاون بين الدول العربية والصين في مجالات الاقتصاد والتجارة والثقافة والسياحة والتعليم وغير ذلك، وشهدت علاقات الجانبين، في أعقاب ذلك، تطورات مهمة على العديد من المستويات وفي مجالات متنوعة؛ بحيث تطورت علاقات الجانبين بشكل أكبر وانتقلت لمراحل أكثر تقدمًا، وقد وفر المنتدى آليات مهمة، بما أسهم في استكشاف آليات ومجالات جديدة للتعاون بين الجانبين في مواجهة التحديات المتزايدة.

ويُعدّ منتدى التعاون العربي الصيني منصة لتعزيز العلاقات الثنائية بين الدول العربية والصين، وتعميق التفاهم المتبادل والتعاون الاستراتيجي بين الجانبين، وعلى مدار العشرين عامًا الماضية، أسهم المنتدى في تعميق هذا التعاون في العديد من المجالات عبر تدشين آليات متنوعة ساعدت على تحقيق هذا الهدف، إذ يُشكل التعاون العربي الصيني في إطار المنتدى واحدًا من أبرز وأنجح تجارب التعاون عبر الإقليمي.

اكتسبت هذه العلاقات خلال العشرين عامًا الماضية زخمًا مهمًا في إطار منتدى التعاون العربي الصيني، إذ أسهم المنتدى في وضع إطار مؤسسي لعلاقات الجانبين، كما تم من خلال المنتدى اكتشاف أوجه القصور في بعض الجوانب الخاصة بالعلاقات بين الطرفين، ومن ثم وضع الآليات الملائمة للارتقاء بتلك الجوانب، فهناك أكثر من 17 آلية للتعاون، ووفقًا لتقرير صادر عن وزارة الخارجية الصينية، ديسمبر 2022، من بينها الاجتماع الوزاري واجتماع كبار المسؤولين، والمنتدى العربي الصيني للإصلاح والتنمية ومؤتمر رجال الأعمال العرب والصينيين وملتقى المدن العربية والصينية ومؤتمر التعاون العربي الصيني لنقل التكنولوجيا والإبداع، ليتحول بذلك المنتدى إلى إطار شامل لعلاقات بين الجانبين.

إجمالًا، يمكن القول إن العلاقات العربية الصينية توفر فرص هائلة للتعاون الاقتصادي في مجالات متعددة، بما في ذلك التجارة والاستثمار والبنية التحتية والطاقة والتكنولوجيا وغيرها، وخلال السنوات الأخيرة، شهدت الصين نموًا اقتصاديًا هائلًا وتعزيزًا لدورها على الساحة الدولية، بينما برزت الدول العربية بوصفها مركزًا مهمًا للاستثمار والتجارة، وتعكس العلاقات العربية الصينية هذه التطورات المتسارعة، مع استمرار تعزيز التبادل التجاري والاستثماري بين الطرفين. وبشكل عام، لا ينظر العرب للصين كشريك اقتصادي فحسب، وإنما أيضًا كتجربة رائدة في العديد من المجالات، إذ تقدم الصين نموذجًا مهمًا وملهمًا للتنمية والتطور.