الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

ما التحديات الاقتصادية أمام الرئيس الإيراني القادم؟

  • مشاركة :
post-title
التحديات الاقتصادية في إيران- صورة تعبيرية

القاهرة الإخبارية - رضوى محمد

فتحت إيران، يوم الخميس 30 مايو، باب الترشح للراغبين في خوض الانتخابات الرئاسية المقرر لها في 28 يونيو المقبل، وذلك بعد الإعلان عن وفاة الرئيس الإيراني "إبراهيم رئيسي" في حادث الطائرة المروحية الذي وقع يوم الأحد الموافق 19 مايو الجاري 2024، ومن المؤكد أن الرئيس القادم للبلاد سيواجه ميراثًا كبيرًا من الأزمات الاقتصادية التي عانى منها الاقتصاد الإيراني خلال الفترة الأخيرة، و التي كانت السبب وراء الاحتجاجات الشعبية المُتزايدة في عام 2023، إذ أظهرت الإحصائيات أنه تم تنظيم 560 مسيرة احتجاجية في 81 يومًا من جميع أنحاء البلاد؛ بسبب الظروف الاقتصادية، مما يضع الكثير من الطموحات على الرئيس الإيراني القادم.

وتأسيسًا على ما سبق، يحاول هذا التحليل التعرف على الأزمات الاقتصادية في إيران، بالإضافة إلى توضيح أسبابها والتوقعات المُستقبلية للاقتصاد.

تحديات هيكلية

يُمكن الاستدلال على الأزمات الاقتصادية التي تواجه الاقتصاد الإيراني على النحو التالي:

(-) ارتفاع مؤشر أسعار المستهلك: يُعتبر التضخم من المشاكل الهيكلية التي يُعاني منها الاقتصاد الإيراني، فكما يُشير الشكل (1) أن مؤشر أسعار المستهلك سجل معدلات مرتفعة خلال عام 2023، إذ بلغ 217% في نهاية عام 2023، وفي الربع الأول من عام 2024 ارتفع مؤشر أسعار المستهلك بشكل كبير، إذ سجل في أبريل 236.3%، بمعدل نمو بلغ 2.6 % عن شهر مارس، ويُستدل على ذلك أنه في بداية العام الإيراني الجديد في مارس 2024، ارتفعت تكلفة المواد الغذائية الأساسية بشكل كبير، وهو ما انعكس على أسعار السلع في الأسواق، ويرجع السبب الرئيسي لمشكلة التضخم التي تواجه الاقتصاد الإيراني هو الانخفاض الكبير في قيمة العملة الإيرانية.

الشكل (1) يوضح مؤشر أسعار المستهلك في إيران من مايو 2023 إلى أبريل 2024 -المصدر: المركز الإحصائي الإيراني

(-) انخفاض قيمة العملة: أشارت مجلة فوربس في أحدث تقرير لها إلى أن الريال الإيراني هو العملة الأضعف في العالم، فكما يوضح الشكل (2) بلغ سعر الريال الإيراني 42.075 ألف للدولار الواحد في 27 مايو 2024، بالمُقارنة بـ 27.162 ألف في عام 2014، أي انخفض الريال الإيراني بنسبة 54.9 % على المستوى الرسمي، وفي السوق الموازية انخفض الريال الإيراني بشكل كبير جدًا، إذ يُباع الدولار في هذا السوق بحوالي 650 ألف للدولار بعد حادثة الرئيس الإيراني، مُرتفعًا عن 230 ألف ريال للدولار، وتُشير هذه الاحصائيات إلى مدى الضعف الكبير في قيمة عملة الاقتصاد الإيراني.

الشكل (2) يوضح سعر صرف الريال الإيراني أمام الدولار

(-) ارتفاع حجم الديون: تُعد مشكلة الديون من المشاكل الكبرى في الاقتصاد الإيراني، إذ قدر صندوق النقد الدولي ديون الحكومة الإيرانية بحوالي 118 مليار دولار، وهو ما يُمثل 30.5% من الناتج المحلي الإجمالي السنوي، و 2.5 ضعف موازنة العام المالي الحالي، حيث كان نهج الحكومة الإيرانية هو الاقتراض بالكامل من البنوك المحلية والبنوك شبه الحكومية، الأمر الذي جعل البنوك والمؤسسات المالية في إيران تواجه وضعًا ماليًا غير مُستقر، إذ ارتفعت ديون البنوك بنسبة 430% في الربع الثاني من عام 2023، وهو ما جعلها تلجأ إلى البنك المركزي الإيراني، الذي قام بدوره بطباعة المزيد من النقود غير المدعومة في الاقتصاد؛ لتوفير السيولة للبنوك وللحكومة، فوفقًا لآخر إحصائية للبنك المركزي الإيراني في الربع الثاني من عام 2023، بلغ إجمالي النقد المطبوع 1481 تريليون ريال.

(-) ارتفاع معدلات البطالة: يُعاني الاقتصاد الإيراني من ارتفاع معدلات البطالة، فكما يوضح الشكل (3) أن معدلات البطالة ارتفعت من 7.6% في الربع الرابع من عام 2023 إلى 8.6% في الربع الأول من عام 2024، وذلك بصفة خاصة بين الشباب، إذ تتجاوز البطالة بين هذه الفئة الـ 15%، ويوضح مركز الإحصاء الإيراني أن من إجمالي 64 مليون و550 ألف إيراني فوق سن الـ 15 عامًا، يعمل منهم فقط 26 مليونًا و638 ألف شخص، أي 41.3%، وهو الأمر الذي يوضح الارتفاع الكبير في أعداد العاطلين داخل الاقتصاد الإيراني.

الشكل (3) يوضح معدلات البطالة في الاقتصاد الإير اني من الربع الأول 2022 إلى الربع الأول 2024- المصدر: البنك المركزي الإيراني

(-) ارتفاع عجز الميزان التجاري: عانت التجارة الخارجية غير النفطية من اختلالاً كبيرًا خلال عام 2023، حيث قام الشركاء التجاريون بتخفيض واردتهم من البضائع الإيرانية كما أظهرت العديد من البيانات الاقتصادية، فقد انخفضت التجارة بين الهند وإيران بنسبة 34% في عام 2023، وبالتالي انخفضت الصادرات الإيرانية من 17.3 مليار دولار في الربع الثاني من عام 2022 إلى 11.7 مليار دولار في الربع الثالث من عام 2023، وهو ما أدى إلى العجز الذي يُعبر عنه الشكل (4)، إذ بلغ العجز التجاري 4.7 مليار دولار في الربع الثالث من عام 2023، بالمُقارنة بفائض تجاري قيمته 4.3 مليار دولار في الربع الثاني من عام 2021.

الشكل (4) يوضح عجز الميزان التجاري في إيران من الربع الثاني 2021 إلى الربع الثالث2023 -المصدر: البنك المركزي الإيراني
أسباب دافعة

يرجع الوضع الاقتصادي المتدهور للاقتصاد الإيراني إلى مجموعة من الأسباب، التي سيتم توضيحها فيما يلي:

(-) العقوبات الغربية على إيران: تُساهم العقوبات الغربية على الدولة الإيرانية في جزء كبير من الأزمات الاقتصادية التي تواجه الدولة، إذ تؤثر هذه العقوبات على علاقة إيران مع العالم الخارجي بشكل كبير، مما يجعل ميزان العلاقات التجارية مع معظم الدول الكبر ى في عجز كبير، ولما كان الاقتصاد الإيراني يعتمد على صادرات النفط بشكل كبير للغاية، إذ تُمثل 90% من إجمالي عائدات التصدير و60% من الإيرادات الحكومية، فإنه تأثر بشده من هذه العقوبات، فقبل فرض العقوبات الغربية على إيران، سجلت عائدات تصدير النفط الإيراني مستويات كبيرة، إذ بلغت 119 مليار دولار في عام 2011، بينما انخفضت إلى 55.4 مليار دولار في عام 2022، وهو الأمر الذي يوضح فعالية هذه العقوبات على الاقتصاد الإيراني، خاصة بعد انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي الإيراني في عام 2018.

(-) ضعف التخطيط الاقتصادي: أثر التخبط في القرارات الاقتصادية في تراجع أداء الاقتصاد الإيراني بشكل كبير، إذ أن ضغط الحكومة على البنوك المحلية؛ للاقتراض منها، جعل القطاع المصرفي بالكامل في الدولة الإيرانية يُعاني من أزمة سيولة، وهو الأمر الذي يولد العديد من المشاكل الاقتصادية، فالدولة الإيرانية كانت تستطيع فتح علاقات خارجية أكثر نجاحًا مع العديد من الدول، خاصة دول الخليج العربي، بدلاً من التوسع في الاقتراض المحلي، مما يعمل على اندماجها بشكل أكبر في الاقتصاد العالمي، وتدفق العديد من رؤوس الأموال إليها في صورة استثمارات قصيرة الأجل وطويلة الأجل.

(-) عدم تنوع الاقتصاد الإيراني: يتسم الاقتصاد الإيراني بقلة المرونة والتنوع، نتيجة اعتماده بشكل كبير على النفط وعائداته، مما يجعل الاقتصاد متأثر بشدة من التوترات التي تحدُث في أسواق النفط العالمية، فالهيكل شبه الجامد للاقتصاد، يجعل الأزمات الاقتصادية متلاحقة وهيكلية داخل الدولة.

توقعات مُستقبلية

من قراءة الوضع الحالي في إيران يُمكن توقع مجموعة من النقاط على النحو التالي:

(-) استمرار العقوبات الغربية: سيستمر الاقتصاد الإيراني في المُعاناة من العقوبات الغربية في ظل تولي رئيس جديد للبلاد، خاصة في ظل إمكانية تغيير القيادة الأمريكية في الانتخابات الرئاسية المُقبلة، حيث إن استمرار "جو بايدن" في الحكم سيؤدي إلى إمكانية إحياء الاتفاق النووي مع إيران، بينما في حالة فوز "دونالد ترامب" ستزداد العزلة الغربية للاقتصاد الإيراني، وهو ما يضع الرئيس الجديد في نفس القيود التي عاصرها الرئيس الراحل " إبراهيم رئيسي".

(-) احتمالية تنويع العلاقات الاقتصادية: إن تنويع العلاقات الاقتصادية لإيران والتوجه شرقًا بهذه العلاقات، يتوقف على من سيكون خليفة "رئيسي"، وهل سيكون من المُتشددين أو من الإصلاحيين، فتنويع العلاقات الاقتصادية للدولة يتطلب قدرًا من المرونة والذكاء الدبلوماسي في التعامل مع دول الجوار، الأمر الذي يخلق هيكلًا اقتصاديًا متنوعًا قادرًا على امتصاص الأزمات الداخلية والخارجية.

(-) استمرار تراجع مؤشرات الاقتصاد: من المتوقع أن تُساهم التوترات الجيوسياسية الحالية في منطقة الشرق الأوسط وضعف الطلب العالمي على النفط وانخفاض حجم الاستثمارات داخل الدولة الإيرانية على تراجع المؤشرات الاقتصادية خلال السنوات المُقبلة، فقد أوضح أحدث تقرير للبنك الدولي في أبريل 2024 كما يوضح الشكل ( 5 )، أن نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي سيتراجع إلى متوسط نمو سنوي قدره 2.8% من 2024/2025 إلى 2026/2027 كما يعبر عنه الخط الأزرق، إذ ستنخفض مُساهمة قطاع الزراعة والخدمات في الناتج، وكما أشار التقرير إلى أن نسبة الدين العام من الناتج ستزداد من 30.1% في 2022/2023 إلى 35.9% في 2026/2027، وهو ما يوضح أن الافاق المُستقبلية للاقتصاد الإيراني لا تحمل الكثير من التوقعات الإيجابية.

الشكل (5) يوضح توقعات الناتج المحلي الإجمالي لإيران في العام المالي 2025/2026- المصدر: البنك الدولي

وعليه يُمكن القول إن الرئيس الإيراني القادم سيواجه العديد من التحديات الاقتصادية التي تتطلب اتخاذ سياسات واستراتيجيات قائمة على المنفعة الاقتصادية للدولة، فإيران تُعاني من مشكلات هيكلية كبيرة نتجت عن التخبط في القرارات الاقتصادية التي اتخذت خلال الفترة الأخيرة، بالإضافة إلى تأُثر الاقتصاد الإيراني بالعقوبات الغربية والتوترات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط، مما يزيد من مسؤوليات الرئيس الإيراني القادم بشكل كبير.