استُشهد تسعة من أشقائي وأبناؤهم أثناء تنفيذ الفيلم ولم أستطع استكماله
دفعت الحرب الإسرائيلية الغاشمة على قطاع غزة منذ 11 شهرًا إلى تحويل وسائل المواصلات من سيارات تعمل بالوقود إلى "عربات الكارو"، لتكون الحل السحري في عمليات الترحال والنزوح من مكان لآخر، وهو ما دفع المخرجة الفلسطينية اعتماد وشح التي عانت ويلات الحرب أن تجسد في فيلم " تاكسي ونيسة" رحلة شاب يدعى "أحمد"، دفعته الظروف لمرافقة "حمارة" في حياته، وأطلق عليها "ونيسة"، لتوثق رحلة ملطخة بالدماء والكد والسعي على لقمة العيش، في ظل ظروف حرب مريرة.
طوعت المخرجة الفلسطينية أدواتها لتقديم قصة حقيقية، تعكس مرارة الواقع الفلسطيني، كان بطلاها "أحمد" والحمارة "ونيسة"، وتسرد "وشح" في حوارها مع موقع "القاهرة الإخبارية" تفاصيل قصة فيلمها التي قدمتها ضمن سلسلة "المسافة صفر" قائلة": "تتمحور قصة العمل حول شاب فلسطيني اضطر إلى النزوح أكثر من مرة في قطاع غزة، ثم الذهاب إلى مدينة رفح بصحبة عائلته وأولاده والتواجد في مخيم من مخيمات النزوح، وكانت معه الحمارة التي يعتبرها بمثابة صديقته، وهي مصدر رزقه، والتي أطلق عليها "ونيسة".
في ظل ظروف الحرب التي دمرت كل شيء، لم يجد الشاب "أحمد" إلا "ونيسة" لتكون مصدر رزقه، حيث كان يستخدمها لنقل الأشخاص في أماكن مختلفة برفح، ولم تكن صديقته فحسب ولكن وسيلته الوحيدة لكسب الرزق وسط الزحام الشديد؛ بسبب النزوح من أغلبية النساء والشباب باحثين عن مكان آمن للحماية من القصف الإسرائيلي.
أثرت حالة الازدحام الشديد على المياه، بعد قصف الاحتلال الإسرائيلي خزانات المياه؛ ما نتج عنه شح المياه، في فتح مصدر رزق جديد لـ"أحمد" من خلال استعانته بـ "ونيسة" التي تنقل أبناء غزة من مكان لمكان؛ للبحث عن المياه والعيش، بعد تجمع الآلاف على المخابز بعد قصف عدد كبير منها، لتؤكد مخرجة الفيلم أنه خلال نقل "أحمد" للمواطنين من مكان لآخر، كان يسمع قصصهم وحكاياتهم، ليصادفه شاب ويطلب منه توصيله إلى مكان بعيد، إذ حصل الأخير على " كابونة" وهي عبارة عن معلبات غذائية تأتي من مساعدات إنسانية تعينهم، في ظل تجويع الاحتلال الإسرائيلي للمواطنين.
لم يكن يعلم "أحمد" الذي بادر بالموافقة على نقل الشاب، أنه لن يعود لمخيمه وأولاده، لتقول اعتماد وشح: "بعدما استطاع "أحمد" إيصال الشاب للمكان البعيد الذي كان يريده، استهدفته طائرات الاستخبارات الإسرائيلية "الزنانة" والتي كانت تتجول بكثافة في السماء أثناء عودته، ليضاف "أحمد" إلى قائمة الشهداء، بينما تعود "ونيسة" بمفردها بدون صاحبها".
تعرضت مخرجة العمل لظروف صعبة وقاسية أثناء تنفيذ الفيلم، ليس فقط لنقص المعدات وحالة الخوف التي سيطرت على مشاعرها في ظل الحرب، ولكن لتعرض أشقائها وأولادهم للقصف ونيلهم الشهادة لتقول عن ذلك: "أثناء تنفيذ الفيلم استهدف جيش الاحتلال أشقائي وأولادهم التسعة واستشهدوا جميعًا، بعدما تم قصف منازلهم ولم أستطع استكمال الفيلم وتوقفت وظهرت في نهايته وسردت قصتي وقصة أشقائي وأبنائهم".
تضيف: "هذه قصة الفيلم التي تعتمد على واقع الإنسان الفلسطيني المرير الذي يتعرض يوميا لويلات من الحروب والقصف والموت والإبادة المستمرة ولكن مازلنا مستمرين رغم كل الظروف الصعبة التي نمر بها، فظروف الإنتاج لم تكن سهلة، ولكن استطعنا وضع بصمة في العمل السينمائي رغم الصعوبات وقلة التمويل والتحيز والتمييز حيث أن الرجال لديهم القدرة على التنقل بحرية أكبر بينما يصعب على النساء ذلك، وبعد تجاربنا في العمل الميداني وتغير الصورة النمطية، استطعنا توصيل رسالتنا لكل العالم، ورغم الظلم الذي نتعرض له ولكننا كشعب نحب ونعشق الحياة والعمل ونريد أن نحيا في أمان".