في الوقت الذي ودّعت فيه "فرح" طفولتها ببلوغها 15 عامًا، كانت على موعد مع وداع آخر لحياتها الطبيعية بنشوب حرب غزة، التي ساهمت في مضاعفة عمرها أعوامًا، فما قاسته هي وأسرتها على مدار العشرة أشهر الماضية فاق تصوراتهم، وهو ما دفع شقيقتها المخرجة إسلام الزريعي لتوثيق تجربتهم في الحرب من خلال فيلم حمل اسم "فلاش باك".
تقول إسلام الزريعي في حوارها مع موقع "القاهرة الإخبارية": "الفيلم يسرد قصة حقيقية لطفلة تدعى "فرح" تبلغ من العمر 15 عامًا، عاشت ظروفًا صعبة وكانت شاهدة عيان على الضربة الأولى من الحرب والقصف والإخلاء والنزوح، فوثقت في العمل كيف تعاملت "فرح" مع الموضوع بعد الإخلاء، ونَقلتُ مشاعرها واشتياقها إلى مدرستها وكتبها الدراسية، وقد تعرضت لقصف مباشر في الحرب وهو ما دفعها للنزوح من بيتها لمكان آخر، وفي الفيلم نلمس عن قرب الصعوبات النفسية التي لا تستطيع أن تواجهها بالحرب، خصوصًا صوت الزنانة وهي دائمًا تضع سماعات في أذنيها لتمارس هوايتها سواء الرسم أو الكتابة، وأحيانًا يدفعها هذا الصوت المستمر والمتواصل في سماء غزة للرقص عليه لمواجهة الواقع المؤلم".
تؤكد إسلام الزريعي، التي تعمل مونتيرة ومصورة وصانعة أفلام، أنه كان من الصعب تقديم فيلم وسط الحرب، في الوقت الذي كانت فيه صديقتها تشجعها على هذه الخطوة، فاختارت أن تحكي قصتها التي عاشتها واختارت شقيقتها الصغرى "فرح" لتكون بطلة الرواية، إذ سجلت من خلال كاميراتها مشاهد حقيقية من قصف وتدمير ونزوح.
تعرّضت مخرجة العمل لصعوبات كثيرة وخاطرت بحياتها أكثر من مرة، وتسرد تفاصيل مشهد لم تضعه في الفيلم قائلة: "صوّرت في مدرسة مليئة بالنازحين، وخاطرت بالذهاب لمنطقة يصنّفها جيش الاحتلال الإسرائيلي بأنها "خطيرة" ويضع عليها لونًا أحمر، ورغم ذلك صوّرت بها مشاهد حقيقية لكن لم أضعها بالفيلم، كما صوّرت "فرح" وهي ترتدي الزي المدرسي وتعمدت إظهاره للإشارة إلى رغبتها وتمسكها بالعودة للمدرسة التي انقطعت عنها بسبب الحرب، حيث لا تعمل المدارس بقطاع غزة على مدار 10 أشهر منذ اندلاع الحرب، وتحولت الحقيبة من حمل الكتب الدراسية إلى وضع الملابس بها مع عمليات النزوح المتكررة".
لم يكن التصوير أمرًا سهلًا أمام أشخاص يواجهون الموت كل يوم، وتقول عن ذلك: "كان نزول الشارع في هذا الوقت صعب للغاية ومخاطرة كبيرة، والإمساك بكاميرا كان شبه مستحيلًا، فالناس لم تتحمل تصويرهم بالكاميرا، ولذلك كنت أصعد فوق سطح البناية السكنية لتصوير المشاهد".
لم تتمكن "إسلام" من مونتاج ما صوّرته، فمرت بتجربة صعبة للغاية لإرسال كل الفيديوهات التي صوّرتها إلى المخرج رشيد المشهراوي صاحب فكرة مشروع "المسافة صفر"، وتحكي عن معاناتها في توصيل الفيديوهات قائلة: "بعد تصوير المادة كنت منهمكة بإرسال المادة للمخرج رشيد مشهراوي لأنه كان من الصعب مونتاجه في غزة مع عدم وجود معدات كافية للمونتاج، وعدم توفر الإنترنت أو الكهرباء، وواجهت صعوبات كبيرة في إرسال ما قمت بتصويره، وبعد محاولات مضنية وصلت إلى خيمة الصحفيين، واضطر الجميع لفصل الإنترنت عن أجهزتهم من أجل تحميل الفيديوهات، كما طلب مني المخرج إعادة تصوير مشاهد وواجهت الصعوبة نفسها في إرسالها".
تختتم: "واجهت الموت أكثر من مرة، ففي إحدى المرات تم قصف المخيم الذي كان من المفترض إرسال الفيديوهات منه، ورغم صعوبة التجربة لكني فخورة بأننا نروى قصصًا حقيقية عن أنفسنا وحياتنا لفترة مهمة بغزة، وننقل مشاعر حقيقية داخل القطاع، فقدمت تجربة واقعية عشتها مع آلاف الأشخاص، رغم أنني كنت مترددة في البداية لكن صديقتي ورشيد مشهراوي دعّماني".