مخرجة العمل: رفضت أخذ كتاب "الطنطورية" أملا في العودة لمنزلي بعد التهجير
تلقيت صدمات متتالية منها استشهاد صديقتي التي أهديت لها الفيلم
أفواج من آلاف البشر تقطع مسافات طويلة هربًا من الموت وبحثًا عن مكان آمن تجر وراءها حمولة ثقيلة، ليس فقط أمتعة وأغراض تعينهم في حرب ضروس، ولكن حمولة زائدة من الألم النفسي والمتاعب التي أثقلت الخطوات، ورغم تكرار مشهد النزوح في حياة كل فلسطيني ولكن منذ السابع من أكتوبر كان النزوح الإجباري محفوفًا بالموت في حرب ضارية شنها الاحتلال الإسرائيلي على سكان قطاع غزة راح ضحيتها آلاف الشهداء.
الفلسطينية آلاء أيوب التي عاشت تجربة النزوح أكثر من مرة عبرت بصدق في فيلمها "حمولة زائدة" عن معاناة آلاف الفلسطينيين الذين تركوا وراءهم منازلهم وأغراضهم لمواجهة مصير مجهول، لتوثق قصص واقعية ضمن سلسلة "المسافة صفر" صورتها تحت نيران الحرب وتضيف اسمها لقائمة المخرجين الذين سطروا بأيديهم قصص ستعيش مع الزمن لتحكي عن فترة مهمة في تاريخ غزة.
مخرجة العمل المغرمة بالكتب وقراءتها عاشت في حيرة من أمرها كيف لها أن تحمل مكتبتها التي تعتبرها ثروتها الحقيقية بما تحتويه من كتب متنوعة شكلت شخصيتها، لتعبر بها مسافات طويلة لقدر غير معلوم، لتقرر "أيوب" قرارًا صعبًا عليها بترك كتبها في منزلها المهدد بالقصف، وتنزح إجباريا من شمال غزة إلى رفح.
تكشف "أيوب" في حوارها مع موقع " القاهرة الإخبارية" كواليس الفيلم قائلة:" وثقت في العمل رحلة النزوح الطويلة وسط حيرة ما سأحمله على كتفي من أغراض، كان من الصعب أن أحمل على ظهري كل ما في المنزل، فقررت آخذ أشياء محدودة، و ترك مكتبتي التي اشتريتها من مصروفي الخاص والبسيط فكل كتاب منها له قصة بداخلي، وتحديدًا رواية "الطنطورية" للروائية والكاتبة المصرية رضوى عاشور التي جسدت تفاصيل دقيقة في رحلة النزوح رغم عدم عيشها في فلسطين لتأثرها بزوجها الفلسطيني.
تضيف: خشيت حمل الكتاب في رحلة نزوحي واعتبرته "شؤم" لأن الأسرة الفلسطينية بقصة الكتاب لم تعد لأرضها بعد التهجير بينما أنا أرغب في العودة للديار، ولذلك تركته بالمنزل ضمن مكتبتي، وبالفعل سرت مسافة طويلة على قدمي تحت الشمس وتخطيت الحاجز الفاصل ثم بحثت عن وسيلة نقل للعبور إلى رفح وكانت عبارة عن "عربة كارو".
تعرضت "أيوب" لمرحلة من التشتت والتشويش مثل كل الغزاويين، عقب نشوب الحرب، فظلت لنحو شهرين لا تعرف ما تريد تقديمه، قائلة: "من أسوأ الفترات التي مرت بي وخاصة عقب استشهاد صديقتي "أريج" وكل عائلتها.
تقول: "أعربت من خلال الفيلم عن القهر الذي عاشه كل الفلسطينيين أكثر من مرة، وبعد مرور شهرين استطعت التواصل مع المخرج رشيد مشهراوي وبدأت تقديم وكتابة قصته وتصويره في خضم الحرب".
مشاهد دقيقة وصفت بها آلاء أيوب رحلة تهجيرها، لتنقل مشاعرها قائلة: "عندما سرت مع الجموع الغفيرة تحت الشمس، حاوطتني أصوات بكاء الأطفال ومشاعر الصبايا الخائفة وصرخات جنود الاحتلال في كل الفلسطينيين، مشهد قاسٍ ومؤلم وثقته في الفيلم بمشاهد حقيقية صورتها، عندما سرنا بالجنوب كنت أشعر أن ما أراه فيلمًا وليس حقيقة، حاول عقلي إنكار ما نتعرض له من واقع قاسٍ، فالمشاهد التي رأيتها بالواقع وضعت لها موسيقى تصويرية في رأسي وكأنني أشاهد فيلم ولم أصدق أن هذه أصبحت حياتنا".
واجهت المخرجة الفلسطينية الكثير من التحديات من بينها تحملها المسؤولية خلفًا لوالدتها التي رافقت أحد أقاربها في رحلة علاج قائلة: "خلال تصوير الفيلم كانت أمي خارج غزة، حيث ظهر اسمها في كشوف المرافقين لأحد أقاربي في رحلة علاج، وكنت مَن يهتم بشؤون العائلة، وزاد الأمر صعوبة مع وجودنا بمنطقة نزوح في رفح وليس بالمنزل في غزة.
تختتم حديثها: كان تحديًا حقيقيًا أن أمارس دورين هما ربة المنزل والمخرجة، فضلا عن فقداني صديقتي المقربة – التي أهديت لها الفيلم بعد استشهادها وأسرتها بعد قصف منزلها نوفمبر 2023- الصدمة كانت قاسية ولكن كان لابد أن أنسى حزني والتفت للدور الجديد الذي يجب أن أقوم به، فكتبت الفيلم عني وعن كل فلسطيني ورحلة الممر الآمن - الذي ليس بآمن- وعن مكتبتي وكتبي التي تركتها ورائي في غزة، عن ثقل قهر أصعب من ثقل كتبي، عن رحلة النزوح الإجبارية من شمال قطاع غزة إلى جنوبه أمام جنود الاحتلال".