في خضم التحولات السياسية المتسارعة في الولايات المتحدة، تتجه الأنظار نحو الصين لفهم موقفها من السباق الرئاسي الأمريكي المقبل، وتأثيره المحتمل على العلاقات بين البلدين، و سلطت مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية، الضوء على الرؤية الصينية للمشهد السياسي الأمريكي وتداعياته على مستقبل العلاقات بين القوتين العظميين، في تحليل معمق استعرض وجهات النظر الصينية والتحديات المستقبلية في العلاقات الصينية-الأمريكية.
نظرة متشائمة للسياسة الأمريكية
تولفتت "فورين أفيرز" إلى أن المحللين الصينيين يرون تشابهًا كبيرًا في نهج الحزبين الجمهوري والديمقراطي تجاه بلادهم، رغم الاختلافات الظاهرية، إذ اتسمت سياسة إدارة ترامب بالعدائية المباشرة تجاه بكين، بينما حافظت إدارة بايدن على هذا التوجه العام مع تبني استراتيجية أكثر تنظيمًا وتعددية في التعامل مع الصين.
وتنقل المجلة عن المراقبين الصينيين توقعاتهم بأن السياسة الأمريكية تجاه الصين لن تشهد تغييرات جوهرية خلال العقد المقبل، بغض النظر عن هوية الفائز في الانتخابات الرئاسية القادمة، وهذه النظرة المتشائمة تعكس إدراكًا صينيًا عميقًا لحالة الإجماع السياسي في واشنطن حول ضرورة مواجهة التحدي الصيني.
مدارس الفكر الأمريكي
يرصد تحليل "فورين أفيرز" ثلاث مدارس فكرية رئيسية في الولايات المتحدة فيما يخص التعامل مع الصين.
المدرسة الأولى، والتي يُمكن وصفها بـ "المحاربين الجدد في الحرب الباردة"، تمثل التيار الأكثر تشددًا في الساحة السياسية الأمريكية، إذ يرى أصحاب هذا الفكر أن المنافسة مع الصين هي لعبة صفرية تتطلب تكتيكات أكثر عدوانية، يدعون إلى مواجهة شاملة مع بكين على غرار الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي السابق، ويرفضون فكرة التعايش أو التعاون مع الصين في ظل نظامها الحالي.
أما المدرسة الثانية، والتي يمكن تسميتها بـ"مديري المنافسة"، فتتبنى نهجًا أكثر واقعية، ويعتقد أصحابها أن التنافس مع الصين ليس بالضرورة لعبة صفرية، ويدعون إلى استراتيجية للتعايش التنافسي مع بكين، كما يرون أن المنافسة مع الصين هي "حالة يجب إدارتها وليست مشكلة يُمكن حلها"، مع الحفاظ على قنوات للتعاون في بعض المجالات.
المدرسة الثالثة، وهي "الداعون للتكيف"، تمثل الجناح الأكثر اعتدالًا في النقاش الأمريكي حول الصين، فيما يحذر أصحابها من مخاطر تحول المنافسة إلى مواجهة مفتوحة، ويدعون لتقليل مخاطر الصدام والتركيز على التعاون في القضايا المشتركة، مثل تغير المناخ والصحة العامة، ويرون أن محاولات الضغط على الصين لتغيير نظامها قد تأتي بنتائج عكسية، وبالتالي يفضلون نهجًا أكثر مرونة في التعامل مع بكين.
سياسات ترامب وهاريس تجاه الصين
يقدم تحليل "فورين أفيرز" توقعات متباينة لسياسات كل من دونالد ترامب وكامالا هاريس المحتملة تجاه الصين في حال فوز أي منهما بالرئاسة.
فيما يخص إدارة ترامب المحتملة، من المتوقع أن تتبنى سياسة تجارية أكثر عدوانية تجاه الصين، مع احتمال فرض تعريفات جمركية تصل إلى 60% على البضائع الصينية، كما قد تسعى لإلغاء وضع العلاقات التجارية الطبيعية الدائمة مع الصين، وتتبنى سياسة "الساحة الكبيرة، السياج العالي" للفصل التكنولوجي عن الصين.
ومع ذلك، يشير التحليل إلى أن ترامب قد يسعى أيضًا لاتفاقيات ثنائية في مجالات مثل السلع الاستهلاكية والطاقة والتكنولوجيا، مع احتمال أن تكون إدارته أقل قدرة على حشد الحلفاء والشركاء ضد الصين مقارنة بالإدارة الحالية.
أما فيما يتعلق بإدارة هاريس المفترضة، فيُتوقع أن تكثف المنافسة الاستراتيجية مع بكين، وتعزز جهود بايدن لبناء تحالف دولي لموازنة نفوذ الصين، كما أنه من المرجح أن تحافظ على نهج أكثر تنظيمًا وقابلية للتنبؤ في التعامل مع الصين، مع التركيز بشكل أكبر على قضايا حقوق الإنسان والديمقراطية، ويُتوقع أن تواصل تشديد الرقابة على الصادرات التكنولوجية وتعزيز التحالفات الإقليمية في آسيا.
بشكل عام، يرى التحليل أن سياسات هاريس قد تكون أكثر استمرارية مع نهج إدارة بايدن الحالية، مع احتمال تصعيد محدود في بعض المجالات.
استعداد الصين للسيناريوهات الصعبة
يكشف تحليل "فورين أفيرز" عن استعداد متزايد من جانب الصين لمواجهة تحديات متصاعدة في علاقاتها مع الغرب، وخاصة الولايات المتحدة.
وينقل التقرير تصريحات مهمة للرئيس الصيني، شي جين بينج، تشير إلى هذا التوجه، إذ دعا "شي" الحزب الشيوعي الصيني للاستعداد لـ "أسوأ السيناريوهات" و"الظروف القصوى"، مؤكدًا على ضرورة الاستعداد لمواجهة "اختبارات كبرى من الرياح العاتية والأمواج الهائجة وحتى العواصف الخطيرة"، ما يعكس إدراكًا صينيًا عميقًا لاحتمال استمرار التوتر مع الولايات المتحدة، بغض النظر عن نتائج الانتخابات الأمريكية.
وتشير إلى أن القيادة الصينية تتخذ خطوات استباقية لتعزيز قدرة البلاد على الصمود في وجه الضغوط الخارجية المحتملة، وهذا النهج يشمل تعزيز القدرات التكنولوجية الذاتية، وتقوية الاقتصاد المحلي، وتوسيع شبكة العلاقات الدولية لتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة.
قضايا حساسة
يسلط تحليل "فورين أفيرز" الضوء على عدة قضايا حساسة تشكل نقاط توتر رئيسية في العلاقات بين الصين والولايات المتحدة، تأتي على رأسها قضية تايوان، إذ تعتبرها الصين خطًا أحمر، وتصر على مبدأ "صين واحدة". وتشكل التطورات المتعلقة بتايوان مصدر قلق مستمر للجانبين، مع تزايد الدعم الأمريكي للجزيرة وتصاعد التوترات في مضيق تايوان.
قضايا هونج كونج وشينجيانج تمثل أيضًا نقاط خلاف حادة، حيث ترفض الصين بشدة ما تعتبره تدخلًا في شؤونها الداخلية. النزاعات الإقليمية في بحر الصين الجنوبي تشكل تحديًا آخر، مع تداعيات على الأمن البحري والتجارة الدولية.
المنافسة التكنولوجية تبرز كمجال رئيسي للصراع، مع سباق محموم بين البلدين للسيطرة على التقنيات المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي وشبكات الجيل الخامس.