في مشهد تاريخي، افتتحت باريس دورة الألعاب الأولمبية الصيفية لعام 2024 بحفل مبهر على ضفاف نهر السين، متحدية الأمطار الغزيرة التي هطلت على العاصمة الفرنسية. واستعرضت صحيفة لوموند الفرنسية تفاصيل هذا الحدث الاستثنائي الذي حول باريس بأكملها إلى مسرح عملاق، جامعًا بين الرياضة والفن والتاريخ في مشهد فريد من نوعه.
مسرح لأكبر عرض أولمبي
للمرة الأولى في تاريخ الألعاب الأولمبية، خرجت مراسم الافتتاح من الملعب إلى قلب المدينة، إذ أنه وفقًا لصحيفة "لوموند"، تحول نهر السين إلى ممر استعراضي ضخم امتد لستة كيلومترات، حيث قدم المخرج توماس جولي عرضًا فنيًا مذهلًا تضمن اثنتي عشرة لوحة حية. تخلل هذا العرض الاستعراض التقليدي للوفود الأولمبية، حيث شاركت 206 دول على متن قرابة 100 قارب، مقدمةً صورةً فريدة للتنوع العالمي على خلفية المعالم التاريخية لباريس.
نجوم عالميون يضيئون سماء باريس
شهد الحفل مشاركة نخبة من النجوم العالميين الذين أضفوا بريقًا خاصًا على الحدث، إذ أشارت الصحيفة الفرنسية إلى أن المغنية الأمريكية الشهيرة ليدي جاجا افتتحت العرض بأداء مميز لأغنية "Mon truc en plumes".
كما شاركت المغنية الفرنسية-المالية آيا ناكامورا بمزيج من أغانيها الحديثة وأغاني الأسطورة شارل أزنافور، في مزج فريد بين الأصالة والمعاصرة.
وقدمت المغنية جولييت أرمانيه، برفقة عازف البيانو سفيان بامار، أداءً مؤثرًا لأغنية "Imagine" للراحل جون لينون، في رسالة سلام عالمية.
زيدان حامل الشعلة
من اللحظات الأكثر إثارة في الحفل، كما وصفتها "لوموند"، كان ظهور أسطورة كرة القدم الفرنسية زين الدين زيدان، إذ بدأ المشهد بالفكاهي الفرنسي جمال دبوز حاملًا الشعلة الأولمبية في استاد دو فرانس الفارغ، ليكتشف أن الحفل لا يقام هناك.
هنا يظهر زيدان لإنقاذ الموقف، حاملاً الشعلة في رحلة عبر باريس، بما في ذلك ركوب المترو، وعندما واجه عقبات في طريقه، قام بتسليم الشعلة لمجموعة من الأطفال، في إشارة رمزية قوية لنقل الروح الأولمبية والأمل للأجيال القادمة.
تكريم النساء الرائدات
لفت تقرير "لوموند" الانتباه إلى جانب مهم في الحفل، وهو تكريم نساء فرنسيات بارزات عبر التاريخ، إذ تم عرض تماثيل لشخصيات نسائية مؤثرة مثل أوليمب دي جوج الثورية التي أُعدمت بالمقصلة، ولويز ميشيل المناضلة المنفية، وأليس ميليا الرائدة في مجال الرياضة النسائية.
هذه التماثيل، التي ستبقى في شوارع باريس، تمثل اعترافًا بإسهامات هؤلاء النساء التي غالبًا ما تم تجاهلها في التاريخ، وتؤكد على قيم المساواة والعدالة التي تتبناها الألعاب الأولمبية الحديثة.
تحدي الأمطار
رغم الأمطار الغزيرة التي هطلت على باريس طوال فترة الحفل، أكدت "لوموند" أن العرض استمر بنجاح، إذ نقلت الصحيفة تصريحًا لتوني إستانجيه، رئيس اللجنة المنظمة للألعاب، قال فيه: "عندما نحب الألعاب الأولمبية، لا ندع بضع قطرات من المطر تؤثر علينا".
هذا التصريح يعكس العزيمة والإصرار الفرنسي على إنجاح الحدث رغم الظروف الجوية الصعبة.
وأشار التقرير إلى أن المطر توقف مباشرة بعد انتهاء الحفل، في مشهد درامي وكأن الطبيعة نفسها احتفلت بنهاية هذا الحدث التاريخي.
التحديات الأمنية
أبرز تقرير "لوموند" التحديات الأمنية الهائلة التي واجهها المنظمون، فقد تم نشر أكثر من 45 ألف شرطي، بالإضافة إلى 10 آلاف جندي، في أكبر عملية أمنية في تاريخ فرنسا، كما تم إغلاق وسط باريس بالكامل لعدة أيام، مع السماح فقط لحاملي التصاريح الخاصة بالدخول، في إجراءات أمنية مشددة عكست حجم التحدي الذي واجهته فرنسا في تنظيم حدث بهذا الحجم في قلب مدينة حية ونابضة مثل باريس.
ختام مؤثر للافتتاح
اختتم الحفل بمشهد مؤثر للغاية، حيث أضاءت المغنية الكندية الشهيرة سيلين ديون برج إيفل بأدائها المؤثر لأغنية "L'Hymne à l'amour- نشيد الحب" ووصفت "لوموند" هذا المشهد بأنه "باقة ختامية" للحفل، حيث بدت ديون متأثرة حتى الدموع وهي تغني على خلفية أحد أشهر المعالم في العالم.
وأخيرًا، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رسميًا افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الثالثة والثلاثين في العصر الحديث، في مشهد جمع بين الرسمية والعاطفة.
معيار جديد للافتتاحات الأولمبية
ووصفت لوموند الحفل بأنه "حدث سيتحدث عنه الناس لمئة عام مقبلة"، فرغم التحديات التي واجهها المنظمون، من الأمطار الغزيرة إلى التعقيدات اللوجستية والأمنية، نجحت فرنسا في تقديم عرض استثنائي جمع بين التراث والحداثة، مؤكدة مكانتها كوجهة ثقافية ورياضية عالمية.
وبحسب الصحيفة، بهذا الحفل الملحمي، وضعت باريس معيارًا جديدًا لحفلات افتتاح الألعاب الأولمبية، مزجت فيه بين الإبداع الفني والروح الرياضية والرسائل الإنسانية في مشهد سيبقى محفوراً في ذاكرة العالم لسنوات قادمة.