أثارت نتائج الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية الفرنسية زلزالًا سياسيًا، مع تصدّر اليمين المتطرف واليسار الراديكالي للمشهد، وتراجع غير مسبوق لتحالف الرئيس إيمانويل ماكرون، وفي خضّم هذه الأجواء المشحونة، أطلق جوردان بارديلا، رئيس حزب التجمع الوطني، تصريحات نارية، واصفًا التقارب بين ماكرون وزعيم اليسار جان لوك ميلينشون بـ"تحالف العار"، في وقت تعكس فيه هذه التصريحات حدة الاستقطاب السياسي وتنذر بمعركة شرسة في الجولة الثانية.
بارديلا يشعل المعركة
في لقاء تلفزيوني على قناة "تي أف أن" الفرنسية، أطلق جوردان بارديلا، الرئيس حزب التجمع الوطني، تصريحات أشبه بقنبلة سياسية، إذ وصف التقارب المفاجئ بين الرئيس ماكرون وزعيم اليسار المتشدد ميلينشون بأنه "تحالف العار".
ونقلت صحيفة "لو فيجارو" عن بارديلا قوله: "إنه تحالف غير طبيعي بين جان لوك ميلينشون وإيمانويل ماكرون، وهو أمر مفاجئ للغاية."
لم يكتف بارديلا بهذا التصريح المثير، بل واصل هجومه اللاذع، معربًا عن استغرابه الشديد من "رئيس جمهورية يأتي لنجدة تيار يساري متطرف عنيف، يدعو إلى التمرد، ويريد بأي ثمن زعزعة استقرار المجتمع الفرنسي". هذه التصريحات النارية لم تكن مجرد كلمات عابرة، بل عكست عمق الأزمة السياسية التي تعصف بفرنسا، وكشفت عن حدة الاستقطاب بين القوى السياسية المتنافسة.
زلزال سياسي
أظهرت نتائج الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية تحول كبير في المشهد السياسي الفرنسي، ووفقًا لصحيفة "لو فيجارو"، تصدّر حزب التجمع الوطني بزعامة مارين لوبان المشهد، حاصدًا ما يقارب 34% من الأصوات، وهذه النتيجة المذهلة لم تكن متوقعة بهذا الحجم، وتشير إلى تحول جذري في مزاج الناخب الفرنسي.
في المقابل، حققت الجبهة الشعبية الجديدة، وهي تحالف يساري تقدمي يضم أحزابًا متنوعة من أقصى اليسار إلى الوسط اليساري، نتيجة لافتة بحصولها على نحو 29% من الأصوات، وهذا الأداء القوي للتحالف اليساري يعكس نجاح استراتيجية توحيد الصفوف في مواجهة اليمين المتطرف والوسط الليبرالي.
الخاسر الأكبر في هذه الجولة كان تحالف ماكرون الليبرالي الوسطي، الذي تراجع بشكل مخيّب للآمال إلى المركز الثالث بنسبة 21% فقط من الأصوات، هذه النتيجة تمثل ضربة قاسية لمشروع ماكرون السياسي، وتضعه في موقف صعب قبل الجولة الثانية من الانتخابات.
مستقبل فرنسا
مع اقتراب موعد الجولة الثانية المقررة في 7 يوليو، تتصاعد حدة التوتر السياسي في فرنسا إلى مستويات غير مسبوقة، إذ حذّر "بارديلا" الناخبين الفرنسيين، قائلًا: "إن الخيار الذي سيتعين عليهم اتخاذه في 7 يوليو سيكون بين اليسار المتطرف والمعسكر الوطني."
وأضاف رئيس التجمع الوطني بلهجة تحذيرية: "في مواجهة التحالف الذي أقوده إلى جانب مارين لوبان وإريك سيوتي، نرى هذا التحالف اليساري المتطرف الذي يمكن أن يفوز يوم الأحد، الذي يريد الإفراج عن السجناء، ونزع سلاح الشرطة، وصنع جبلًا من الضرائب الجديدة التي ستُضعف الطبقتين الوسطى والشعبية."
هذه التصريحات تعكس حدة المعركة الانتخابية المرتقبة، وتشير إلى أن الجولة الثانية ستكون بمثابة استفتاء على مستقبل فرنسا وهويتها السياسية والاجتماعية.
شارع يغلي
لم تقتصر تداعيات نتائج الجولة الأولى على الساحة السياسية فحسب، بل امتدت إلى الشارع الفرنسي، إذ شهدت عدة مدن فرنسية، بما فيها باريس وستراسبورج وليل، موجة من الاحتجاجات الحاشدة تنديدًا بصعود اليمين المتطرف.
وفي مشهد يذكّرنا بأيام الثورة الفرنسية، ألقى مرشحون ونشطاء من حركة فرنسا الأبية، التي تقود تحالف الأحزاب اليسارية، خطابات حماسية أمام حشود غفيرة من المتظاهرين، ودعا هؤلاء الناشطون إلى مواصلة التعبئة في الأيام المقبلة، محذرين من خطورة وصول اليمين المتطرف إلى السلطة.