انطلقت في فرنسا، اليوم الأحد، انتخابات تشريعية قد تغير وجه البلاد، إذ إنه للمرة الأولى منذ تأسيس الجمهورية الخامسة، يلوح في الأفق احتمال حقيقي لسيطرة اليمين المتطرف على الجمعية الوطنية، وهذا التحول الدراماتيكي - الذي يأتي بعد أسابيع قليلة من حل الرئيس ماكرون للبرلمان - يدفع السلطات الفرنسية لاتخاذ إجراءات أمنية غير مسبوقة، ومع تصاعد التوترات وتباين السيناريوهات المحتملة، تتشابك التحديات الأمنية والسياسية، ما يفرض على الحكومة منح صلاحيات استثنائية لمواجهة الوضع المتقلب.
سيناريوهات متباينة
مع انطلاق الجولة الأولى من الانتخابات، صباح اليوم الأحد، وبداية ظهور النتائج الأولية في المساء، تتصاعد المخاوف من احتمال اندلاع اضطرابات واسعة النطاق، ما دفع السلطات الفرنسية لاتخاذ إجراءات أمنية استثنائية، إذ كشفت صحيفة "لوبوان" الفرنسية عن نشر 5000 جندي في العاصمة باريس وحدها.
هذا الانتشار العسكري الكثيف، الذي يأتي أيضًا في إطار الاستعدادات لتأمين دورة الألعاب الأولمبية، المقررة 26 يوليو المقبل، يثير تساؤلات جدية حول طبيعة الدور الذي قد يلعبه الجيش في حال اندلاع اضطرابات، فرغم تأكيدات وزارة الداخلية أن مهمة الجيش ستقتصر على مكافحة الإرهاب، إلا أن بعض الضباط عبروا عن مخاوفهم من إمكان استدعائهم للمساعدة في حفظ النظام.
وهذا الوضع يضع السلطات الفرنسية أمام معضلة حقيقية، فمن ناحية هناك حاجة ماسة لضمان الأمن في ظل التوترات المحتملة، ومن ناحية أخرى، فإن استخدام الجيش في مهام حفظ الأمن الداخلي يمثل خطًا أحمر بفرنسا.
وكما نقلت "لوبوان" عن أحد الضباط: "مهمة رجال الشرطة هي عدم إطلاق النار، بينما مهمة العسكريين هي إطلاق النار"، ما يبرز حساسية الموقف وخطورة أي قرار قد يتخذ في هذا الصدد.
صلاحيات استثنائية
في خطوة تعكس حجم التحديات التي تواجهها فرنسا، كشفت الصحيفة عن منح قائد شرطة باريس صلاحيات واسعة وغير مسبوقة، خلال الفترة من 1 يوليو إلى 15 سبتمبر 2024.
هذه الصلاحيات، التي تتجاوز نطاق عمله المعتاد، تشمل سلطة على القوات المسلحة في المنطقة، وكذلك على محافظي المناطق المحيطة بباريس، بل إن الأمر يمتد ليشمل سيطرة قائد شرطة باريس على تنظيم حركة الطائرات والطائرات دون طيار، وعمليات التشويش الإلكتروني، والمراقبة بالفيديو، وحتى الإشراف على عمل شركات الأمن الخاصة.
وهذا التركيز غير المسبوق للسلطات في يد شخص واحد دفع البعض لوصف منصب قائد شرطة باريس، بأنه أصبح بمثابة "وزارة داخلية موازية".
وهذا الوضع الاستثنائي، الذي يأتي في سياق الاستعدادات للألعاب الأولمبية، يكتسب أهمية إضافية في ظل التوترات السياسية والاجتماعية المتوقعة عقب الانتخابات التشريعية، فمع احتمال صعود اليمين المتطرف إلى سُدّة السلطة في الجمعية الوطنية، تزداد المخاوف من اندلاع احتجاجات واسعة النطاق قد تتطلب تدخلًا أمنيًا حاسمًا.
تحديات متشابكة
لا تقتصر التحديات التي تواجهها فرنسا على الجبهة الداخلية فحسب، إذ كشفت "لوبوان" عن سلسلة من التعقيدات التي تزيد من صعوبة المشهد، فعلى سبيل المثال، تم إرسال أكثر من 1500 فرد من قوات الأمن المتنقلة إلى كاليدونيا الجديدة، لمواجهة الوضع المتوتر هناك، ما يقلص الموارد المتاحة للتعامل مع أي اضطرابات محتملة في فرنسا القارية.
وفي الوقت نفسه، تستعد فرنسا لاستضافة دورة الألعاب الأولمبية، وهو حدث عالمي يتطلب استعدادات أمنية ضخمة.
هذا التزامن بين الأزمة السياسية الداخلية والاستحقاق الدولي يضع الحكومة الفرنسية أمام تحدٍ غير مسبوق في إدارة الموارد الأمنية والبشرية.
تغيير جذري
وتزداد الصورة تعقيدًا مع احتمال حدوث تغيير جذري في المشهد السياسي، فصعود نجم حزب التجمع الوطني اليميني بقيادة جوردان بارديلا، يثير تساؤلات جدية حول إمكان أن يحل الأخير محل جابرييل أتال، في رئاسة الوزراء، في تحول دراماتيكي قد تمتد آثاره إلى ما هو أبعد من حدود فرنسا ليؤثر على المشهد الأوروبي بأكمله.