ساعات قليلة تفصل الأمريكيين والعالم عن المناظرة التاريخية التي ستعقد بين الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن ومنافسه في الانتخابات الرئاسية 2024؛ الرئيس السابق دونالد ترامب في استوديوهات شبكة "سي إن إن"، مساء اليوم الخميس.
وبينما يترقب أغلب الناخبين في الولايات المتحدة، المباراة السياسية التي ستنقل على الهواء مباشرة ولمدة 90 دقيقة بين المرشحين الديمقراطي والجمهوري، ستكون المناظرة بدون جمهور، وستقام في استوديوهات شبكة "سي إن إن" في أتلانتا، بإدارة المذيعين جيك تابر ودانا باش، وسيتابع المشاهدون الحدث عبر عدة منصات بث، مما يتيح تغطية واسعة لهذه المناظرة.
وفي الوقت الذي تشكل فيه تلك المناظرة خطوة هامة لكلا المرشحين لحسم السباق الانتخابي عبر إبراز موقفه من القضايا الانتخابية والسمات الشخصية التي يتميز ويتفوق بها على منافسه، ستشهد كذلك إبراز نقاط الضعف لكل مرشح، والتي سيضرب بها منافسه بيد من حديد سعيًا نحو توجيه ضربة قاضية لخصمه تمكنه من حسم نتيجة السباق الانتخابي مبكرًا. وعليه، فهل ستقلب هذه المناظرة الأمور رأسًا على عقب في هذا السباق الانتخابي الهام داخل الولايات المتحدة الأمريكية وخارجها؟
نقطة فاصلة:
يمكن أن تشكل المناظرة خطوة هامة لكل من بايدن وترامب في جذب المزيد من أصوات الناخبين الأمريكيين لصالحه خاصة أصوات المستقلين أو المتأرجحين في التصويت لأحدهما وكذلك الناخبين في الولايات المتأرجحة، ولكن هذا الأمر يتوقف على نجاح كل من منهما وتفوقه على الآخر في تحقيق ما يلي:
(*) إبراز القوة الشخصية: يمكن أن يعزز أداء المرشح في المناظرة صورته كقائد قوي وقادر على التعامل مع التحديات، فالأداء القوي في المناظرة يمكن أن يعزز ثقة الناخبين في قدرة المرشح على القيادة ويزيد من فرصه في الفوز بالانتخابات.
(*) طرح السياسات بوضوح: وقد يتمثل في تقديم خطط واضحة ومقنعة حول القضايا الرئيسية مثل الاقتصاد والرعاية الصحية والسياسة الخارجية التي يمكن أن تجذب الناخبين.
(*) التفاعل مع الخصم: قدرة المرشح على الرد بفاعلية على هجمات خصمه وتقديم حجج قوية يمكن أن تؤثر بشكل إيجابي على الناخبين.
(*) التواصل مع الناخبين: استخدام لغة بسيطة ومباشرة يمكن أن يجعل الرسائل أكثر فعالية ويساعد في بناء اتصال عاطفي مع الناخبين.
مساران مختلفان:
وهنا نطرح سؤالا هو: ما الذي يميز أسلوبي بايدن وترامب في المناظرات؟، وللإجابة عن هذا السؤال، يمكن رصد هذا الأسلوب من خلال ما يلي:
(&) أسلوب جو بايدن: يتميز أسلوبه بعدة عناصر رئيسية، أهمها: الهدوء واللباقة، حيث يحافظ بايدن على هدوئه ويتجنب الانفعالات الزائدة، مما يجعله يبدو رصينًا ومتحكمًا، ويركز على السياسات، حيث يقدم بايدن حججه مدعومة بالحقائق والأرقام، ويستعرض سياساته وخططه بشكل مفصل. ويحرص الرئيس الديمقراطي على التواصل الشخصي، حيث يستخدم قصصًا شخصية وتجارب حياتية لخلق اتصال عاطفي مع الجمهور، ولدى بايدن القدرة على الرد المحسوب على خصمه، حيث يرد على الهجمات بلباقة ويحول النقاش إلى نقاط قوته بدلًا من الانجرار إلى المواجهات. وإجمالًا من شأن توفر هذه العناصر، قد تساعد بايدن في بناء صورة القائد الموثوق والمعتدل.
(&) أسلوب دونالد ترامب: يتميز أسلوب الرئيس السابق بعدة عناصر رئيسية؛ أهمها: الهجوم المباشر، حيث يميل ترامب إلى مهاجمة خصومه بشكل مباشر وشخصي، مما يضعهم في موقف دفاعي، كذلك يلجأ إلى التبسيط، حيث يستخدم ترامب لغة بسيطة ومباشرة تصل بسهولة إلى الجمهور، مما يجعله يبدو أكثر ارتباطًا بهم.
كما يحرص ترامب على تكرار الرسائل الرئيسية بشكل مستمر لتعزيزها في أذهان الناخبين، وقد يقوم ترامب بالتجاهل الجزئي للحقائق، حيث يستخدم أحيانًا معلومات غير دقيقة أو مضللة لدعم حججه، مما يثير جدلًا واسعًا. ويتميز ترامب بالكاريزما والثقة بالنفس، حيث يعتمد على حضوره القوي وثقته الكبيرة بالنفس لإقناع الناخبين.
إجمالًا من شأن توفر هذه العناصر، أن تساعد ترامب في الحفاظ على دعم قاعدته الانتخابية وجذب الاهتمام الإعلامي.
مخاوف مسبقة:
يمكن رصد هذه المخاوف على النحو التالي:
(-) مخاوف الرئيس الحالي: يواجه بايدن البالغ من العمر 81 عامًا مخاوف عدة بشأن عمره وحدّة عقله، فعلى الرغم من تقدمه على ترامب بثلاث سنوات فقط، إلا أن الناخبين تطرقوا لعمر الرئيس الحالي بعشرة أضعاف مقارنة بالمرشح المنافس، فحين سُئل الأمريكيون عما إذا كان عمر المرشح عاملًا في تصويتهم، أجاب 25% من بين الناخبين المسجلين في الاستطلاع بالإيجاب فيما يتعلق ببايدن، بينما كانت النسبة فقط 2% فيما يخص ترامب. واعتبر 43% من الناخبين الأمريكيين أن هذا العامل غير مهم بالنسبة للمرشحين.
(-) مخاوف المرشح الجمهوري: الوضع ليس آمنًا بالنسبة لترامب فيما يتعلق بالصحة العقلية والسلوك المتهور، فبعد عقد من الجدل حول مواقفه وأفكاره وتصريحاته الغريبة والنارية أحيانًا، أثر ذلك على ما يبدو على نظرة الناخبين وتقييمهم لسلوكه الذي يوصف أحيانًا بالمتهور. إذ أظهر الاستطلاع الذي تم إجراؤه في أوائل يونيو الحالي أن 67% من الناخبين يكرهون الطريقة التي يتعامل بها ترامب، مقارنة بـ51% قالوا الشيء نفسه عن بايدن. أما بين المستقلين، قفزت هذه الأرقام إلى 74% لترامب، و55% لبايدن.
قاعدة انتخابية متأرجحة:
يذهب بعض الأمريكيين إلى أن تأييدهم لأحد المرشحين؛ سواء بايدن أو ترامب لا يعود لتأييدهم لسياساته أو دعمًا لمواقفه تجاه القضايا المختلفة، وإنما يرجع ذلك لرفضهم وكرههم للمرشح الآخر. ويتأكد ذلك عندما سُئل بعض الناخبين عن سبب دعمهم لبايدن، إذ أوضح 33% منهم أن السبب يعود لإعجابهم بالرئيس الحالي وبمواقفه. بينما قال 48% إن السبب يعود لمعارضتهم ترامب. ومن بين المستقلين الذين أيدوا بايدن، قال 21% منهم إن تصويتهم له يعود لإعجابهم به، مقارنة بـ 67% أكدوا أن الأمر يعود لموقفهم ضد ترامب فقط.
وفي النهاية، يمكن القول إنه من المتوقع أن تكون المواجهة بين بايدن وترامب في مناظرة حادة ومثيرة، بالنظر إلى تاريخ التنافس الشديد بين المرشحين الجمهوري والديمقراطي، وأسلوب كل منهما في إدارة مثل هذه المناظرات. وعلى الرغم من ذلك قد لا تحسم المناظرة الأولى بين المرشحين كفة أحدهما على حساب الآخر؛ فلدى كل منهما العديد من نقاط القوة ونقاط الضعف. وستشهد هذه المناظرة محاولات مستميتة من جانب كل من بايدن وترامب لتعظيم نقاط قوته وتجميل أو تحسين نقاط ضعفه وكأنها لم تكن موجودة بالأساس. وما يساعد على استمرار حالة عدم الحسم وانتظار المناظرة الثانية المقرر تنظيمها في سبتمبر المقبل - أي قبل شهرين من إجراء الانتخابات المقبلة -تأرجح موقف الناخب الأمريكي صاحب الكلمة العليا في هذه الانتخابات تجاه كل من المرشحين الجمهوري والديمقراطي حتى الآن، وهو الأمر الذي يتأكد في ضوء استطلاع جديد أجرته "رويترز" وإبسوس أظهر أن الناخبين الأمريكيين يرون ترامب المرشح لانتخابات الرئاسة عن الحزب الجمهوري هو الاختيار الأفضل للاقتصاد، لكنهم يفضلون نهج منافسه المنتمي إلى الحزب الديمقراطي للحفاظ على الديمقراطية في البلاد.