تتجه الأنظار في العاصمة الفرنسية باريس نحو مناظرة تلفزيونية مرتقبة، ليلة الثلاثاء 25 يونيو 2024، مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية المقررة يومي 30 يونيو و7 يوليو المقبلين، ستجمع ممثلين عن أبرز القوى السياسية في البلاد، في الوقت الذي تتصاعد فيه المخاوف من صعود اليمين المتطرف، وتتعالى الأصوات المطالبة بتشكيل تحالفات جديدة لمواجهة التحديات القادمة.
وفقًا لما ذكرته شبكة "تي إف إن"، ستبدأ المناظرة في التاسعة بتوقيت فرنسا، وستستمر لمدة تزيد قليلًا على ساعتين، وسيتولى إدارة النقاش الصحفيان آن كلير كودراي وجيل بولو، مع الالتزام بمبدأ المساواة في وقت التحدث بين المتناظرين الثلاثة.
خلفية المناظرة
تأتي هذه المناظرة المرتقبة في خضم مشهد سياسي فرنسي يشهد تحولات عميقة وتوترات متصاعدة، فمنذ الانتخابات الرئاسية في 2022، شهدت فرنسا انقسامات حادة في خريطتها السياسية، ما أدى إلى تشكل ثلاث كتل رئيسية تتنافس على قيادة البلاد، وفقًا لما أشارت صحيفة "لا نوفيل ريبوبليك".
تتمثل الكتلة الأولى في الأغلبية الرئاسية بقيادة الرئيس إيمانويل ماكرون، التي تواجه تحديات كبيرة في الحفاظ على تماسكها وشعبيتها في ظل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتلاحقة.
أما الكتلة الثانية فتتمثل في اليمين المتطرف، ممثلًا في حزب التجمع الوطني، الذي يسعى جاهدًا لتوسيع قاعدته الشعبية، مستغلًا حالة عدم الرضا العام عن السياسات الحكومية.
وأخيرًا، تبرز كتلة تحالف اليسار الجديد، وهو تحالف غير مسبوق يضم أطيافًا متنوعة من أقصى اليسار إلى الاشتراكيين المعتدلين، في محاولة لتقديم بديل جذري للسياسات الحالية.
هذا الانقسام الثلاثي يعكس تحولًا جذريًا في المشهد السياسي الفرنسي التقليدي، ويضع البلاد أمام خيارات مصيرية حول مستقبلها الاقتصادي والاجتماعي والأوروبي.
أبطال المناظرة
ستجمع المناظرة المرتقبة على شاشة "تي إف إن" ثلاث شخصيات سياسية بارزة تمثل الأجيال المختلفة والتيارات المتباينة في المشهد السياسي الفرنسي الراهن.
يتصدر هذا الثلاثي جابرييل أتال، رئيس الوزراء الحالي البالغ من العمر 35 عامًا، الذي يمثل الأغلبية الرئاسية بخطابه المعتدل وتوجهه الأوروبي القوي.
يسعى أتال، وفقًا لتصريحاته الأخيرة لقناة "سي نيوز"، إلى تقديم رؤية وسطية تجمع بين الإصلاح الاقتصادي والعدالة الاجتماعية، محاولًا الحفاظ على توازن دقيق بين متطلبات النمو الاقتصادي وتطلعات الطبقة الوسطى المتضررة.
في المقابل، يقف جوردان بارديلا - 28 عامًا - رئيس حزب التجمع الوطني، كممثل لليمين المتطرف بخطابه القومي المركز على قضايا الهجرة والأمن.
أثار بارديلا مؤخرًا جدلًا واسعًا بتصريحاته حول رفضه أن يكون "متعاونًا مع الرئيس"، ما عكس نبرة تصعيدية في خطاب المعارضة اليمينية.
أما الضلع الثالث في هذه المواجهة فيمثله مانويل بومبارد، منسق حزب فرنسا الأبية البالغ من العمر 38 عامًا الذي يحمل فكر تحالف اليسار بميوله المتشددة في مجالات العدالة الاجتماعية والبيئة.
وكشفت التصريحات الأخيرة لمارين توندولييه، الأمينة الوطنية لحب الخضر، في تصريحات لقناة "بوبليك سينات"، عن الصعوبات التي واجهها التحالف اليساري في اختيار ممثل واحد لجبهة سياسية واسعة تضم أطيافًا متنوعة من أقصى اليسار إلى الاشتراكيين المعتدلين.
قضايا ساخنة للنقاش
من المتوقع أن تشهد المناظرة الثلاثية المرتقبة نقاشات حادة حول عدد من القضايا الملحة، التي تشغل الرأي العام الفرنسي في الوقت الراهن.
وتأتي على رأس هذه القضايا الأزمة الاقتصادية وارتفاع تكاليف المعيشة، إذ يتنافس المتناظرون في تقديم حلول لمعالجة التضخم وتحسين القدرة الشرائية للمواطنين.
وتحتل قضايا الهجرة والأمن حيزًا كبيرًا من النقاش، كونها من أكثر المواضيع إثارة للجدل في فرنسا حاليًا، وستكون محور صراع بين رؤية اليمين المتشددة ونهج اليسار الأكثر انفتاحًا.
ولن تغيب السياسة الأوروبية عن طاولة النقاش، خاصة في ظل التوترات الدولية المتصاعدة، إذ يناقش المتناظرون موقع فرنسا في الاتحاد الأوروبي ودورها العالمي.
وتشكل قضية التحول البيئي محورًا مهمًا في المناظرة، نظرًا لأهميتها المتزايدة على الصعيدين الوطني والدولي، وستكشف عن الفروق الجوهرية في رؤى الأحزاب لمستقبل فرنسا البيئي والصناعي.
دعوة ميلانشون
أثار جابرييل أتال جدلًا إضافيًا بدعوته المفاجئة لجان لوك ميلانشون، الزعيم السابق لحزب فرنسا الأبية، للمشاركة في المناظرة.
وفي تصريحات لصحيفة "لو فيجارو"، قال أتال: "أدعو ميلانشون للمشاركة في النقاش حول مشروعات فرنسا، إذا كان يطمح فعلًا لمنصب رئيس الوزراء وقيادة البلاد، فعليه أن يواجهني مباشرة بدلًا من إرسال متحدث باسمه".
هذه الدعوة أثارت ردود فعل متباينة في الأوساط السياسية، فبينما رأى فيها البعض محاولة ذكية من أتال لإحراج خصومه، اعتبرها آخرون مناورة سياسية لتشتيت صفوف اليسار.
تأثيرات متوقعة للمناظرة
يرى محللون سياسيون أن هذه المناظرة قد تلعب دورًا حاسمًا في توجيه أصوات الناخبين الفرنسيين.
وفي استطلاع للرأي أجرته صحيفة "لو جورنال دو ديمانش"، تبين أن 62% من الفرنسيين يعتزمون متابعة المناظرة، ما يعكس الاهتمام الكبير بهذا الحدث.
وقال بيير مارتن، أستاذ العلوم السياسية بجامعة السوربون، لوكالة الأنباء الفرنسية: "هذه المناظرة ليست مجرد مواجهة بين سياسيين، بل هي لحظة حاسمة قد ترسم معالم المستقبل السياسي لفرنسا لسنوات مقبلة".