في قلب العاصمة الفرنسية باريس، تُخيم أجواء من القلق والترقب على ممرات السلطة، إذ يستعد كبار موظفي الدولة لمواجهة سيناريو مرعب، وهو احتمال فوز المرشحة اليمينية المتشددة، مارين لوبان، في انتخابات الرئاسة المقبلة عام 2027.
وفقًا لصحيفة "لوبوان" الفرنسية، يبدو أن الخيارات المتاحة أمام هذه النخبة الإدارية ستكون صعبة للغاية، سواء الاستقالة أو الخضوع لتوجهات "لوبان" أو محاولة العرقلة من الداخل.
مخاوف بيار موسكوفيسي
تشير الصحيفة الفرنسية، إلى أن بيار موسكوفيسي، رئيس المحكمة الإدارية العليا (مجلس الدولة) في فرنسا، يخشى سيناريو سيطرة لوبان على مفاصل الدولة، لذلك يفكر موسكوفيسي جديًا في التنحي عن منصبه قبل انتهاء ولايته في 2027، وذلك لمنع لوبان من تعيين خليفة له يتماشى مع توجهاتها اليمينية المتشددة في حال فوزها بالانتخابات.
استقالات جماعية محتملة
أما في وزارة المالية، فيسود قلق بالغ بين صفوف المديرين التنفيذيين والموظفين الكبار هناك، إذ ينقل التقرير عن مصادر في وزارة المالية مخاوف من احتمال حدوث موجة استقالات جماعية، في حال فوز لوبان وتطبيقها لبرنامجها الاقتصادي الغامض.
ويصف أحد هذه المصادر، من كبار موظفي الخزانة العامة، البرنامج الاقتصادي للوبان بـ "الفوضوي"، متسائلًا عمّا إذا كان موظفوه سيرغبون في "إيجاد حلول للعمل على هذا البرنامج".
الاستقالة أو الخضوع أو المقاومة
بحسب ما نقلته لوبوان عن مصادرها، يبدو أن ثلاثة خيارات رئيسية ستكون معروضة أمام كبار موظفي الدولة في حال تحقق سيناريو فوز لوبان، وهي إما الاستقالة من مناصبهم، أو الخدمة تحت حكومة لوبان دون اعتراض، أو محاولة مقاومة سياساتها وعرقلتها من الداخل.
فيما يتعلق بخيار الاستقالة، تشير الصحيفة إلى أن أعضاء المحاكم العليا كمجلس الدولة ومحكمة المحاسبات سيكونون في موقف أفضل نسبيًا، إذ سيتمكنون من العودة إلى وظائفهم السابقة دون عوائق بحكم القانون، على عكس موظفي الوزارات الذين قد يخسرون رواتبهم ومعاشاتهم في حال الاستقالة.
أما الخيار الثاني، وهو الخدمة دون اعتراض تحت حكومة لوبان، فقد يعرض كثيرين لمخاطر الإقصاء والفصل من مناصبهم في حال رفضهم تنفيذ سياسات أو أوامر معينة.
وبالنسبة للخيار الثالث، المتمثل في محاولة مقاومة سياسات لوبان من الداخل، فتشكك الصحيفة في جدواه على المدى البعيد.
وتقتبس آراء بعض المصادر التي ترى أن الإدارات الحكومية لا يمكنها عرقلة المشروع السياسي للحكومة إلى الأبد، وأن أي محاولات لمثل هذا الأمر قد تكون محفوفة بالمخاطر.
ويستشهد التقرير برأي أحد كبار المستشارين السابقين الذي يقول: "لن يستمر طويلًا أي مدير إدارة حكومية يتم إلغاء مشروع قانونه أو قراره من قبل المحكمة الدستورية".
ما يعني أن هامش المناورة لمثل تلك المحاولات سيكون محدودًا للغاية.
رغم ذلك، لا تستبعد الصحيفة احتمال حدوث بعض أعمال "المقاومة الصغيرة" من قبل إداريين معارضين لسياسات لوبان، على غرار التباطؤ في تنفيذ القرارات أو سوء صياغة بعض النصوص القانونية. لكنها تشدد على أن مثل هذه الأساليب لن تكون فعّالة على المدى الطويل في وجه إرادة سياسية قوية.
تصريحات لتهدئة المخاوف
من جانبها، تحاول مارين لوبان تهدئة المخاوف حول سياساتها المستقبلية تجاه موظفي الدولة، إذ ينقل التقرير عن كريستوف باي، المرشح عن حزب التجمع الوطني (الحزب السياسي للوبان) في الانتخابات التشريعية المقبلة، نفيه القاطع لفكرة "صيد الساحرات" ضد كبار الموظفين في حال فوز حزبه.
كما تُشير الصحيفة إلى أن لوبان تعتزم إعادة هيكلة الجهاز الإداري الذي ألغاه الرئيس الحالي، إيمانويل ماكرون، في إشارة إلى إعادة تفعيل أجهزة مثل جهاز الحكام المدنيين (الموظفين الإداريين في المقاطعات) والسلك الدبلوماسي، اللذين تم دمجهما خلال إصلاحات ماكرون للوظيفة العامة.
لكن على الرغم من تصريحات لوبان المطمئنة، يشكك الخبراء في مدى قدرتها على تغيير الإدارة العامة بشكل جذري في حال فوزها؛ بسبب القيود القانونية والدستورية على سلطاتها. كما ينقل التقرير عن الباحث لوك روبان، أستاذ العلوم السياسية في معهد السياسات العامة بجامعة السوربون وخبير في شؤون الوظيفة العامة، قوله إن "لا أحد يعرف حقًا نوايا التجمع الوطني تجاه جهاز الدولة".