تجمع قادة مجموعة السبع في قلب إقليم بولونيا الإيطالي، لبحث ملفات شائكة ومعقدة، أبرزها الحرب في أوكرانيا والتوترات مع الصين والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، لكن كان لافتًا في هذا المشهد الدبلوماسي الكبير، حالة الإرهاق والإحباط التي بدت على الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والتي لم تُخفِ آثار الجرح النازف الذي خلفته نتائج الانتخابات الأوروبية الأخيرة لحزبه.
صفعة انتخابية قوية
حسب ما نقلت صحيفة "لوبوان" الفرنسية عن مصادر مقربة من "ماكرون"، فإن النتائج المخيبة للآمال التي حققها حزب "الجمهورية إلى الأمام" الحاكم في انتخابات البرلمان الأوروبي الأخيرة، مثّلت صدمة كبيرة للرئيس الفرنسي، إذ حل الحزب في المركز الثاني بنسبة 14.6% من الأصوات، متخلفًا بفارق كبير عن حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف الذي تصدر النتائج بنسبة 31.4% من الأصوات.
وأبدى ماكرون علنًا إحباطه من هذه النتائج، قائلًا للصحفيين: "لقد عملت بجد شاق طوال سبع سنوات من أجل تحسين أوضاع هذا البلد وإنجاح عملية الإصلاحات، لذا فإنني أخذت هذه الهزيمة على المستوى الشخصي بشكل حاد".
ولم تكن توقعات استطلاعات الرأي السابقة للانتخابات مبشرة على الإطلاق، إذ كانت تشير إلى تقدم كبير لليمين المتطرف، لكن ذلك لم يمنع أنصار ماكرون من أمل تحقيق انتصار في اللحظات الأخيرة.
رهان ماكرون
أمام هذا الوضع الصعب، قرر الرئيس الفرنسي المراهنة على خطوة جريئة من شأنها أن تضع بصمته مرة أخرى على المشهد السياسي الفرنسي، فدعا إلى إجراء انتخابات تشريعية مبكرة.
وهذا القرار الذي فاجأ حتى أقرب حلفاء ماكرون، يأتي كمحاولة منه لاستعادة ثقة الشارع الفرنسي واستدراك الخسائر التي مُنيت بها قوى الوسط في الانتخابات الأوروبية.
وأوضح ماكرون سبب دعوته للانتخابات المبكرة قائلًا: "شعرت بصدمة كبيرة من هذه الهزيمة، لذلك رأيت أنه من الضروري أن نسأل الفرنسيين مرة أخرى لتوضيح خياراتهم وإظهار لهم أننا سمعنا رسالتهم".
غير أن هذه الخطوة تبقى محفوفة بالمخاطر على ماكرون، إذ قد تؤدي إلى المزيد من تآكل مكانته السياسية في حال تكرار السيناريو نفسه.
دعم أوكرانيا
على الرغم من المتاعب الداخلية التي يواجهها الرئيس الفرنسي، إلا أنه ظل ملتزمًا بشكل راسخ بالقضايا الخارجية الكبرى، وفي مقدمتها دعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا، ففي قمة مجموعة السبع، تمكن ماكرون من التوصل إلى اتفاق مع شركائه على منح قرض ضخم لكييف بقيمة 50 مليار دولار، يتم ضمانه باستخدام الأصول الروسية المجمدة.
وأكد ماكرون، بحزم، أن فرنسا ستواصل تقديم الدعم العسكري والمالي لأوكرانيا، رافضًا أي شكوك حول إمكانية تراجع ذلك الدعم، في ضوء الانتخابات التشريعية المقبلة وتقدم اليمين المتطرف داخليًا.
وقال للصحفيين: "يعرف زملائي القادة دستورنا الفرنسي جيدًا، ويعلمون أن مسائل الدفاع والسياسة الخارجية هي من اختصاصات الرئيس، لذا ليس لديهم أي شكوك حيال ذلك".
من جهتها، أشارت مصادر دبلوماسية إلى أن ماكرون ناقش مع نظرائه في القمة قراره بالدعوة إلى انتخابات مبكرة، واصفين إياه بـ"الشجاع".
ولكن يبقى أن البرلمان الفرنسي هو من يملك صلاحية التصويت على الموازنات والإنفاق، بما في ذلك المتعلق بدعم أوكرانيا، لذلك فإن تشكيلة البرلمان الجديد بعد الانتخابات المقبلة ستكون لها تأثير كبير على مدى الدعم المالي الذي ستقدمه باريس لكييف.
وحسبما أوردت الصحيفة الفرنسية، فإن مسألة دعم أوكرانيا قد تكون معرضة للخطر في حال فوز اليمين المتطرف بأغلبية كبيرة في البرلمان، نظرًا لمواقفه المترددة والحذرة تجاه تقديم المساعدات العسكرية لكييف.
توترات مع إيطاليا تعكر صفو القمة
لم تخلُ قمة مجموعة السبع من بعض التوترات بين "ماكرون" ورئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني، زعيمة حزب "إخوة إيطاليا" اليميني المتشدد، إذ نشبت خلافات بين الجانبين حول إدراج بند خاص بحماية حقوق المرأة في البيان الختامي للقمة.
وأعرب ماكرون عن أسفه لـ"قرار تضعيف صياغة البند المتعلق بحقوق الإجهاض"، في إشارة واضحة إلى معارضة ميلوني وحكومتها اليمينية المحافظة لمثل هذا البند.
وقالت مصادر دبلوماسية فرنسية لصحيفة "لوبوان"، إن باريس كانت تأمل في صياغة أقوى لحماية حقوق المرأة، لكن روما رفضت ذلك بشدة.
على الرغم من هذه الخلافات، حرص ماكرون على الحفاظ على مظهر ودي مع بقية القادة خلال فعاليات القمة، بما في ذلك رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، الذي يواجه هو الآخر استحقاقات انتخابية صعبة في يوليو المقبل، كما لوحظت أجواء من المرح شابت لقاءات ماكرون مع بعض زعماء الدول الأخرى في القمة.