في حين تتجه أنظار العالم نحو الانتخابات المبكرة في فرنسا بعد هزيمة ماكرون أمام اليمين المتطرف في الانتخابات الأوروبية، تشير تقارير إلى أن جارتها ألمانيا ربما تواجه أيضًا استحقاقًا انتخابيًا مبكرًا بعد الأداء المخيب للآمال لائتلاف المستشار أولاف شولتس في الانتخابات ذاتها.
وبينما تلوح بوادر أزمة سياسية في برلين، سلطت صحيفة "بوليتيكو" الضوء على الصراعات الحادة داخل الحكومة الألمانية وكيف قد تؤدي إلى انتخابات مبكرة.
ليلة حافلة بالمفارقات
ليلة الأحد الماضي، شهد الشعب الألماني مشهدين متناقضين للغاية، ففي الوقت الذي خرج فيه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ليعلن عن نيته حل الجمعية الوطنية، بعد هزيمة ساحقة من اليمين المتطرف في انتخابات البرلمان الأوروبي، اختفى المستشار الألماني أولاف شولتس عن الأنظار، تاركًا مهمة شرح أسوأ أداء لحزبه الاشتراكي الديمقراطي في انتخابات اتحادية منذ أكثر من قرن لمساعديه.
الدعوة لانتخابات مبكرة
علق ماركوس سودر، رئيس وزراء ولاية بافاريا، في التلفزيون العام الألماني، قائلًا: "الحقيقة أن الحكومة الائتلافية تم التصويت ضدها، ويجب على أولاف شولتس الدعوة لانتخابات جديدة على غرار ما فعله ماكرون".
كما انضم إليه آلان بوزنر، الصحفي في صحيفة "دي تسايت"، داعيًا لإجراء انتخابات جديدة في أقرب وقت ممكن هذا الصيف، معتبرًا أن "الانتخابات الأوروبية كانت بمثابة تصويت بعدم الثقة في الحكومة تمامًا كما حدث في فرنسا".
رغم عدم وجود خطط رسمية لإجراء مثل هذا الاستحقاق الانتخابي المبكر حتى الآن، فإن نوابًا كبارًا في ائتلاف شولتس الثلاثي من الاشتراكيين الديمقراطيين والخضر والحزب الديمقراطي الحر، أكدوا لصحيفة "بوليتيكو" أنهم يستعدون لهذا الاحتمال.
صراعات بحكومة شولتس
لا يمكن إنكار حقيقة أن نتيجة انتخابات البرلمان الأوروبي التي جرت الأحد الماضي، والتي أظهرت أن 31% فقط من الألمان يؤيدون أحد الأحزاب الثلاثة في الائتلاف الحاكم رغم معدل مشاركة قياسي، كانت بمثابة كارثة حقيقية، فبعد عامين ونصف العام فقط من توليه منصبه، وصلت حكومة شولتس المتنازعة إلى نقطة تحول حاسمة.
وتعاني حكومة شولتس منذ تشكيلها من صراعات داخلية حادة بين الشركاء الثلاثة، بسبب خلافات جذرية حول القضايا الرئيسية مثل الموازنة، إذ يصر حزبا "الاشتراكيون الديمقراطيون" و"الخضر" على زيادة الإنفاق الحكومي، بينما يتمسك الحزب الديمقراطي الحر بقيادة وزير المالية كريستيان ليندنر بضرورة خفض المصروفات، استنادًا إلى القيود الدستورية على الدين العام ومبادئه الاقتصادية المحافظة.
ومن المرجح أن يصل هذا الجدل إلى ذروته في الأسابيع المقبلة، مع توجه الأحزاب الثلاثة للجولة النهائية من المفاوضات بشأن موازنة 2025، فبينما تسعى الأطراف للتوصل إلى اتفاق قبل بداية العطلة الصيفية في أوائل يوليو، إلا أن تصلب مواقفها في محاولة لإنقاذ مصيرها السياسي يجعل التوصل إلى تسوية بعيد المنال.
ووفقًا لصحيفة "بوليتيكو" الأمريكية، قد يمنح فشل الاتفاق على ميزانية العام المقبل الحزب الديمقراطي الحر، الذي كان الطرف الغريب في الائتلاف منذ البداية، فرصة للخروج من التحالف الحاكم، إذ على الرغم من التوترات المستمرة حول قضايا أساسية مثل الميزانية، كان الحزب مترددًا في ترك الائتلاف خشية إغضاب الناخبين، والآن تغيرت حساباته بعد النتائج المخيبة للآمال للاشتراكيين والخضر في الانتخابات الأوروبية.
سيناريوهات الحكومة الجديدة
ووفقًا لصحيفة "بوليتيكو"، فإن رحيل الحزب الديمقراطي الحر عن الائتلاف قد يدفع شولتس إما للاستقالة أو طلب تصويت ثقة من البرلمان، الأمر الذي قد يفتح الباب أمام انتخابات مبكرة إذا خسره، وفي هذه الحالة، قد يطلب الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير من المعارضة المسيحية الديمقراطية محاولة تشكيل حكومة جديدة قبل الدعوة لانتخابات جديدة، استنادًا إلى نتائج انتخابات 2021 عندما حل الحزب ثانيًا.
وفي حال فشلهم في تشكيل ائتلاف حاكم، يمكن للرئيس حينها دعوة الشعب للمشاركة في انتخابات مبكرة.
تعتبر هذه العملية المتعرجة سببًا وراء ندرة حدوث تصويتات الثقة في ألمانيا ما بعد الحرب العالمية الثانية، إذ لم تحدث سوى خمس مرات فقط، وكانت عادة خطوات تكتيكية من قبل المستشارين لتعزيز مواقفهم السياسية.
والحالة الوحيدة التي أُزيح فيها مستشار عن غير رغبته كانت في عام 1982، عندما غادر الحزب الديمقراطي الحر تحالفه مع حزب المستشار هلموت شميدت الاشتراكي الديمقراطي، في تصويت ثقة بناء خسره شميدت.