الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

كيف تتعامل اليابان مع انكماش اقتصادها في عام 2024؟

  • مشاركة :
post-title
كازو أويدا محافظ بنك اليابان المركزي

القاهرة الإخبارية - رضوى محمد

في نهاية عام 2023 تراجع اقتصاد اليابان إلى المركز الرابع في قائمة أكبر الاقتصاديات العالمية لصالح الاقتصاد الألماني الذي سجل المركز الثالث، إذ بلغ حجم الناتج المحلي الإجمالي لليابان 4.2 تريليون دولار، بينما سجل الاقتصاد الألماني 4.46 تريليون دولار، ويُعاني اقتصاد اليابان ما يُسمى "الركود التقني" أي انكماش النمو لربعين متتالين لأول مرة منذ 5 سنوات، وهو ما أثر على مركز اليابان كقوة اقتصادية كبرى في النظام الاقتصادي العالمي.

وتأسيسًا على ما سبق؛ يتطرق هذا التحليل إلى مُسببات الركود الاقتصادي في اليابان، بالإضافة إلى الإجابة عن سؤال مهم هل يستمر هذا الركود في عام 2024؟

مُرتكزات واضحة

يُمكن الاستدلال على الانكماش في اقتصاد اليابان من خلال مجموعة من النقاط المهمة التي يُمكن توضيحها فيما يلي:

(*) معدل نمو الناتج المحلي: يُعاني الاقتصاد الياباني انكماش الناتج المحلي الإجمالي لربعين متتالين كما يوضح شكل (1)، إذ انكمش بنسبة 0.1 % على أساس ربع سنوي في الربع الرابع من عام 2023، مُخالفًا توقعات السوق التي توقعت نسبة نمو 0.3 %، وهذا بعد انخفاض شديد نسبته 0.8% في الربع الثالث من عام 2023، ويتضح من شكل (1) أنه لم يحدث انكماش في الاقتصاد الياباني لربعين متتالين خلال الفترة الأخيرة، التي شهدت انكماشًا يعقبه زيادة في النمو، لكن في أواخر عام 2023 ازدادت الأمور سوءًا، ودخل الاقتصاد في حالة الركود التقني.

شكل (1) يوضح معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي (من الربع الأول عام 2021 إلى الربع الرابع عام 2023) - مكتب مجلس الوزراء الياباني

(*) انخفاض الطلب المحلي: يُمكن تفسير الانكماش في نمو اقتصاد اليابان، بانخفاض الطلب المحلي الذي تقلص بنسبة 0.9 % من إجمالي النمو خلال عام 2023، كما يوضح شكل (2)، الذي يرجع انخفاضه إلى انخفاض استهلاك الأسر والحكومة في اليابان، الذي يُمثل أكثر من نصف الاقتصاد للربع الثالث على التوالي، إذ بلغت نسبة انكماشه 0.2 % في الربع الرابع من عام 2023 مقابل 0.3 % في الربع الثالث، كما انخفض استهلاك السلع المعمرة بنسبة 2.7 % بين الربع الأول والثالث من عام 2023.

شكل (2) يوضح حجم الطلب المحلي من 2014 إلى 2023 - مجلس الوزراء الياباني

ونجد أنه على الرغم من خفض استهلاك الأسر، إلا أن قدرتها على الادخار تدهورت، إذ تُشير البيانات الصادرة عن مكتب مجلس الوزراء الياباني إلى أن معدل ادخار الأسر سجل (0.2- %) في الربع الثالث من 2023، وهو ما يُمثل انخفاضًا كبيرًا عن معدل الادخار في عام 2022، الذي سجل 7%، وهو ما يرجع إلى الانخفاض الشديد في معدلات الفائدة الرسمية داخل اليابان، إذ تظل عند نسبة (-0.1 %)، وهي نسبة ضئيلة للغاية لا تجذب المدخرات المحلية، فمن هنا ومن العلاقة الاقتصادية الطردية بين معدلات الادخار ومعدلات النمو داخل الدولة، يُمكن القول إن انخفاض الادخار في اليابان أسهم بشكل كبير في ركود النمو الاقتصادي.

(*) انخفاض الاستثمارات: انخفض الاستثمار العام في اليابان بشكل كبير في أواخر عام 2023، إذ انخفض بنسبة 0.7% في الربع الرابع من عام 2023 بعد انخفاض قدره 1% في الربع الثالث من نفس العام، كما انخفض الإنفاق الحكومي بنسبة 0.1% بعد ارتفاع قدره 0.3% في الفترة السابقة، وانكمش الاستثمار الخاص غير السكني بنسبة 0.1% على أساس ربع سنوي، وهو ما يُمكن توضيحه في شكل (3)، الذي يُشير إلى أن الاستثمارات الخاصة والعامة انخفضت بشكل كبير في الربع الرابع من عام 2023.

بالإضافة إلى ذلك انخفض الإنفاق الرأسمالي في اليابان بنسبة 0.1% في الربع الأخير من عام 2023 مقارنة بتوقعات نمو بنسبة 0.3%، ويُعد هذا الانخفاض في الإنفاق الرأسمالي أحد أهم أسباب الركود بالنشاط الاقتصادي في اليابان.

شكل (3) يوضح حجم الاستثمارات العامة والخاصة في اليابان خلال عام 2023

(*) ارتفاع معدل التضخم السنوي: ارتفع معدل التضخم السنوي في عام 2023، إذ بلغ 3.2% بالمُقارنة بـ2.5% في عام 2022، كما يوضح شكل (4)، الذي يُشير إلى أن معدلات التضخم خلال الفترة من 2016 إلى 2021 كانت تتسم بالانخفاض الشديد إلى أن شهدت ارتفاعًا خلال عامي 2022 و2023، وهو ما ترتب عليه انخفاض القوة الشرائية للمواطن الياباني، الأمر الذي جعل رئيس أكبر جماعة ضغط للأعمال في اليابان يدعو إلى زيادة الأجور في عام 2024 بحيث تتجاوز معدلات التضخم؛ للتغلب على ارتفاع الأسعار في اليابان، فتحريك القوة الشرائية للمواطنين في اليابان يعمل على تنشيط الطلب المحلي، ومن ثم إنعاش النمو الاقتصادي.

شكل (4) يوضح معدلات التضخم السنوية - مكتب الإحصاء الياباني
توقعات مُستقبلية

يُمكن توقع مسار الاقتصاد الياباني في عام 2024 من خلال مجموعة من النقاط المهمة:

توقعات أداء اقتصاد اليابان 2024

(-) النمو الاقتصادي: هناك العديد من المخاطر السلبية التي تُحيط بتوقعات النمو في اليابان، إذ تُشير التوقعات إلى أن الاستهلاك الخاص سيظل عند مستوى منخفض، وهو ما يضعف الطلب المحلي، خاصة في ظل انخفاض الأجور الحقيقية للشهر السادس على التوالي في ديسمبر 2023، كما تتمثل التحديات الأخرى في الرياح المعاكسة التي تتمثل في تحديات الطلب الخارجي، خاصة مع توقعات النمو الضعيفة في الصين خلال عام 2024، وهو ما يؤثر بشكل كبير على اقتصاد اليابان، من خلال ضعف التجارة، إذ تُعد الصين أكبر شريك تجاري لها، كما أن ضعف النمو العالمي، من المُحتمل أن يؤدي إلى ركود في النشاط الاقتصادي باليابان بشكل كبير.

ويوضح جدول (1) أن نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في اليابان سيتراجع إلى 0.9 % في عام 2024؛ بسبب انخفاض دعم السياسة النقدية والمالية للاقتصاد، كما سينخفض الاستهلاك المنزلي إلى 0.3% في عام 2024 بالمقارنة بـ0.4% في عام 2023، ومن المتوقع أن تنخفض نسبة صافي الصادرات إلى 0.2% في عام 2024 بالمقارنة بـ0.9% في عام 2023، إذ انخفضت قيمة الصادرات فعليًا إلى 7.3 تريليون ين ياباني في يناير 2024 بالمقارنة بـ9.6 تريليون ين في ديسمبر 2023، بحسب تقديرات وزارة المالية في اليابان، كما أن التقديرات التي تذهب إلى احتمالية ارتفاع قيمة الين، خلال العام الجاري ستؤثر على صافي صادرات الاقتصاد الياباني.

جدول (1) يوضح توقعات الاقتصاد الياباني في عام 2024

(-) حجم الادخار المحلي: نتوقع أن يستمر انخفاض معدلات الادخار المحلي في اليابان خلال عام 2024، ومن المُرجح بشكل كبير أن تستمر معاناة الأسر من الضغوط التضخمية، على الرغم من أن معدل التضخم متناقص حيث بلغ 2.2 % في يناير 2024 بالمقارنة بـ2.6% في ديسمبر 2023، لكنه يظل مرتفعًا نسبيًا، بالإضافة إلى ضعف نمو الأجور الحقيقية، فمن المتوقع أن تؤدي هذه العوامل إلى تقييد الدخل المتاح للتصرف، وتعطي مساحة أقل لاتجاه الأسر نحو الادخار، كما يُمكن القول إن استمرار حالة عدم اليقين الاقتصادي لدى المستهلكين في اليابان ستجعلهم يعطوا الأولوية لسداد ديونهم أو الحفاظ على السيولة بدلًا من الادخار.

(-) سوق العمل: شهدت معدلات البطالة أدنى مستوى لها في ديسمبر 2023، إذ بلغت معدلات البطالة 2.5% بالمقارنة بـ2.8% في مارس 2023، وارتفع عدد العاملين إلى 67.54 مليون، وانخفض عدد العاطلين عن العمل بمقدار 20 ألفًا ليصل عددهم 1.56 مليون عاطل، ومن المتوقع بشكل كبير أن تظل ظروف سوق العمل في اليابان قوية في عام 2024، حيث توقعت مؤسسة "فيتش سوليوشنز" أن يصل معدل البطالة 2.6% في المتوسط في عام 2024، وهو نفس المعدل في عام 2023، كما تُشير العديد من مؤشرات سوق العمل إلى أن معدل البطالة يستعد للحفاظ على مستواه المنخفض في الأشهر المُقبلة، ويتضح من شكل (5) أن عروض العمل الجديدة (المنحنى الأزرق) تأخذ مسارًا تصاعديًا، كما أن نسبة الوظائف إلى المتقدمين (المنحنى الأحمر) ارتفعت من 2.24 في أكتوبر إلى 2.26 في ديسمبر 2023، وهو الأمر الذي يدعم أن سوق العمل ستظل مرنة وتستمر في توفير الفرص للباحثين عن العمل.

شكل (5) يوضح عروض العمل الجديدة ونسبة الوظائف إلى المتقدمين

(-) معدلات التضخم: شهدت معدلات التضخم في شهر ديسمبر 2023 انخفاضًا كبيرًا، إذ سجل 2.6% بالمُقارنة بـ2.8% في نوفمبر 2023، وهو ما يُعد أدنى معدل منذ عام 2022، ومن المتوقع أن يستمر التضخم في التقارب نحو هدف البنك المركزي البالغ 2% في الأشهر المُقبلة من عام 2024، كما يوضح شكل (6) أن في عام 2024 سيقترب التضخم في اليابان من المعدل المستهدف (2%) بشكل كبير، وتعتمد هذه التوقعات على أن تراجع النشاط الاقتصادي سيؤدي إلى تخفيف الضغوط على الأسعار.

شكل (6) يوضح معدلات التضخم المتوقعة لليابان في عام 2024

وعليه يُمكن القول إن الاقتصاد الياباني تعرض لركود اقتصادي، بسبب مجموعة من الأسباب الداخلية والخارجية، إذ تأتي الأسباب الداخلية نتيجة ضعف الطلب المحلي بسبب انخفاض الأجور الحقيقية، بالإضافة إلى السياسة النقدية المُيسرة بشكل كبير، بينما تتمثل العوامل الخارجية في تأثُر الاقتصاد الياباني بالظروف الاقتصادية العالمية وظروف الشركاء التجاريين الرئيسيين، وهو ما تسبب في انخفاض الكفاية الإنتاجية للاقتصاد الياباني، وعليه من المتوقع أن تستمر حالة التباطؤ في نمو الناتج الإجمالي الحقيقي باليابان، في حالة عدم وجود محركات أساسية للنمو.