أدت الاضطرابات التي تجاوز ت الـ50 يومًا بالبحر الأحمر، المتمثلة في المواجهات بين جماعة الحوثي وبعض القوى الدولية - بسبب قيام الأولى بتهديد بعض السفن العابرة في مياه البحر - إلى انعكاسات سلبية على الاقتصاد العالمي، بسبب تراجع حجم التجارة الدولية خلال الفترة المذكورة، وكذلك تأثيرات سلبية على الاقتصاد المصري، بسبب حدوث تراجع في حركة المرور عبر قناة السويس.
تأسيسًا على ما سبق، يبقى السؤال: ما حدود التأثيرات السلبية لاضطرابات البحر الأحمر على الاقتصاد العالمي بصفة عامة، والمصري بصفة خاصة؟
تأثير ات عالمية:
تمثلت تداعيات الاضطرابات في مياه البحر الأحمر على الاقتصاد العالمي على عدة مستويات، نشير إلى أهمها على النحو التالي:
(*) ارتفاع تكاليف الشحن: تسبب الصراع في الشرق الأوسط، خاصة اضطرابات ساحل البحر الأحمر في ارتفاع تكاليف شحن حاوية قياسية من الصين إلى أوروبا إلى أكثر من 4700 دولار، بعد أن كانت تبلغ تكلفة شحنها أقل من 1000 دولار، وفقًا لمؤشر فريتوس، وكما هو موضح بشكل (1) فإنه وفقًا لمؤشر دروري العالمي للحاويات، ارتفعت تكاليف الشحن إلى 3964 دولارًا لكل حاوية 40 قدمًا في الأسبوع الأخير من يناير 2024، بنسبة ارتفاع 94% مُقارنة بالأسبوع نفسه في عام 2023، إذ يتضح من الشكل التالي أن المؤشر آخذ في التصاعد بعد بداية هجمات الحوثي، وفي 21 نوفمبر 2023 ارتفع من 1384 دولارًا إلى 2670 دولارًا، أي ارتفع بنسبة 92.2% في أقل من شهر، وبالإضافة إلى هذا المؤشر ارتفع متوسط الشحن الفوري للحاويات بـ500 دولار في المتوسط بالأسبوع الأخير من ديسمبر ، وهي أعلى زيادة أسبوعية على الإطلاق، إذ ارتفعت أسعار الشحن بنسبة 80% في ديسمبر 2023.
وبالإضافة إلى الأرقام والمؤشرات سابقة الذكر، تلاحظ ارتفاع في مؤشر شحن الحاويات العالمي كما يوضح شكل (2) حيث أخذ المنحنى الاتجاه التصاعدي، وبلغت ذروة ارتفاعه في شهر يناير الماضي، ومع تزايد الصراع والهجمات في ساحل البحر الأحمر، فقد ارتفعت أسعار الشحن البحري بين الشرق الأقصى وأوروبا بنسبة 124%، بالإضافة إلى ارتفاع الأسعار إلى البحر الأبيض المتوسط بنسبة 118%.
(*) التأثير على سلاسل الإمداد: من المرجح أن تؤثر الصدمات والتوترات التي يشهدها مجال الشحن العالمي، بشكل كبير على سلاسل الإمداد العالمية، فـ"قناة السويس" كانت توفر من 12% إلى 76% في المسافة بالمُقارنة بطريق رأس الرجاء الصالح، لكن أصبحت الحاويات والسفن، تُضيف من 7 أيام إلى 20 يومًا إضافيًا إلى مساراتها بالسفر حول رأس الرجاء الصالح، وتُمثل الحاويات التي أصبحت تمر عبر هذا الطريق ربع إجمالي سعة شحن الحاويات في العالم، وفقًا لمنصة الخدمات اللوجستية الرقمية، فبالتالي يؤثر طول وقت نقل البضائع على التوريد العالمي بشكل كبير، ما يُهدد سلاسل الإمداد العالمية، ومع استمرار انقطاع هذه الإمدادات، ستجد القطاعات الإنتاجية بالعالم أجمع صعوبة في مقاومته، ما يرفع من معدلات التضخم داخل الدول، وأسعار الغذاء العالمية، الأمر الذي يضر بالأمن الغذائي العالمي.
(*) ارتفاع أسعار النفط: ألقت التوترات الكبيرة في ساحل البحر الأحمر، بظلالها السلبية على أسواق الطاقة العالمية، إذ ارتفع خام برنت بنسبة 2.5%؛ بسبب المخاوف من تحول الأزمة إلى صراع إقليمي أوسع، وبالإضافة إلى ذلك ارتفعت العقود الآجلة للنفط بنحو 4% في التعاملات الآسيوية والأوروبية (12 يناير 2024)، بعد الضربات التي شنتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ضد جماعة الحوثي، فانتعاش سوق النفط يتوقف على التوقعات المستقبلية للسوق، ويُشير شكل (3) إلى أن سعر سلة أوبك تذبذب ما بين الارتفاع والانخفاض خلال الفترة من 8 ديسمبر 2023 إلى 5 يناير 2024، لكن بعد هذه الفترة استمر في الارتفاع، حتى بلغ 83.37 دولار في 2 فبراير 2024، وهو الأمر الذي يزيد من ارتفاع أسعار السلع العالمية.
تأثير ات محلية:
قراءة الخريطة التالية، يوضح مستوى تأثر الاقتصاد المصري من الاضطرابات في البحر الأحمر، على النحو التالي:
(&) ضعف حركة الشحن في القناة: تُعتبر قناة السويس من المصادر الأساسية والمهمة للنقد الأجنبي داخل الدولة المصرية، إذ يمُر بها من 10 إلى 15% من تجارة النفط العالمية، وتُسهم في 25 إلى 30% من حركة الحاويات، فنتيجة للصراع في البحر الأحمر تأثرت حركة مرور السفن بقناة السويس، إذ أشارت وكالة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "أونكتاد" إلى أن حركة الشحن عبر القناة انخفضت بنسبة 45% في الشهرين الماضيين، كما انخفض عدد السفن التي عبرت القناة بنسبة 39% عما كانت عليه في ديسمبر، وانخفضت شحنات الحاويات بنسبة 82% حتى 19 يناير الماضي بالمُقارنة بأوائل ديسمبر، فكما يشير شكل (4) حول حركة المرور في قناة السويس، إلى أن إجمالي الحركة انخفض في المتوسط إلى 89.27 في 24 يناير 2024 بعد أن كان متوسط الحركة 129.145، ديسمبر 2022، إذ انخفضت حركة سفن الحاويات من 105.07، ديسمبر 2022 إلى 38.62، 24 يناير 2024؛ وهو ما يرجع إلى قيام عدد كبير من السفن بتحويل مسارها إلى رأس الرجاء الصالح، إذ قُدرت تكلفة إرسال سفينة عبر القناة في ظل هذه الأحداث برقم يتراوح ما بين 3 إلى 5 ملايين دولار، بالإضافة إلى مصاريف التأمين والأمن وبدل المخاطر لطاقم السفينة، لكن مرورها من رأس الرجاء الصالح سيُكلفها فقط مليوني دولار.
(&) انخفاض إيرادات قناة السويس: تضررت إيرادات قناة السويس بشكل كبير؛ بسبب تحويل مسار السفن إلى طريق رأس الرجاء الصالح، وفي 12 من يناير 2024، انخفضت إيراداتها بنحو 40% بالمُقارنة بمستوياتها في عام 2023، وهو ما يتضح من شكل (5) إذ حققت الدولة المصرية مستوى قياسيًا في إيرادات قناة السويس، خلال العام المالي 2023 بلغ 9.4 مليار دولار، لكن حدث انخفاض كبير، في يناير 2024، بنحو 40% مقارنة بالعام المالي 2023، إذ انخفض عدد السفن المارة في قناة السويس إلى 544 حتى 12 يناير 2024، مُقارنة بـ777 في نفس الفترة من 2023.
(&) الضغط على العملة الصعبة: من منطلق أن رسوم القناة تُدفع بالدولار، فعليه من المرجح بقوة أن يؤثر انخفاض إيرادات قناة السويس على سوق الصرف المصري والاحتياطي الدولاري داخل الدولة، وبالتبعية تتأثر جميع الأنشطة الاقتصادية، وكذلك السوق المصرية في ارتفاع معدلات التضخم، فالدولة المصرية مُحاطة بمجموعة من الأزمات في المناطق المجاورة لها، صدرت لها مشكلات اقتصادية كبيرة.
وعليه يُمكن القول إن تصاعد الأحداث التي تدور في مياه البحر الأحمر، أثرت بصورة سلبية على الاقتصاد العالمي عامة، وعلى الاقتصاد المصري بصفة خاصة، إذ تُعد مصر من الدول العربية الأكثر تضررًا من أحداث ساحل البحر الأحمر، وهو ما يتطلب حلًا سياسيًا سريعًا للأحداث الإقليمية في المنطقة، خاصة حرب غزة باعتبارها سبب هجمات الحوثي على السفن، حتى يُعم الاستقرار السياسي والاقتصادي في المنطقة العربية ومختلف دول العالم.