"أغلق عينيك وتخيل أنك طبيب تعمل ساعات طويلة في المستشفى، دون المعدات اللازمة لرعاية عشرات المرضى المصابين الذين يزدحمون في بهو المستشفى.. تخيل أنك تفعل ذلك وأنت تواجه الموت المحتوم، وتعلم أنك ستضطر إلى ترك عائلتك خلفك، تخيل الخوف والحزن والغضب والعجز الذي ستشعر به"، هكذا يعيش الأطباء في قطاع غزة جراء القصف الإسرائيلي الغاشم الذي يضرب القطاع المحاصر منذ 7 أكتوبر الماضي، إذ مات المئات منهم؛ لأنهم رفضوا التخلي عن واجبهم، في إنقاذ حياة الفلسطينيين حتى لو كلفهم ذلك حياتهم.
منذ بداية عملية "طوفان الأقصى" 7 أكتوبر وحتى الآن، استشهد نحو 201 طبيب جراء العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة لليوم الـ46 تواليًا، والذي لم تسلم منه المستشفيات الفلسطينية.
وقال موقع مجلة "التايم" الأمريكية، إنه في 31 أكتوبر، كان الدكتور "همام الله" آخر أخصائي أمراض كلى في مستشفى الشفاء، عندما سأله صحفي لماذا لا يهرب إلى الجنوب مع زوجته وطفليه على الرغم من العدوان الإسرائيلي، لم يتردد، وقال: "وإذا ذهبت، من يعالج مرضانا؟ نحن لسنا حيوانات.. لدينا الحق في تلقي الرعاية الصحية المناسبة.. تعتقد أنني درست في كلية الطب ودرجاتي العليا لمدة 14 عامًا حتى أفكر فقط في حياتي وليس في مرضاي؟ هل تعتقد أن هذا هو السبب الذي درست من أجله كلية الطب، لأفكر فقط في حياتي؟"، حسبما ذكر موقع "تايمز" البريطاني.
وبعد أسبوعين، استشهد الدكتور "همام" مع عدة أفراد من عائلته الموسعة في غارة جوية إسرائيلية.
وقال الدكتور بريت لويس، وهو طبيب مُقيم في طب الأسرة والطب النفسي في مركز بوسطن الطبي وعضو في منظمة بوسطن للرعاية الصحية من أجل فلسطين، إنه من خلال الوقوف بجانب مرضاه، على حساب حياته، وقف لصالح إنسانيتهم -شيء فشل العالم بأسره في القيام به إلى حد كبير.
وأضاف: "غزة في الظلام حاليًا.. قطعت إسرائيل الكهرباء منذ أسابيع، إلى جانب إمدادات المياه.. على الرغم من أن استهداف المستشفيات هو جريمة حرب، تسلل جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى جزء من مستشفى الشفاء بعد أن ادعى أنه موقع لمقر حماس.. فقد زملاء العاملين في المستشفى الاتصال بمن داخله.. وصلت بعض الرسائل النصية من الأطباء: "نحن وحيدون الآن.. لا أحد يسمعنا.. بينما كان الجنود يحاصرون مجمع المستشفى، واصلت إسرائيل والولايات المتحدة تبرير خرق إسرائيل للقانون الدولي".
وأكد، أنه بالنسبة لشعب غزة، للفلسطينيين، لا شك الآن في أن العالم تخلى عنهم. اعتبارًا من 20 نوفمبر، استشهد أكثر من 5000 طفل، ولم تتوقف جرائم الاحتلال عند ذلك الحد، إذ قالت، آن تايلور، رئيسة منظمة أطباء بلا حدود، إن "المنظمة فقدت موظفين حاليين وسابقين، كما فقد العديد من موظفيها أفرادًا من عائلاتهم.. لقد كان الأمر مؤلمًا للغاية، لقد كان هناك الكثير من انهيارات المباني، لذلك فقد بعض موظفينا عائلاتهم بهذه الطريقة.. إنه وضع مأساوي للغاية"، حسبما ذكر موقع "ذا نيويورك" الأمريكي.
وأضافت: "هذا أمر وحشي بشكل خاص؛ بسبب العدد الهائل من الضحايا المدنيين، الذين لا يستطيعون الهروب، لا يمكنهم التحرك، لقد طُلب منهم النزوح إلى الجنوب، لكن هل نتحدث عن مجرد تقليص المساحة من خمسة وأربعين كيلومترًا إلى عشرين كيلومترًا ومحاولة وضع مليوني شخص هناك، وهو ما يعني أنها مجرد حالة استثنائية، لم أشاهدها من قبل".