مع استمرار العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة المحاصر، لليوم الـ42 على التوالي، يمضى جيش الاحتلال بخطة ميدانية وعسكرية نحو الاستمرار في إنجاز مهمة يراها "ضرورية"، وفكرتها ضرب البنية التحتية تمامًا في قطاع غزة، وذلك وفق ما قدرت وثيقة "تقدير موقف" تم تبادلها ونقاشها بين مسؤولين أردنيين وفلسطينيين مؤخرًا.
وحذرت الوثيقة التي نوقشت في رام الله وعمان من أن "مجلس الحرب الإسرائيلي" بتأثير مباشر من رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، في طريقة للانتقال إلى خط جديد من الاستهداف وهو جنوبي قطاع غزة، مع تحذير من أن المستشفيات في الجنوب والبنية الطبية ستكون هدفًا في هذه المرحلة.
والخلاصة في التقدير، أن الجانب الإسرائيلي لديه طموح ملموس في سياق التأسيس لحالة نزوح جديدة تكرس واقعًا معيشيا يجعل التهجير القسري لسكان القطاع مسألة حيوية وأساسية تسمح لاحقا بنقاشات بعنوان "مستقبل غزة".
وفي تصور درسته مؤخرًا خلية أزمة أردنية فلسطينية تفاصيل وحيثيات وأرقام تُثبت أن تفريغ شمال قطاع غزة من السكان بنسبة لا تقل عن 40 إلى 50 % يعني ببساطة الضغط العنيف جدًا وغير الإنساني وغير المسبوق على البنية التحتية لقطاع غزة، وما تبقى أصلا من خدماتها في جنوب قطاع غزة.
وبالأرقام، فإن الحديث عن خطة إسرائيلية لإخلاء مساحة لا تقل عن 6٠ كيلوا مترا بصورة طولية من شمال غزة، من جميع السكان، ودفعهم للنزوح الى الجنوب، بمعنى قضم مساحة كبيرة ومكتظة من الأراضي في الشمال، وحشرها على مساحة لا تزيد عن "56%" من المساحة جنوبي القطاع، يجعل الوضع بالجنوب "جنونيًا للغاية" على أن الخطة الإسرائيلية، ستفتح المجال بعد التحريك الديمجرافي قليلًا للمساعدات والإغاثة ولأعمال المنظمات الدولية لكن في الجنوب.
وحذرت مؤسسات أردنية مختصة، من أن هذه العملية ستؤدي إلى زيادة سكان المناطق الجنوبية بنسبة لا تقل عن 32% عمليًا وبمساحة أصغر، وأن الاحتلال يخطط لضرب أسباب الحياة أيضا في جنوب غزة بعد تحقيق فكرة النزوح الكبير إليها، ما سيشكل حالة كارثة إنسانية تدفع المجتمع الدولي والدول الغربية الحائرة إلى القبول بمخطط "التهجير".
والاعتقاد جازم أن معركة المستشفيات المزعومة ضد نحو 26 مؤسسة طبية أساسية في شمال غزة، هدفها الأساسي هو تحقيق حالة نزوح تصل إلى معايير لا يمكن للأمم المتحدة أن تسكت عنها.
كما أن خطط الاحتلال لعمليات عسكرية في جنوب غزة، وطلب من سكان بعض الأحياء إخلاء منازلهم، وفقًا لمنشورات ألقيت على مدينة خان يونس، تشير إلى احتمال اتساع نطاق العملية العسكرية، ما يهدد بمضاعفة تبعات الأزمة الإنسانية على سكان القطاع من المدنيين.
ولفتت صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، إلى مزاعم الاحتلال بأن العديد من قادة حماس، قد تحركوا جنوبًا في خان يونس، أكبر مدينة في جنوب غزة، وفقًا لما نقلته الصحيفة عن العديد من المسؤولين الغربيين.
وقالت شبكة "سي. إن. إن" الإخبارية الأمريكية، إن إسرائيل ألقت منشورات في أجزاء من جنوب غزة تدعو المدنيين إلى الإخلاء و"التوجه نحو الملاجئ المعروفة"، ما يشير إلى أن إسرائيل قد توسع قريبًا عمليتها البرية ضد حماس إلى الجنوب من القطاع.
وتم توزيع منشورات، على أربع بلدات شرق خان يونس، أكبر مدينة في جنوب غزة، تدعو السكان إلى إخلاء مسكنكم على الفور. وتقع التجمعات بالقرب من السياج الحدودي الذي يفصل قطاع غزة عن إسرائيل، ما يشير إلى نقاط توغل جديدة محتملة من قبل جيش الاحتلال الذي يتطلع إلى السيطرة على الجنوب.
ومع تجمع أغلب سكان غزة الآن، في الملاجئ العامة أو المنازل الخاصة، فمن المرجح أن يؤدي العدوان الإسرائيلي المحتمل على الجنوب، إلى سقوط عدد كبير من الضحايا بين المدنيين، وفقًا لما ذكرته وكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية.
ومع بقاء ما يقرب من 2 مليون مدني نازح في غزة، في ملاجئ مكتظة في الجنوب، يمكن لهجوم عسكري واسع هناك، أن يطلق العنان لكارثة إنسانية جديدة خلال فترة الشتاء.
وفر عشرات الآلاف من الأشخاص من شمال غزة إلى جنوبها في الأسابيع الأخيرة، واحتشدوا في الملاجئ التي تديرها الأمم المتحدة ومنازل العائلات في خان يونس، أكبر مدينة في الجنوب.
وقال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، إنه بعد خمسة أسابيع من الحرب، بدا أن "تفشي الأمراض المعدية والجوع على نطاق واسع" أمر لا مفر منه في الأراضي الفلسطينية المكتظة بالسكان.
وتوقع عواقب كارثية إذا نفدت إمدادات الوقود، بما في ذلك انهيار شبكات الصرف الصحي والرعاية الصحية ووضع حد لإمدادات المساعدات الإنسانية الشحيحة بالفعل، وفق ما نقلته صحيفة "الجارديان".
وأصبح ثلثا سكان قطاع غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة بلا مأوى بسبب الحرب وكل الأماكن المتاحة في خان يونس والبلدات الجنوبية الأخرى مكتظة.
ويتكدس معظم سكان القطاع، في الجنوب، منهم مئات الآلاف الذين انصاعوا لأوامر إسرائيل بإخلاء الشمال، ويتوقع أن يضاعف استهداف الجنوب من معاناة السكان الذين نزح معظمهم إليه.