في حي القصبة بالجزائر ولد سيد أحمد سري في نوفمبر 1926، وظهرت موهبته منذ الصغر، مستمدًا شغفه الموسيقي من جده لأبيه الذي كان مقدم فرقة العيساوة، وتدريجيًا بدأ يعزف ويتعلم ويقدم الإنشاد الديني والقصائد، بجانب حفظه للقرآن، ليلتحق بعدها بالجمعية الأندلسية عام 1945، كذلك انضم لجمعية الحياة بين عامي 1945 و1946، ليصبح واحدًا من أعمدة الموسيقى الأندلسية وأعلامها بالجزائر.
"سري" الذي تحل ذكرى وفاته غدًا، الأربعاء، كان حريصًا على أن يوثق تاريخ بلده من خلال 60 عامًا من البحث والتسجيل وتكوين الإرث الفني العريق المشبع بالتراث والهوية، ما أوصله إلى الأجيال الصاعدة، ليثري مكتبة التراث الموسيقي الجزائري بأعماله التسجيلية، لا سيما أنه عُرف بعمله الجاد في مجال الحفاظ على هذه الموسيقى الجزائرية الكلاسيكية العريقة وترقيتها من خلال صقلها أكاديميًا.
أولى محطات شهرة "سري" كانت من خلال محطات الإذاعة واستوديوهات التلفزيون، فأبحر بفنه، متخذًا مخزونه الفني راية وعنوانًا لتبليغ الموسيقى الأندلسية للجمهور الذي يتذوق هذا النوع من الفنون، كما كان حريصًا على المشاركة في حفلات الإنشاد في المولد النبوي الشريف بمزاري سيدي عبد الرحمن الثعالبي بالقصبة وسيدي محمد ببلكور، ما مكّنه من فرض مكانته وإبراز قدراته سواء في الإلقاء أو الحفظ.
في عام 1952 أسند إلى الراحل مهمة الإشراف على جمعية "الجزائرية" التي تحولت فيما بعد إلى "الموصلية" وبذلك انتقل من رتبة تلميذ إلى أستاذ، ما أهله بأن يدرس بمعهد الموسيقى بالعاصمة، لكن هذا لم يمنعه من مواصلة فنه ليكوّن جيلًا جديدًا من الفنانين ينقل لهم خبراته.
خرج الراحل من الجمعية الجزائرية الموصلية سنة 1988، لكن هذا لم يوقفه عن نقل التراث إلى الأجيال الجديدة وقام بتأسيس جمعية جديدة أطلق عليها اسم "الجزائرية الثعالبية" نظم من خلالها بجولات فنية متميزة، إلا أن حلم هذا المشروع لم يستمر وتوقف نهائيًا سنة 1992.
وفي 1989 انتخبه زملاؤه الفنانون رئيسا لجمعية حماية الموسيقى الكلاسيكية الجزائرية، ثم رئيسًا للفيدرالية الوطنية لجمعيات الموسيقى الكلاسيكية الجزائرية في 2006.
لم يكتف الراحل بتوثيق التراث بأعماله بل اتجه لكتابة المقالات في الصحف الوطنية حول الموسيقى الكلاسيكية الجزائرية ومقالات تتحدث حول مستقبل الموسيقى الأندلسية الجزائرية، كما قام في التسعينيات بتسجيل التراث الأندلسي لحمايته من الضياع، وخاصة أن تقاليد توارث هذا الفن كانت شفوية، ليصبح مرجعًا أساسيًا في مجال الموسيقى الأندلسية خاصة من خلال كتابه الذي دوّن فيه أشعار النوبات الأندلسية للصنعة العاصمية الذي صدر في 1997.
بعد هذا المشوار الحافل والجهد الكبير الذي بذله لحفظ تراث بلده نصب كأول فنان جزائري يتقلد وسام الاستحقاق الوطني في 1992، وظل متمسكًا بما يفعله من أجل التراث الجزائري، رحل سيد أحمد سري في نوفمبر 2015 عن عمر ناهز 89 عامًا، لكنه ترك وراءه إرثًا يجعل الجزائر تحتفل بذكراه دائمًا.