امتلكت الفنانة المصرية الراحلة رجاء الجداوي كاريزما خاصة وبصمة لا يمحوها الزمان بأسلوب مميز في التعامل وتفرد في الأداء، فجمعت بين السلاسة وقوة الشخصية والشياكة والأتيكيت، فدخلت القلوب بلا استئذان واكتسبت محبة الجمهور في مصر والوطن العربي.
رجاء الجداوي التي تمر اليوم ذكرى وفاتها (5 يوليو 2020) لم تغب عن ذاكرة محبيها وجمهورها على مدار 3 سنوات، إذ تقول نجلتها أميرة حسن مختار لـ"موقع القاهرة الإخبارية": "رغم مرور 3 سنوات على رحيل والدتي، لكنني أشعر أنها ما زالت تعيش بيننا حتى الآن، والحقيقة أنني لا أُفاجأ بمحبة الناس لها حتى من لا يعرفونني، والحمد لله سيرتها طيبة مع الجميع فهذا رصيد المحبة الذي تركته وصنعته على مدار حياتها، إذ فوجئت ببعض السيدات تؤكد لي أن والدتي أثرت في حياتهن فهناك من تقول إنها قدمت لها طريقة للتعامل مع زوجها وأخرى تقلدها في لبسها وغيرهن الكثيرات ممن أثرت فيهن".
"اللي خلف مماتش" بهذا المثل الشعبي تطبق أميرة مختار كل ما تعلمته من والدتها، لتكون نسخة منها في الأفعال إذ تقول: "أصبحت أطبق كل ما كانت تقوله والدتي وتنصحني به، فعندما كانت على قيد الحياة كان عندي بعض الاعتراض على أشياء، لكنني الآن أطبق كل نصائحها وكأنه قانون نسير عليه، فأنا أراها في كل مكان بالبيت، فهي تركت بصمتها في كل شيء من حولي".
رسائل وداع
لم يكن رحيل رجاء الجداوي عاديًا، لكنها عانت في الفترة الأخيرة بحياتها مضاعفات فيروس كورونا، دخلت على إثرها للمستشفى لتخرج منه على مرقدها الأخير، وكشفت نجلتها عن كواليس الأيام الأخيرة في حياة الراحلة، قائلة: "حرصت والدتي على التواصل مع كل من تعرفهم وكأنها تودع كل الناس، وسألت عنهم حتى من لم يرد عليها أرسلت لهم رسائل خلال فترة مرضها وحتى الفترة التي سبقتها وكانت تطمئن على الجميع قبل وبعد عزلها في المستشفى عقب إصابتها بفيروس كورونا".
تمنت الموت
رغم تمسك رجاء الجداوي بالأمل وانطلاقها وبهجتها، لكنها تمنت الموت في نهاية حياتها لاشتياقها لرؤية شريك حياتها الراحل حسن مختار، لتقول نجلتها عن اللحظات الأخيرة في حياة والدتها: "في الفترة الأخيرة من حياتها تمنت الموت من أجل رؤية والدي وحبيبها وشريك عمرها، وقالت لي "أنا نفسي أكون مع حبيبي، وإن كنت أريد أن أتعافى فمن أجلكم، فكان الموت من أمنياتها في آخر أيام حياتها".
شروط اختيار الأدوار
قدمت رجاء الجداوي مشوارًا حافلًا من الأعمال التي ستعيش في ذاكرة الجمهور لأجيال قادمة، واحتفظت ببصمة خاصة لها في طلتها على الشاشة أو خشبة المسرح، التي يعود ذلك لاختيار أدوارها بعناية لتقول أميرة عن ذلك: "كانت تدقق في اختياراتها فهي تختار الأدوار التي تليق عليها، التي تناسبها وتحرص على أن تحافظ على اسم رجاء الجداوي كسيدة مصرية مُسلمة متزوجة فلا تقول إنني كبرت أو صغرت على الدور فكان منظورها في اختيار الدور هو أن يحافظ على ما صنعته على مدار 6 قرون".
وصايا قبل الرحيل
يبدو أن رجاء الجداوي تركت وصية لنجلتها أميرة وطلبت منها أن تعمل بها لتقول عنها: " كان حلم حياتها أن أعمل، إذ جلست فترة طويلة دون عمل، بسبب إنجابي لابنتي روضة، وكانت تتمنى أن أعود للشغل، والحمد لله حققت لها أمنيتها، كما طلبت مني أن أود بعض الناس وأن أحافظ على البيت مفتوح فأنا أُكمل مسيرتها، وأحاول أن أعمل كل ما طلبته مني وأوصت به، وكل أمنية حلمت بها تحققت ما عدا أن أعود كما كنت نحيفة".
أفنت "الجداوي" حياتها في فنها وظل عطاؤها مستمرًا وممتدًا حتى آخر أيام حياتها، لتؤكد نجلتها أن إحدى أمنيات حياتها أن تظل تعمل حتى الموت لتقول عن ذلك: "ربنا استجاب دعوة والدتي بأن تظل تعمل في الفن حتى آخر يوم في حياتها لدرجة أنها ذهبت للعزل بعد 24 ساعة من تصوير مسلسل مع دينا الشربيني، فرغم مرور 3 سنوات فقط على رحيلها، لكني أشعر أنهم بمثابة 300 عام والحمد لله سيرتها طيبة ولم تتركنا روحها".
أعمال لم تستكمل
لم يمهل الموت رجاء الجداوي وقتًا لاستئناف أعمالها، إذ كشفت ابنتها أن والدتها كانت تعاقدت على إعلان، لكنها لم تصوره بسبب مرضها ثم رحيلها، كما كشفت أنها لم تر فيلم "توأم روحي" رغم الانتهاء من تصويره، الذي عرض بعد رحيلها.
كوّنت الراحلة عائلة كبيرة بالوسط الفني مع عدد من الأصدقاء الذين اعتبرتهم بمثابة أشقاء لها لتشير نجلتها، إلى أن العلاقة ما زالت مستمرة وممتدة مع عدد من أصدقاء والدتها، قائلة: "نحتفظ بعلاقات قوية ومتينة ومستمرة مع دنيا وإيمي سمير غانم وميرفت أمين وشيكو، لأن والدتي كانت تحبه وتعاونت معه في عملين مع قبل وكانت تعتبره بمثابة ابنها، فوالدتي كونت عائلة قوية وليس مجرد أصدقاء، كما أود أن أشكر كل جمهورها الذي ما زال يتذكرها فهذا يعطيني قوة".
6 عقود من الإنجاز
أكثر من 6 عقود قدمت خلالها رجاء الجداوي، مشوارًا حافلًا من الإنجازات والعلامات منذ الستينيات، فعلى مدار أكثر من 60 عامًا تركت بصمتها في السينما والمسرح والتلفزيون وتعاونت خلالها مع كبار النجوم، مثل الزعيم عادل إمام وعمر الشريف وسعاد حسني وغيرهم الكثير، لتكشف نجلتها أنها رصيد والدتها الفني أكبر بكثير من الموجود على الإنترنت فهناك مسرحيات كثيرة قدمتها والدتي لمسرح التلفزيون وسهرات تلفزيونية لم تكتب، فلديها رصيد كبير جدًا وكانت تقوم بتعليم الأتيكيت بأسلوب مختلف تمامًا عما يُقدم حاليًا.
واجهت رجاء الجداوي تحديات كثيرة في بداية حياتها وأسهمت هذه الصعوبات في تكوين شخصيتها المختلفة، التي تطرقت لها نجلتها أميرة حسن مختار، التي قالت عنها: "الصعوبة التي واجهت والدتي مختلفة نوعًا ما فهي لم تكن بسبب فقر، لأن والدها كانت يعمل محاميًا وتم الطلاق بينه وبين جدتي وانفصلت تمامًا عنه بالأولاد فكانت الصعوبة في الانفصال والمجيء للقاهرة، ثم أخذت الفنانة تحية كاريوكا والدتي وعاشت معها، فالصعوبات كانت اختيارية وكأن الله أراد أن يصنع رجاء الجداوي بهذا الشكل لتكون صاحبة شخصية مستقلة وقوية ويعتمد عليها".
