أعلن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في 25 أبريل 2023 ترشحه لخوض الانتخابات الرئاسية الأمريكية، المُقرر عقدها في 5 نوفمبر 2024، وهو الأمر الذي أثار العديد من التساؤلات حول دلالات ذلك الترشح، لاسيما أنه أعلن الترشح بصحبة نائبته، كامالا هاريس، التي تسعى لتحسين صورتها لدى الرأي العام الأمريكي، الذي يعتقد أنها لم تحقق إنجازات ملموسة كنائبة للرئيس خلال الولاية الأولى، وهو ما جعلها تقوم برحلة إلى عدة دول إفريقية هي: غانا وتنزانيا، وزامبيا نهاية مارس 2023، فُسرت في أحد جوانبها على أنها جاءت سعيًا لتحسين تلك الصورة، في ظل محورية إفريقيا في السياسة الأمريكية، التي اعتبرها الرئيس "بايدن" مستقبل العالم، كما أثار ترشح بايدن أيضًا تساؤلًا حول التحديات التي تواجه إدارته ومدى نجاحها في تحقيق وعودها الانتخابية وشعارها الرئيسي في استعادة روح أمريكا، فضلًا عمّا أُثير حول صحة الرئيس، ومدى قدرته على ممارسة مهام الحكم بعد أن تكرر سقوطه في مناسبات مُتعددة، كما تكررت زلاته اللفظية.
دلالات الترشح:
عكس إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن، ترشحه لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة العديد من الدلالات، يُعد أبرزها:
(*) تقليد أمريكي: يُمثل ترشح الرئيس الأمريكي، لخوض الانتخابات لولاية ثانية تقليدًا أمريكيًا اتبعه غالبية الرؤساء الذين تولوا مقاليد السُلطة، غير أن هذا التقليد تواجهه معضلتان رئيسيتان، الأولى هي أن الرئيس الذي يشغل الولاية الأولى لا يكون حصوله على ولاية ثانية مضمونًا بشكل كبير، لاسيما أن المزاج الانتخابي للشعب الأمريكي مُتقلب ومُتغير بشكل مُستمر، أو أن الرئيس أخفق في تنفيذ برنامجه الانتخابي، وهو ما حدث مع الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي حصل على ولاية واحدة من (2016-2020) وأخفق في الحصول على ولاية ثانية، بل وظل يشكك في نتيجة الانتخابات ويتهم الديمقراطيين بتزويرها، فضلًا عن رفضه حضور مراسم انتقال السُلطة إلى الرئيس الجديد جو بايدن. أما الثانية، فترتبط بأن التصويت للرئيس في ولاية ثانية جديدة يرتبط بمدى نجاحه في تنفيذ برنامجه الانتخابي وترجمة الوعود الانتخابية على أرض الواقع في شكل سياسات وبرامج تمكنه من إقناع الناخبين باستمراره في منصبه.
(*) تعزيز فرص الحزب الديمقراطي: يلتف الديمقراطيون حول هدف رئيسي، وهو إزاحة ترامب من المشهد الانتخابي برمته والانتقام من تشكيكه في نتائج الانتخابات الرئاسية في 2020. وبالتالي فإن التخلص من ترامب وقدرته الشعبوية على التأثير في كتلة معتبرة من الناخبين الداعمين لمعتقداته، ستعزز من فرص الديمقراطيين في الحصول على ولاية ثانية. لذلك يعتقد الديمقراطيون، أن الخبرات السياسية التي يمتلكها بايدن تمكنه من حسم السباق الانتخابي لصالح الديمقراطيين، الذين يسعون للحفاظ على التقاليد المؤسسية الأمريكية، واستعادة مكانة الديمقراطية الأمريكية ونشرها كنموذج يُمكن الاقتداء به في مجتمعات أخرى. غير أن تلك النظرة المثالية لايزال يكتنفها العديد من التحديات، منها ما تراه قوى دولية أخرى مثل الصين بأن كل نظام حكم له خصائصه التي تمكنه من تحقق التنمية، وأن انقسام المجتمع الأمريكي على أسس من سياسات المال والهوية، والانقسامات الاجتماعية، والفجوة بين الأغنياء والفقراء، يعكس فوضى الديمقراطية الأمريكية وأمراضها التي أصابت المجتمع.
(*) تحفيز القواعد الانتخابية: يسعى بايدن من خلال إعلان ترشحه مُبكرًا إلى تحفيز القواعد الانتخابية لاسيما تلك المُترددة من المستقلين والجمهوريين، والذين رفضوا التصويت لترامب في انتخابات 2020 باعتبار أن الظاهرة الترامبية تشكل تهديدًا لمنظومة الحريات الأمريكية. وبالتالي ربما يتكرر سيناريو الانتخابات الأمريكية في 2020، وعليه فمن المُحتمل أن تُسهم الدعوات القضائية المرفوعة ضد ترامب في حرمانه من دعم قاعدة واسعة من الناخبين المستقلين أيضًا، حال نيله ثقة الحزب الجمهوري لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة في 2024، وهم القوة التصويتية التي سبق أن اصطفت مع الحزب الديمقراطي؛ لرفض التجديد له لولاية ثانية، ليحصد جو بايدن تلك الأصوات ويفوز بفارق 7 ملايين صوت عن ترامب. وبرغم ذلك تظل كتلة صلبة مؤيدة لترامب وتوجهاته، معظمهم من الأمريكيين البيض الذين يتبنون قيمًا عنصرية تدعو لوقف الهجرة إلى الولايات المتحدة، وعدم الاندماج مع الأمريكيين أصحاب البشرة السمراء.
(*) تسويق تهديد الجمهوريين للقيم الأمريكية: يسوّق الديمقراطيون أن ترامب و"الترامبية" خطر على منظومة القيم الأمريكية المُستقرة، التي ضمنت التفوق الأمريكي من خلال احترام المؤسسات وتعزيز أدوارها بعيدًا عن الشعبوية التي تنادي بتجاوز تلك المؤسسات وقيمها الراسخة وعدم الاعتراف بالاتفاقات الدولية التي وقعتها الولايات المتحدة الأمريكية، مثل اتفاقية باريس بشأن التغير المناخي التي انسحب منها ترامب وأعاد بايدن الالتزام بها. ومع الانقسام الذي يُعاني منه الجمهوريون والذي تجلى في انتخاب كيفين مكارثي، النائب الجمهوري بعد انتخابات التجديد النصفي للكونجرس واحتاج إلى 15 جلسة لإقناع النواب الجمهوريين بالتصويت له، بعد مفاوضات شاقة ومُضنية، وعليه فإن الديمقراطيين يسوقون تلك الأزمات وخبرات المجتمع الأمريكي السلبية مع ترامب، بأنهم قادرون على قيادة الولايات المتحدة الأمريكية لاستعادة روحها كما يروجون في شعارهم الانتخابي الذي يقوم على استعادة روح أمريكا.
تحديات ماثلة:
هناك العديد من التحديات التي تواجه حصول الرئيس الأمريكي جو بايدن، على ولاية ثانية، ويُمكن إبراز أهمها في التالي:
(&) حالة "بايدن" الصحية: تُشكل القدرات الصحية للرئيس بايدن أحد التحديات التي تواجهه لخوض السباق الرئاسي، فعلى الرغم من تأكيد طبيبه الخاص، أنه يمارس التمارين الرياضية بشكل مُنتظم، إلا أن تكرار سقوطه خلال مناسبات مُتعددة -أحدثها في 2 يونيو 2023 خلال حضوره حفل تخرج في أكاديمية سلاح الجو بولاية كولورادو- أثار تساؤلًا حول قدراته الصحية ومدى قدرته على القيام بمهام الحكم وشؤونه، بما يجعل صحة الرئيس محل جدل داخل المجتمع الأمريكي، لاسيما من خلال توظيف الجمهوريين لتلك المشكلة، ومنهم نيكي هايلي، سفيرة الولايات المتحدة السابقة في الأمم المتحدة والمرشحة، لنيل ثقة الحزب الجمهوري التي أشارت إلى أن بايدن قد يموت في منصبه حال أُعيد انتخابه، وأن التعويل سيكون على نائبته، بما دفع اتجاهًا للقول إن التصويت لبايدن سيعني ضمنيًا التصويت لنائبته كامالا هاريس، التي ربما تقوم باستكمال مدته الدستورية، لأي من الأسباب سواءً كانت صحية أو غيرها، وفقًا لتصور هذا الاتجاه.
(&) إخفاقات إدارة بايدن الداخلية: تُشكل القضايا الداخلية دائرة اهتمام الناخب الأمريكي، وفى ظل الأزمات الاقتصادية التي فشلت إدارة بايدن في حلها، ومنها مشكلات ترتبط بارتفاع البطالة، وزيادة التضخم، وارتفاع سقف الدين الأمريكي الذي وصل إلى ما يقرب من 31,4 تريليون دولار في 2023 وقد أرجعه البعض إلى زيادة الإنفاق الاجتماعي لإدارة بايدن، فضلًا عن الدعم اللامحدود الذي تقدمه الإدارة، تصبح تلك المشكلات تحديًا يُواجه حصول بايدن على ولاية ثانية.
(&) ترشح ديسانتيس: يُمثل إعلان حاكم ولاية فلوريدا، رون ديسانتيس، ترشحه لنيل بطاقة ترشح الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية، تحديًا لحصول بايدن على ولاية ثانية بسهولة، لاسيما أن "ديسانتيس" لديه خصائص شخصية وخبرات سياسية في مقدمتها الفارق العمرى بينهما، والذي يتجاوز ثلاثة عقود لصالح ديسانتيس، كما أنه حاكم فلوريدا منذ عام 2018 وتم تجديد انتخابه في انتخابات حكام الولايات بالتزامن مع التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي في نوفمبر 2022 بفارق 1,5 مليون صوت عن منافسه الديمقراطي، فضلًا عن تبنيه برنامجًا انتخابيًا متكاملًا يقوم على دعم التفوق الأمريكي من خلال زيادة الإنفاق العسكري، ويتخذ موقفًا مُعاديًا من الهجرة، ويرفض القوانين الرامية لتقنين حمل السلاح، ويدعم إسرائيل كسائر المرشحين الراغبين في الوصول إلى البيت الأبيض.
(&) أزمة الديمقراطية الأمريكية: تُشكل أزمة الديمقراطية أحد التحديات التي تواجه إعادة انتخاب بايدن، بعد أزمة الثقة التي سعى ترامب لتعميقها لدى قطاع من الداعمين له إزاء النظام الانتخابي الأمريكي، وتسويقه لقضية تزوير الانتخابات لصالح الديمقراطيين ورفضه الاعتراف بنتائجها. وهو ما جعله يحرض مؤيديه على اقتحام مبنى الكابيتول الذي يُمثل رمزًا للحرية الأمريكية. كما تزايدت الانتقادات الخارجية للممارسة الديمقراطية الأمريكية، سواءً على مستوى الداخل أو الخارج، وهو ما نشرته وزارة الخارجية الصينية في تقرير لها في مارس 2023 يتكون من جزأين؛ الأول بعنوان الديمقراطية الأمريكية في اعتلال مُزمن، والثاني بعنوان فرض الولايات المتحدة للديمقراطية تسبب في حدوث فوضى في جميع أنحاء العالم. وخلاصة التقرير أن الديمقراطية هي القيمة المشتركة للبشرية، ومع ذلك لا يوجد نموذج واحد للنظام السياسي يمكن تطبيقه على جميع دول العالم، وأن الأمراض التي تصيب الديمقراطية الأمريكية أصابت السياسة والمجتمع في الولايات المتحدة بعمق، وكشفت كذلك عن فشل الحكم الأمريكي والعيوب المؤسسية.
مجمل القول؛ إن فرص بايدن في خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة 2024 والحصول على ولاية ثانية، ستتوقف على برنامجه الانتخابي ومدى ملامسته لتطلعات قواعد الناخبين لاسيما المستقلين والمترددين من الناخبين الجمهوريين، فضلًا عن منافسه الذي سيختاره الحزب الجمهوري لخوض السباق الانتخابي أمامه، ففي حال اختيار ديسانتيس بعد تزايد الاتهامات الموجهة لترامب فإن المعركة الانتخابية لن تكون سهلة، وستصبح المفاضلة بينهما على أساس البرنامج الانتخابي وما قدمه بايدن في ولايته الأولى لاستعادة روح أمريكا، والإخفاقات التي منيت بها إدارته، وما يُمكن أن يطرحه ديسانتيس في حملته الانتخابية لاستعادة التفوق الأمريكي.