تأتي جولة كاميلا هاريس، نائبة الرئيس الأمريكي، من 26 مارس إلى 2 إبريل 2023، التي تشمل ثلاث دول إفريقية هي غانا وتنزانيا وزامبيا، وتعد الأولى لها منذ توليها منصبها، في إطار سعي الولايات المتحدة الأمريكية لاستعادة نفوذها داخل القارة السمراء، من خلال عقد شراكات اقتصادية وأمنية مع عدد من دول القارة، وتعكس الجولة زيادة الاهتمام الأمريكي بإفريقيا في دوائر صنع القرار المؤثرة، لا سيما وأنها جاءت عقب جولة أجراها أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي، إلى إثيوبيا والنيجر من 14-17 مارس 2023، كما استضافت واشنطن القمة الأمريكية الإفريقية الثانية، 15 ديسمبر 2022، التي دعا إليها الرئيس جو بايدن، 49 من قادة إفريقيا، واعتبرت أكبر تجمع دبلوماسي شهدته أمريكا، عقب جائحة كورونا في محاولة لتضييق فجوة الثقة مع الدول الإفريقية، التي تزايدت بسب ضعف التزامات واشنطن تجاه إفريقيا، في ظل تنامي النفوذ الصيني والروسي في تلك المنطقة، التي كان ينظر إليها في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب بوصفها منطقة مشكلات.
برنامج الزيارة:
يرتكز برنامج زيارة كاميلا هاريس في جولتها الثلاثية على عدة قضايا محورية هي: التنمية الاقتصادية، تغير المناخ، الأمن الغذائي، المرأة والشباب، تخفيف الديون وشئون الديمقراطية، والصناعة الإبداعية، وتبدأ الجولة بغانا مرورًا بتنزانيا وصولًا إلى زامبيا. ووفقًا لبيان للبيت الأبيض حول زيارة هاريس إلى غانا فيشتمل برنامج الزيارة على لقائها مع رئيس غانا نانا أكوفو، لإجراء محادثات ثنائية، كما ستقوم بزيارة استوديو تسجيل محلي وتلتقي مجموعة من الشباب المهتمين بالصناعة الإبداعية، كما ستقوم بإلقاء كلمة أمام جمهور من الشباب، وستزور قلعة العبيد في كيب كوست للتحدث عن وحشية العبودية والشتات الإفريقي. كما ستلتقي برائدات أعمال في أكرا، لمناقشة التمكين الاقتصادي للمرأة، ومن المتوقع أن تعلن سلسلة من استثمارات القطاعين العام والخاص على مستوى القارة، للمساعدة في سد الفجوة الرقمية بين الجنسين وتمكين المرأة اقتصاديًا. ومن المقرر أن تسافر كاميلا هاريس بعد ذلك إلى دار السلام عاصمة تنزانيا، لتلتقي رئيسة البلاد، سامية صولحو حسن، وتلقي خطابًا، قبل أن تختتم رحلتها في لوساكا بزامبيا.
دوافع متعددة:
تتنوع دوافع الجولة الإفريقية لكاميلا هاريس، نائبة الرئيس الأمريكي، التي يمكن الإشارة إلى أهمها في التالي:
(*) الترويج للرؤية الأمريكية لمستقبل إفريقيا: تعد جولة كاميلا هاريس، نائبة الرئيس الأمريكي، هي خامس زيارة رفيعة المستوى لإفريقيا هذا العام يقوم بها كبار مسؤولي إدارة بايدن، من أنتوني بلينكن، وزير الخارجية، وليندا جرينفيلد، سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، وقرينة الرئيس الأمريكي جو بايدن السيدة جيل بايدن. وتأتي تلك الزيارات في إطار الترويج للرؤية الأمريكية الجديدة لمستقبل إفريقيا، التي عبر عنها الرئيس الأمريكي بايدن بتطلعه للعمل مع الحكومات الإفريقية والمجتمع المدني والقطاع الخاص ومجتمعات الشتات والمغتربين في جميع أنحاء الولايات الأمريكية، لمواصلة تعزيز رؤية مشتركة لمستقبل العلاقات بين الولايات المتحدة وإفريقيا، من خلال الارتكاز على القيم المشتركة لتعزيز المشاركة الاقتصادية الجديدة بشكل أفضل وتعزيز التزام الولايات المتحدة وإفريقيا بالديمقراطية وحقوق الإنسان والتخفيف من تداعيات الأوبئة. كانت الولايات المتحدة أقرت في 2022 استراتيجية جديدة تجاه إفريقيا جنوب الصحراء هدفت إلى تعزيز أولويات الولايات المتحدة في الدول الإفريقية جنوب الصحراء، وإعادة صياغة مكانة إفريقيا بالنسبة إلى مصالح الأمن القومي الأمريكي، خلال السنوات الـ5 المقبلة. إذ خصصت الولايات المتحدة الأمريكية 55 مليار دولار للقارة على مدى السنوات الثلاث المقبلة، فيما أعلن أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي، تقديم 150 مليون دولار مساعدات إنسانية جديدة لمنطقة الساحل الإفريقي خلال زيارته للنيجر مؤخرًا.
(*) موازنة النفوذ الصيني: تعد الصين أكبر شريك تجاري لقارة إفريقيا، وهو ما تقره بيانات الهيئة الوطنية العامة للجمارك بأن التجارة بين الصين وإفريقيا وصلت 254.3 مليار دولار في 2021، بزيادة 35.3% على أساس سنوي، وصلت نحو 282 مليار دولار، خلال عام 2022 بزيادة قدرها نحو 11%؛ إذ بلغ حجم الصادرات الصينية إلى إفريقيا نحو 164.5 مليار دولار بزيادة سنوية قدرها 11.2%، بينما بلغ حجم الصادرات الإفريقية إلى الصين نحو 117.5 مليار. ومنذ تسعينيات القرن الماضي تعزز بكين تواجدها بإفريقيا الذي تصاعد بدءًا من عام 2013 مع مبادرة الحزام والطريق. وتشير التقديرات إلى أن حجم الاستثمار الأجنبي الصيني المباشر في إفريقيا يصل نحو 44 مليار دولار، كما تملك الصين نحو 12 % من ديون الدول الإفريقية، التي تضاعفت أكثر من 5 مرات بين عامي 2000 و2020، لتصل نحو 696 مليار دولار. وتسعى الصين إلى توظيف علاقاتها الاقتصادية مع دول القارة الإفريقية، لتعظيم مكاسبها الاستراتيجية كقطب اقتصادى دولي يسعى إلى الوصول لقمة النظام الدولي. لذلك تم تأطير تلك العلاقات بشكل مؤسسي، من خلال تدشين منتدى التعاون الصيني الإفريقي منذ عام 2000، الذي يعقد بشكل سنوي، لتعزيز الشراكة بين الجانبين في مجالات البنية الأساسية والصحة والتعليم والتنمية الاقتصادية والإنسانية، وهو ما عزز من الوجود الصيني في إفريقيا، الذي تعتبره الولايات المتحدة تهديدًا لنفوذها في القارة السمراء.
(*) مواجهة التمدد الروسي: تزايد الاهتمام الروسي في عهد الرئيس فلاديمير بوتين بالتواجد في المناطق الاستراتيجية من أقاليم العالم في ظل سعيه لاستعادة المكانة الروسية على مسرح السياسة الدولية، وأسهم تفجر الصراع بأوكرانيا في منح التواجد الروسي بأفريقيا المزيد من الأهمية، كأداة لنقل صراعها مع القوى الغربية إلى خارج الحدود، ومع تنامي العقوبات الغربية على روسيا فإنها اتجهت بصادراتها النفطية نحو إفريقيا، إذ تشير التقديرات إلى أن متوسط صادرات روسيا النفطية للدول الإفريقية، بلغت في ديسمبر 2022 نحو 214 ألف برميل يوميًا، بارتفاع قدره 300% عما كانت عليه في ديسمبر 2021. كما أثارت المساندة الإفريقية لروسيا في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة فيما يخص إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا، إذ لم يصوت سوى 28 دولة من دول القارة الإفريقية لصالح مشروع القرار الأمريكي. يضاف إلى ذلك تعبير الولايات المتحدة الأمريكية عن قلقها من التزايد السريع للنفوذ الروسي في إفريقيا، وهو ما نقله أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي، للقادة الأفارقة المشاركين في قمة واشنطن، ديسمبر 2022 من قلق الولايات المتحدة من الوجود الروسي في بلادهم عبر نشاط شركة فاجنر في عدد من الدول يعد أبرزها: مالي، إفريقيا الوسطى، غينيا، موزمبيق، ليبيا، ومدغشقر، لتقوم بأدوار مختلفة تجمع بين حماية النخبة الحاكمة وممتلكاتهم واستثماراتهم، والانخراط في بعض النزاعات التي تهدد بقاء الأنظمة.
(*) تعزيز المكاسب الاقتصادية: تمتلك إفريقيا مقومات اقتصادية جعلت الولايات المتحدة تصفها بأنها مستقبل العالم، إذ يقع أكثر من نصف الأراضي الصالحة للزراعة على مستوى العالم في القارة، كما أن سكان القارة يبلغ 1.421 مليار نسمة في نوفمبر 2022، بما يمثل 17.8% من عدد سكان العالم، كما أن شباب القارة دون الخامسة والعشرين يشكلون قرابة 65% من سكانها، بما يجعلها سوق مستقبلية واعدة لسوق العمل. وبلغ حجم التجارة البينية بين واشنطن والدول الإفريقية خلال عام 2021 ما يقدر بـ64.3 مليار دولار، وهو ما يمثل 2% من حجم التجارة الأمريكية مع دول العالم، كما تقدم واشنطن مساعدات تبلغ 13 مليار دولار للدول الإفريقية سنويًا، في حين يبلغ الاستثمار الأمريكي المباشر في إفريقيا 43.2 مليار دولار. وفي ظل تراجع التعاون الاقتصادي الأمريكي مع دول القارة الإفريقية مقارنة بالصين، أعلن جاك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأمريكي، قبيل انعقاد القمة الأمريكية الإفريقية، ديسمبر 2022، أن الرئيس الأمريكي جو بايدن سيعين الدبلوماسي جوني كارسون، مبعوثًا أمريكيًا خاصًا للقارة الإفريقية، لتطبيق توصيات القمة وما يتفق عليه. كما أكد سوليفان، أن واشنطن ستلتزم بتقديم 55 مليار دولار لإفريقيا حتى عام 2025، في إطار استراتيجيتها للدعم الاقتصادي والصحي والأمني بالقارة السمراء، وبما يتماشى مع استراتيجية الاتحاد الإفريقي 2063، كما أعلن مكتب كاميلا هاريس، خلال زيارتها إلى غانا، أن الولايات المتحدة ستقدم 139 مليون دولار من المساعدات الثنائية إلى غانا العام المقبل، لا سيما لتمويل مبادرات اقتصادية وتجارية وثقافية وصحية، وبرنامج مكافحة الملاريا.
مجمل القول: إن جولة كاميلا هاريس الإفريقية والتي تستمر لسبعة أيام، تعكس الرغبة الأمريكية في تضييق فجوة الثقة مع الدول الإفريقية واستعادة مكانتها داخل القارة التي أضحت مجالًا أرحب للتنافس الدولي ما بين القوى الكبرى المتنافسة على قمة النظام الدولي والساعية لتعزيز أدوارها ومكانتها على مسرح السياسة الدولية، وفي مقدمتها الصين وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية. لذلك فإن الاستقطاب الدولي سيمثل أحد التحديات التي ستواجه مستقبل القارة السمراء، وهو ما يتطلب أن تتجه الدول الإفريقية لتقوية مؤسساتها الإقليمية والمتمثلة في الاتحاد الإفريقي، لتبني الرؤية الإفريقية، لمواجهة تحديات الداخل ومساعدتها في مواجهته، التي تتمثل في انعدام الأمن الغذائي، والتغيرات المناخية الحادة، وما أنتجته من نزوح ولجوء وتشريد الملايين، فضلًا عن تعزيز الاستثمارات الأجنبية، لمواجهة معضلات التنمية من دون مشروطية سياسية.