جاء إعلان حاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتيس "44 عامًا" في 24 مايو 2023، بتقديمه طلبًا رسميًا لنيل بطاقة ترشيح الحزب الجمهوري لخوض الانتخابات الرئاسية الأمريكية، المقرر إجراؤها في نوفمبر 2024، ليثير العديد من التساؤلات حول تأثير ذلك القرار على فرص الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي أعلن ترشحه رسميًا في 16 نوفمبر 2022 لخوض السباق الرئاسي لا سيما وأن الأخير، برغم الملاحقات القانونية ضده لا يزال يتمتع بشعبية لدى قطاع معتبر من الجمهوريين، فضلًا عن مدى تأثير ذلك الترشح على تماسك الحزب الجمهوري فى مواجهة الحزب الديمقراطي بعد أن أعلن الرئيس الحالي جو بايدن، 25 أبريل 2023، خوض الانتخابات المقبلة بصحبة نائبته كامالا هاريس.
النشأة والمسار:
ولد ديسانتيس بمدينة جاكسون بولاية فلوريدا، في 14 سبتمبر عام 1978، ومتزوج من ماري ديسانتيس التي كانت نجمة تلفزيونية، ثم أصبحت مساعدة له ولديهما 3 أبناء. وينحدر من أصول إيطالية، وهاجرت عائلته إلى الولايات المتحدة الأمريكية منذ بداية القرن العشرين. أما بالنسبة لمساره التعليمي فقد درس التاريخ في جامعة ييل وتخرج منها عام 2001، ثم درس القانون في جامعة هارفارد وحصل على شهادة في 2005. وخدم ديسانتس في البحرية الأمريكية خلال الفترة من 2004-2010، وخلال الغزو الأمريكي للعراق عمل مستشارًا لقيادة قوات البحرية بمحافظة الأنبار عام 2007. وفي عام 2008 عُين بوزارة العدل مدعيًا فيدراليًا بمكتب الادعاء العام بالمنطقة الوسطى في فلوريدا.
وتتنوع محطات مسار ديسانتيس السياسي، حيث فاز بعضوية مجلس النواب في عام 2012 وأعيد انتخابه في انتخابات 2014، و2016. ويشغل ديسانتيس حاليًا منصب حاكم ولاية فلوريدا منذ عام 2018 بدعم من الرئيس السابق دونالد ترامب، وتم تجديد انتخابه في انتخابات حكام الولايات التي أجريت بالتزامن مع انتخابات التجديد النصفي للكونجرس في 8 نوفمبر 2022 بعد أن حقق فوزاً كاسحاً على منافسه الديمقراطي شارلي كريست بفارق 20% من الأصوات تقدر بحوالي 1,5 مليون صوت. وهو الفوز الأعلى في تاريخ ولاية فلوريدا التى تعد أكبر الولايات الأمريكية من حيث عدد سكانها وتعد من الولايات التى سيطر عليها الديمقراطيون حتى انتخاب ديسانتيس فى 2018 ليصبح أول حاكم جمهوري للولاية منذ عام 2002.
متغيرات حاكمة:
هناك العديد من المتغيرات الحاكمة لمدى تأثير ترشح ديسانتيس على فرص ترامب فى الفوز بترشيح الحزب الجمهوري، والتي يمكن إبراز أهمها فى العناصر التالية:
(*) عقيدة ديسانتيس: يحرص ديسانتيس على أهمية القيم التي ينادي بها الجمهوريون المحافظون مثل الحفاظ على العائلة ومناهضة المثلية، وحظر الإجهاض وتقييده بشروط معينة، وحاول ديسانتيس رسم صورة ذهنية له بأنه مقاتل ضد الليبرالية كما يروج لها الديمقراطيون. وتؤكد بعض التقارير الصحفية على تدينه، فقد سبق أن نشرت زوجته مقطع فيديو جاء فيه "أن الله أرسله إلى فلوريدا وجعله مقاتلًا، ليخدم سكانها ويحفظ وظائفهم وحرياتهم"، وهي نزعة دينية يروج لها الجمهوريون عادة ليحظوا بتأييد قطاعات واسعة من المحافظين المتدينين داخل الحزب الجمهوري، وهذا يعد اتجاه يكرهه بعض المرشحين للرئاسة الأمريكية، إذ وصف الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن نفسه بأنه مُخلص العالم من آلامه، وذلك إشارة إلى أنه يسير على طريق السيد المسيح.
(*) البرنامج الانتخابي: يعتمد ديسانتيس على إنجازاته التي حققها في ولاية فلوريدا لنيل بطاقة ترشيح الحزب الجمهوري لخوض الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ورفض خلال أزمة كورونا، الإغلاق الكلي للأنشطة الاقتصادية مقتنعًا بضرورة الحفاظ على الوظائف واستمرار الإنتاج، كما يعارض ديسانتيس القوانين الرامية لتقنين حمل السلاح، ويتخذ موقفًا معاديًا من الهجرة، ويدعو لتعزيز قوة الجيش الأمريكي، إذ وافق خلال وجوده بمجلس النواب على زيادة الإنفاق العسكري للحفاظ على التفوق العسكري الأمريكي. كما يرفض التغلغل الاقتصادى للصين داخل الولايات المتحدة الأمريكية، وقد قيد الأنشطة الاستثمارية للصين في ولاية فلوريدا، وهو ما يرجح معارضته للصين في حال فوزه بالرئاسة.
كما يعد ديسانتيس من المؤيدين لإسرائيل، فعقب انتخابه حاكمًا لفلوريدا في 2018، تعهد بأن يكون الحاكم الأكثر تأييدًا لإسرائيل في تاريخ أمريكا، كما أيد نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، وعارض توقيع القوى الكبرى للاتفاق النووي مع إيران عام 2015، وهو نفس الموقف الذي تتخذه إسرائيل من البرنامج النووي الإيراني. يُذكر أن ديسانتيس قصر جولاته وزياراته الخارجية خلال عضويته بمجلس النواب، ووجوده حاكمًا لولاية فلوريدا، على إسرائيل، وهو ما يعكس محورية دعم إسرائيل لديه.
(*) الحملات الانتخابية: تعد ولاية أيوا الولاية الرمزية التي تفتتح عادة الانتخابات التمهيدية الرئاسية للجمهوريين. لذلك بدأ ديسانتيس حملته الانتخابية من تلك الولاية في 30 مايو 2023، وبدا أن ناخبي الولاية ومشرعيها- وفقًا لتقارير صحفية – يشككون في أن يكون ترامب المرشح الحتمي، الذى سيحوز بطاقة ترشح الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية المقبلة في ظل وجود عدد معتبر من الأصوات الجمهورية البارزة التي تتحدى ترامب وتروج لترشيح الحزب الجمهوري لديسانتيس، والتي ترى في ديسانتيس إعادة لبث الدماء والتجديد الجيلي داخل الحزب الجمهوري، ويعتبرون ديسانتيس من الحرس الجديد الذين يجب أن تتاح لهم الفرصة لإعادة تجديد شباب الحزب، الذي ترهل على يد ترامب وداعميه، بما يعانيه من انقسامات واضحة تهدد تماسكه، ويتبنى ذلك التيار ضرورة تسليم الراية لجيل جديد من شباب الحزب الجمهوري تكون لديهم القدرة على تحمل المسؤولية والحفاظ على تقاليد الحزب.
(*) الانقسامات الداخلية للحزب الجمهوري: يمثل الانقسام الداخلي أحد التحديات التي تواجه الحزب للمفاضلة بين ترامب وديسانتيس، وتجلى ذلك الانقسام في اختيار رئيس مجلس النواب كيفين مكارثي، يناير 2023، بعد انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي، الذي احتاج وقتها إلى 15 جلسة لإقناع النواب الجمهوريين الرافضين للتصويت له بعد مفاوضات مضنية وبشروط معينة، كما ينعكس ذلك الانقسام على تعدد وتنوع المرشحين الجمهوريين الراغبين في نيل ثقة الحزب الجمهوري لخوض الانتخابات المقبلة، أبرزهم: "نيكي هيلي (51 عامًا) مندوبة الولايات المتحدة الأمريكية السابقة في الأمم المتحدة، وهي من أصول هندية، والسيناتور الجمهوري ذو الأصول الإفريقية تيم سكوت (57 عامًا)، ونائب الرئيس الأمريكي السابق مايك بينس (64 عامًا).
تحديات ماثلة:
على الرغم من تقدم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في استطلاعات الرأي، على منافسه الجمهوري ديسانتيس حاكم ولاية فلوريدا، إلا إن تأكيد انتصاره في الفوز بترشيح الحزب الجمهوري لا يزال بعيد المنال في ظل وجود عدد معتبر من الأصوات الجمهورية البارزة التي تتحدى ترامب وتروج لديسانتيس. غير أن هناك عدة تحديات تواجه صعود ديسانتيس، أولها؛ تمويل الحملات الانتخابية التي تشكل التحدي الأبرز الذي يواجه ديسانتيس مقارنة باحترافية القائمين على الحملة الانتخابية لدونالد ترامب، الذي يحظى بشهرة إعلامية كافية داخل كل الولايات الأمريكية، كما أن لديه القدرة على تحويل إخفاقاته إلى فرصة لتوظيفها، فبعد توجيه اتهامات وتحويله للمحاكمة، نجح في نفس اليوم بجمع تبرعات لحملته الانتخابية قدرت بملايين الدولارات. وثانيها؛ انقسام الحزب الجمهوري بين مرشحين متعددين يسعون للحصول على بطاقة الحزب لخوض السباق الرئاسي الانتخابي، حتى وإن اقتصرت المنافسة بين ترامب وديسانتيس، يظل ترامب يتمتع بوجود قاعدة يمينية صلبة من أعضاء الحزب الجمهوري تؤيد أفكاره وتقتنع بشعاراته ومواقفه العنصرية من المهاجرين والسود داخل أمريكا، وتجاهل المؤسسات، ورفض منظومة القيم الأمريكية الراسخة. وثالثها؛ التناقض في موقف ديسانتيس من الحرب الروسية الأوكرانية ورفضه لدعم الولايات المتحدة الأمريكية لأوكرانيا، بما جعل البعض يعتبرونه تخلي عن موقفه السابق بدعم أوكرانيا، في حين يتبنى ترامب موقفًا حاسمًا من تلك الحرب بضرورة وقفها.
مجمل القول، إن قرار ديسانتيس خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة ، نوفمبر 2023، وسعيه لنيل بطاقة ترشح الحزب الجمهوري، يشكل تحديًا لفرص ترامب في خوض السباق الانتخابي الرئاسي، في ظل ما يتمتع به ديسانتيس من دعم من قطاع معتبر من قواعد الحزب الجمهوري الرافضة لترامب، وقناعاته وما لحق بالرئيس السابق من اتهامات بالتهرب الضريبي، وتحويله للمحاكمة في اتهامات متعددة نالت من مصداقيته التي تدنت لدى النخبة الأمريكية بعد اقتحام مؤيديه لمبنى الكابيتول، الذي يعتبرونه رمزًا للحرية الأمريكية.
ومع عدم وجود اختلاف أيديولوجي بين ترامب وديسانتيس، حول قضايا الداخل التي تهم الناخب الأمريكي، وفي ظل ما يمتلكه ديسانتيس من قدرات شخصية ومسار سياسي حافل وفارق عمري يتجاوز ثلاثة عقود، تظل فرصته قائمة في أن يصبح مرشح الحزب الجمهوري، لينافس بايدن مرشح الحزب الديمقراطي في انتخابات تنافسية ستحدد مكانة الولايات المتحدة في ظل نظام دولي جديد لا يزال قيد التشكيل.